مسيرة ولد زروال التاريخية

مسيرة ولد زروال التاريخية

المغرب اليوم -

مسيرة ولد زروال التاريخية

بقلم - توفيق بو عشرين

لا يوجد أي تهكم أو سخرية في هذا العنوان، فالمسيرة، التي حلت أول أمس ذكراها (18 شتنبر)، كانت تاريخية من عدة أوجه؛ أولا، هي التظاهرة الأولى من نوعها التي تخرج ضد رئيس حكومة يجلس في المشور، رافعة صور بنكيران وعليها «ارحل»، في الوقت الذي لم يكن يفصل هذه المسيرة عن صندوق الاقتراع سوى أسابيع، حيث كان من الممكن أن يعبر المواطن عن رغبته في رحيل بنكيران عبر الانتخابات وليس عبر المسيرات المخدومة.

ثانيا، تظاهرة ولد زروال أول تظاهرة في المغرب يجري تحشييد آلاف المواطنين لها من القرى والمدن، رافعين صور الملك، وحاملين لافتة كتب عليها: «لا لأخونة المجتمع.. لا لأسلمة الدولة»، في استنساخ بليد لتجربة العسكر في إسقاط محمد مرسي في مصر، عبر تحريض الشارع عليه، كمقدمة للانقلاب عليه. هذا لم يحدث من قبل، فقد خرجت تظاهرات في الشارع ضد حكومات كثيرة، لكنها لم تحمل صور الملك، ولم تحتكر الدفاع عن الدولة، ولم تقلد بلدان التخلف العربي.

ثالثا، هذه أول تظاهرة وطنية تنظم تحت رعاية وزارة الداخلية، وبمشاركة أحزاب ونقابات وجماعات وجمعيات وروابط وزوايا، ولا يجرؤ أحد على تبنيها، ولا الدفاع عنها، ولا تبرير خروجها (للنجاح ألف أب، أما الفشل فليس له أب»، ومع كل الإمكانات التي وضعت لإنجاح هذه التظاهرة، فقد فشلت فشلا ذريعا، وأصبحت مدعاة للسخرية ممن نزل فيها وممن خطط لها، وقد عرى صحافيو المواقع الإلكترونية ورواد التواصل الاجتماعي جهل البسطاء بالداعي إلى خروجهم وعدم فهمهم تهمة «الأخونة»، حتى إن شابا اختصر المهمة التي نزل من أجلها وقال: «إننا هنا لمواجهة بنكيران لأنه يريد أخذ الصحراء من المغرب».

هذا واحد من الذين جرى إرسالهم إلى تظاهرة الرباط للاحتجاج على بان كي مون، ونسي من بعثه إلى البيضاء أن يعيد برمجته على التظاهرة ضد بنكيران، فألصق تهمة الأول بالثاني.

كان السيناريو الذي بنيت عليه مسيرة ولد زروال «ضد بنكيران» يقوم على مشاركة واسعة لسكان الدار البيضاء في هذه المسيرة، بعد أن يشاهدوا الآلاف من «السياح» ينزلون إلى مدينتهم حاملين الأعلام الوطنية وصور محمد السادس، يشكون حكومة بنكيران، ولحيتها، وسعيها إلى أخونة الدولة، وضرب كل شيء جميل في المملكة، من قدرة شرائية، وسلم اجتماعي، وتعليم متقدم، وصحة تضاهي صحة السويد! وهكذا تصور عقل السلطة، بتشجيع من البام ومن يدور في فلكه، أن الوافدين على الميتربول المغربي سيشكلون عود الثقاب الذي سيشعل الحماسة والفتنة في المدينة، وقد تخرج المسيرة عن طابعها السلمي، وهذا وارد جدا لغياب التأطير السياسي، ولتزامن موعدها مع الأزمات الاجتماعية والاقتصادية التي تعانيها أغلب الطبقات الاجتماعية.

كان السيناريو يتراوح بين مستويين، حسب التطورات على الأرض، فإذا انقلبت المسيرة إلى عنف وتخريب وسرقات واعتداء على الممتلكات، فعندها تتدخل الدولة لتقول لبنكيران إنك مسؤول عن إشعال الحرائق في البلاد، وعليك أن تدفع الثمن السياسي لذلك، وهو عدم المشاركة في الانتخابات المقبلة، لأن الناس لا يريدونك ولا يريدون حزبك، وإذا لم تصل المسيرة إلى هذا المستوى من العنف والتخريب، وبقيت في طابعها السلمي مع مشاركة مئات الآلاف فيها، فعندها تطالب الدولة بنكيران بتقليص مشاركة حزبه في استحقاقات أكتوبر، (كما فعلت معه في 2002 بدعوى أن هذا هو حكم الشارع)، لكن أحدا من هذه الأهداف لم يتحقق، فلا البيضاويون نزلوا إلى الشارع، ولا المتظاهرون الذين علبتهم السلطة نجحوا في إقناع أحد بعفوية نزولهم إلى الفضاء العام، حتى إن بائع عصير الليمون الشهير بدأ يصرخ فيهم: «عنداك يقولبوكم، راه ما كاين في البلاد غير الملك وبنكيران.. عنداك يقولبوكم»، وهذا ما حصل.

فشلت المسيرة، وفشلت الداخلية، وفشل السيناريو، وفشل البام، وخسر كل هؤلاء ليس فقط تعاطف الناس بل احترامهم، وهذا أخطر شيء يمكن أن يقع في أي دولة تحترم نفسها.. أن تخسر احترام مواطنيها لها.

في مساء الأحد 18 شتنبر ران الصمت على الجميع، واختفى الحديث عن مسيرة ولد زروال حتى في الإعلام الرسمي والآخر «المخدوم»، أما رد الناس الذين لم تحترم الدولة ذكاءهم وعقولهم، فكان يوم السابع من أكتوبر، حيث فاز بنكيران بـ125 مقعدا رغم كل العوائق التي وضعت في طريق انتخابات مفتوحة وشفافة وعادلة. بعدها تحرك الفصل الثاني من مسيرة ولد زروال..

اجتمع العماري ولشكر والعنصر ومزوار وساجد وشباط، وحاولوا التوقيع على أول بيان للبلوكاج، ولولا تمرد أمين عام حزب الاستقلال، لكان بيان رفض التحالف مع المصباح قد صدر قبل أن يجري استدعاء بنكيران إلى قصر الدار البيضاء يوم الاثنين.

ثلاث جرائم ارتكبها منظمو تظاهرة ولد زروال؛ أولاها أنهم استغلوا فقر وهشاشة وعطالة جزء من الشعب للعب به وتعريضه للإهانة وللسخرية، وهذا لعب بالنار قد يصير لعبة حارقة للجميع.

مسيرة ولد زروال كانت بحق أخطر تهديد للسلم الاجتماعي في 20 سنة الأخيرة، حيث كانت تسعى إلى استيراد أساليب الثورة المضادة من مصر لاستعمالها في بيئة مغايرة، وخلق عداوات «إيديولوجية» مع التيار الإسلامي بإلصاق تهمة «الأخونة» به لتبرير استئصاله بطرق غير ديمقراطية وغير إنسانية.

ثانيا، مسيرة ولد زروال تجرأت على توظيف اسم وصورة الملك وعلم المملكة الذي يغطي الجميع لتصفية حساب سياسي مع فريق حزبي، والأدهى أن أي تحقيق لم يفتح في هذه الجريمة، وأي عقاب لم ينزل على من خطط ومول وفكر في احتكار الرموز الوطنية في صراع سياسي وانتخابي.

ثالثا، تظاهرة ولد زروال أظهرت «نهاية أسطورة الداخلية»، وقدرتها على فعل أي شيء في مغرب اليوم. الذي أسقط مؤامرة 18 شتنبر هي بضع كاميرات المواقع الإلكترونية والفايسبوك الذي أظهر عبثية المسيرة، وجهل المشاركين فيها بشعاراتها. هذا كل شيء، في حين بقي بنكيران وحكومته وحزبه يتفرجون على مسيرة ولد زروال، ولم يقوموا بأي شيء لإفشال أكبر لعبة كانت تهدد رؤوسهم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مسيرة ولد زروال التاريخية مسيرة ولد زروال التاريخية



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 11:14 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم الإثنين 9 تشرين الثاني / نوفمير لبرج القوس

GMT 15:51 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج العذراء

GMT 11:04 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم الإثنين 9 تشرين الثاني / نوفمير لبرج العذراء

GMT 00:58 2020 الثلاثاء ,28 كانون الثاني / يناير

دراسة تحدّد الأطفال الأكثر عرضة لخطر السكري من النوع الثاني

GMT 19:55 2019 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

رشيد دلال مساعدا للكيسر في تدريب أولمبيك آسفي

GMT 05:10 2016 السبت ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران تستضيف أعمال الفن العربي الحديث في متاحفها

GMT 07:35 2020 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

غوايدو يدعو الفنزويليين للاحتجاجات ضد مادورو

GMT 17:50 2019 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وهبي يراسل وزير الصحة بشأن غياب دواء مرضى السرطان

GMT 01:40 2018 السبت ,10 آذار/ مارس

رجل يشكو زوجته لسوء سلوكها في طنجة
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya