الإمام يوصيكم بتجنب المصباح

الإمام يوصيكم بتجنب المصباح

المغرب اليوم -

الإمام يوصيكم بتجنب المصباح

بقلم : توفيق بو عشرين

مادام الدين نصيحة فإن السياسة تحذير، هكذا تطوع إمام مسجد في غفساي وقال للمؤمنين بعد صلاة الجمعة الماضية: «إياكم وإياكم أن تصوتوا للعدالة والتنمية، وإذا صوتم على ‘‘لامبا’’ سندخل جميعا السجن».

هذا الإمام، الذي يجمع بين الحسنيين (خطيب مسجد وشيخ ومقدم في خدمة السلطة)، لا يهمه من سيفوز في الانتخابات، وهو لا يتعاطف مع الجرار، هو فقط يخاف على المؤمنين من أتباعه من دخول السجن، وعندما احتج عليه بعض «الخوارج» في المسجد، وقاموا في وجهه محتجين على هذه النصيحة، أخبرهم بأن هذه توصية القايد، وأنه لا ينطق عن هوى، وأنه من الناصحين.

اللجنة المركزية لتتبع الانتخابات، التي تغط في نوم عميق، بعثت موفدين لها إلى مسجد غفساي للتحقيق مع الإمام عبد الكريم أمغيل، بعدما انتشرت خطبته/ نصيحته في مواقع التواصل الاجتماعي، وأثارت ضجة في المواقع الإلكترونية، وكأن السيد عبد الكريم هو الوحيد الذي خرج عن الإجماع، وهو الوحيد الذي يقوم بحملة مضادة على المصباح، والواقع أن ما قام به إمام غفساي يدخل في سياسة منهجية تسري منذ شهر على طول خريطة المغرب، وأنه لم يأتِ ببدعة من عنده، ألم يتابع السيدان حصاد والرميد عشرات التصريحات التي نقلت على ألسنة المشاركين في تظاهرة العار بالدار البيضاء يقولون: «إن القايد فلان والعامل علان والشيخ كذا… هم من أمرونا بتنظيم تظاهرة للتنديد بأخونة الدولة؟»، ألم يعثر وزير العدل والحريات ووزير الداخلية على بصمات الدولة في شارع محمد السادس حيث انطلقت التظاهرة المخدومة؟

كفى من دس الرؤوس في الرمال وإنكار الحقائق، هناك توجيهات واضحة، وأوامر جلية، وخطة محكمة لجعل السلطة طرفا في هذا الاستحقاق الانتخابي، وهذا ما جعل رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، يقول للناس في مراكش: «لا تخافوا رجال السلطة الذين يضغطون عليكم للتصويت ضد العدالة والتنمية».

منذ الانتخابات الجماعية لسنة 2009، التي شهدت مجزرة كان من نتائجها إعطاء حزب لم يبلغ الفطام آنذاك (البام) المرتبة الأولى أمام أحزاب عريقة، منذ تلك الواقعة لم نشهد تورط السلطة في اللعب بالانتخابات كما نرى اليوم، قد نسي الناس، خاصة في المدن، أن هناك إدارة ترابية تشتغل لصالح حزب وضد آخر، وأن هناك من يضغط على المرشحين لدفعهم إلى اختيار قائمة والابتعاد عن أخرى، وأن هناك حزبا سريا يشتغل لفائدة البام، ويدفع الناخبين بكل الطرق نحو ركوب الجرار وإطفاء نور المصباح، وفي سبيل هذا يتم استعمال الجزرة والعصا، وأنت واختيارك… من أقنع مخاريق، زعيم نقابة الاتحاد المغربي للشغل، بوفير الغطاء لتظاهرة البيضاء؟ ومن نصحه بالدعوة إلى التصويت ضد حزب رئيس الحكومة؟ ومن يوسوس لرجال الأعمال ونسائه بمغازلة البام؟ من يجند كتائب جمعيات المبادرة الوطنية للتنمية البشرية للعب دور انتخابي في هذه القيامة؟ من جند أغلبية الصحف وكل الإذاعات وجل المواقع الإلكترونية والمحللين السياسيين في عملية الدجل والسعي إلى اختطاف الرأي العام، ومن؟ ومن؟ ومن…

الإمام الذي نصح المؤمنين بالابتعاد عن المصباح مخافة دخول السجن اختصر المسافة، وكان صريحا معهم إلى أبعد الحدود، لهذا فإنني شخصيا ضد التحقيق معه، وضد توقيفه، وضد متابعته، فهو «عبد مأمور»، ويد السلطة في البوادي ثقيلة، وهو جزء من سياسة عامة، وليس عدلا التضحية به لإخفاء الشمس بالغربال.

حزب رئيس الحكومة اختار أن يتنافس مع رجال السلطة في الميدان على أصوات الناخبين عِوَض أن يوقف «البيضة في الطاس»، وأن يضع حياد السلطة شرطا واقفا للمشاركة في الانتخابات. أمل بنكيران وصحبه أن تعطي هذه الممارسات الخشنة وغير القانونية مفعولا عكسيا على الشعب، وهذا قرار، وإن كانت فيه مغامرة غير محسوبة، فهو، في النهاية، يضر بالعملية الديمقراطية، وباستقرار البلد، وبصورته في الداخل والخارج، إذ كيف نرجع إلى هذه الممارسات بعد الربيع العربي، وبعد الدستور الجديد، وبعد خطاب التاسع من مارس، وبعد خمس سنوات من حكم حكومة اختارها الشعب؟

لقد دخلنا في لعبة قاتلة تتصارع فيها الدولة بغباء قل نظيره مع حزب العدالة والتنمية، الذي يربح بعد كل جولة من الصراع، ويخرج منتصرا حاملا وسام المظلومية أمام الناس، الذين يزدادون تعاطفا معه، فيما تخرج الديمقراطية مهزومة تجر أذيال الخيبة والتراجع إلى الوراء.

السؤال الآن: هل ستقف آلة السلطة عند هذا الحد، أم إنها ستقتحم صناديق الاقتراع وستضع يدها على المحاضر، وتعلن الفائزين وفق ما تراه مناسبا لخطة وضعت قبل انطلاق الانتخابات، أم إن الحكمة ستزور ليلة الانتخابات عقل الدولة، وتنصحها باحترام ما بقي من نزاهة في هذا الاقتراع الذي تعرض لقصف عنيف، وأن تحجيم المصباح هو المطلوب وليس إسقاطه، وأن قرار التضحية بكل شروط شفافية الاقتراع قرار خطير لا يعرف أحد عواقبه، ولا يتحمل أحد مخاطره؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الإمام يوصيكم بتجنب المصباح الإمام يوصيكم بتجنب المصباح



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 15:55 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج الميزان

GMT 04:16 2019 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

زكي يوجه رسالة قوية إلى مسؤولي الدفاع الحسني الجديدي

GMT 14:34 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

"بريزنتيشن" تؤكد أن مُبررات "صلة" في شأن فسخ تعاقدها غير الصحة

GMT 08:32 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

"الأساور العريضة" تصلح لمختلف مناسبات صيف 2018

GMT 11:37 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

ياسمين جمال ترتدي فستان الزفاف للمرة الثانية بعد الطلاق

GMT 01:48 2016 السبت ,08 تشرين الأول / أكتوبر

علاج الشيب نهائياً وبألوان مختلفة

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 04:16 2019 الإثنين ,30 كانون الأول / ديسمبر

المغرب يشهد نهضة غير مسبوقة في مجال التنقيب عن النفط

GMT 06:33 2019 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على الفوائد المذهلة لثمرة الرمان على الصحة
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya