ومع ذلك فهي هجينة

ومع ذلك فهي هجينة

المغرب اليوم -

ومع ذلك فهي هجينة

بقلم - توفيق بو عشرين

مازال المغرب بلدا كسولا في مادة الديمقراطية، حيث حصل على نقطة 4.8/10، حسب آخر تقرير صدر عن وحدة التحليل والدراسات التابعة لأعراق مجلة في أوروبا، وهي «ذي إيكونومست» البريطانية، التي نشرت تقريرها الجديد عن أحوال التطور الديمقراطي في العالم، حيث حصلت بلادنا على ترتيب سيئ عالميا، 101 على قائمة دول تضم 167 دولة، لكن المملكة الشريفة حصلت على ترتيب جيد في العالم العربي سيدخل السرور على الذين يحبون أن يقارنوا بدول الجفاف الديمقراطي في شمال إفريقيا والشرق الأوسط، حيث جاء المغرب ثانيا بعد تونس، فيما جاءت الدول الأخرى في ذيل الترتيب.

الخبراء في وحدة التحليل والأبحاث البريطانية هذه لا يصدرون أحكام قيمة، وليسوا كتائب إعلامية في معسكر معادٍ للمغرب، كما يصور بعض البلهاء عندنا كل التقارير الصادرة عن المنظمات الدولية والمراكز العلمية والجامعات المرموقة. نعم، ما يصدر عن هذه الدوائر ليس حقائق علمية، لأننا في مجال العلوم الإنسانية، حيث قانون النسبية هو القانون الوحيد الموجود في هذا المجال، لكن، في الوقت نفسه، أغلبية التقارير الدولية، ومنها تقريرThe Economist ، ليست بيانات سياسية ولا مناشير دعائية لجهة تدفع مقابل صدور هذه التقارير، أما العقلاء فإنهم يقرؤون هذه التقارير ويستفيدون منها، ولا ينظمون حفلات لجلد أصحابها.


 
التقرير الجديد يضع شبكة دقيقة لتقييم مؤشرات للتطور الديمقراطي أو للتراجع السلطوي.. مؤشرات كمية أحيانا وكيفية أخرى، وكلها معايير ترتكز إلى المفهوم الليبرالي للديمقراطية، المبنية على وجود دستور يحترم الفصل بين السلط، ويحتكم إلى إرادة الشعب في اختيار من يحكم، مع الإقرار بمدونة الحقوق الفردية والجماعية. بعدها تأتي مؤشرات سلامة الاقتراع، واحترام حقوق الإنسان، وتوقير حقوق التعبير والنشر، وفي الختام، فحص السياسات العمومية للحكومة، ومدى التزامها بقواعد الشفافية والحكم الجيد، واحترام دولة الحق والقانون… هذه هي المرجعية، وهذه هي المنهجية، ووفق هذا كله تضع وحدة البحث والتحليل في المجلة العريقة أربعة أصناف للأنظمة السياسية حول العالم؛ الأول يضم ديمقراطيات كاملة (19 بلدا فقط حول العالم)، ثم الديمقراطيات المعيبة (57 بلدا في العالم)، والأنظمة الهجينة (39 بلدا منها المغرب)، والأنظمة السلطوية (52 بلدا).

هكذا تصنف هذه الدراسة، التي تصدر كل سنة وتحين بناء على تقدم أو تراجع بلدان القائمة محل الدراسة، أنظمة العالم. ماذا تعني الأنظمة الهجينة التي يوجد المغرب ضمنها؟ تعني أن النظام السياسي في بلدنا ليس ديمقراطيا، وليس استبداديا، وأنه يقع في منطقة رمادية، حيث يخلط في عمله أو في مخرجاته، بتعبير العلوم السياسية، بين أساليب ديمقراطية وأخرى سلطوية.

قد يقول قائل: ‘‘الحمد لله على كل حال، فالهجانة أفضل السلطوية، وهي مرحلة انتقالية ضرورية للخروج من التسلط إلى الحكم الديمقراطي المعيب’’… سيكون هذا الاعتراض له معنى لو أن البلاد دخلت حديثا المنطقة الهجينة، أو أن مسار النضال من أجل الديمقراطية كان حديثا، أو أن الدولة لها ما به تستطيع شراء السلم الاجتماعي، كما دول الخليج التي تقايض الحرية السياسية بالرفاهية الاجتماعية، أما وحيث إن بلادنا عرفت مسارا طويلا من النضال من أجل الانتقال الديمقراطي زاد على 60 سنة، وحيث إن جلوس المملكة طويلا على عتبة الهجانة أصبح هدفا للتملص من الاستحقاقات الديمقراطية، وليس محطة انتقالية للعبور إلى المحطة التي تليها، وبما أن القاعدة تقول إن الذي لا يتقدم يتراجع، فإننا أصبحنا رهائن انتقال دائم وتحول لا ينتج تقدما، وكمٍّ لا ينتج كيفا بتعبير الماركسية.

لا بد للنخب السياسية والمدنية والفكرية والإعلامية والاقتصادية، التي تشترك في الهم الإصلاحي، أن تفكر عميقا في مستقبل التحول الديمقراطي في المغرب. هذا التحول الذي دخل إلى نفق الهجانة، حيث الخلط بين الأساليب الديمقراطية والأساليب السلطوية في الحكم وفي القضاء وفي التشريع وفي الإعلام وفي كل مناحي الحياة العامة… لا توجد مؤشرات على قرب خروج بلادنا من هذا المأزق الذي لن يكون دون تكلفة على استقرار البلاد، فحكومة بنكيران فشلت في تحريك قطار هذا التحول، وحركة 20 فبراير فشلت في وضع القطار على السكة، وحكومة اليوسفي فشلت في تدشين تناوب يقود إلى نادي الديمقراطيات المعيبة، هذا في الوقت الذي نجحت تونس، رغم كل المتاعب التي تعيشها، في دخول نادي الديمقراطيات غير المكتملة، رغم أن بلاد الزيتون كانت متأخرة جدا عن المغرب في مجال الإصلاحات السياسية في عهدي بورقيبة وبنعلي، لكنها استفادت من الحراك العربي الذي انطلق من عندها إلى دول المنطقة، حيث جرى إرساء قواعد عقد اجتماعي جديد، بمقتضاه ربحوا دستورا متقدما وعملية سياسية منتجة، رغم ثقل الأزمة الاقتصادية وخطر الإرهاب، ومفاعيل الثورة المضادة التي تقودها دول الخليج، والتي لا تريد لأي بلد عربي أن يخرج من خانة الدول السلطوية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ومع ذلك فهي هجينة ومع ذلك فهي هجينة



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 18:57 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الثور

GMT 14:07 2016 الجمعة ,16 أيلول / سبتمبر

الأبنوس

GMT 15:05 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

نيمار يبلغ سان جيرمان برغبته في الرحيل هذا الصيف

GMT 14:42 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

السالمية الكويتي يبدأ مشواره العربي بلقاء الشبيبة الجزائري

GMT 15:23 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

سنوات يفصلها رقم

GMT 11:24 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

الملك محمد السادس يرسل برقية تعزية إلى الرئيس الكاميروني

GMT 13:45 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

أول صالون تجميل يستقبل المحجبات في نيويورك

GMT 23:50 2019 الأحد ,02 حزيران / يونيو

باتريس كارتيرون يُراقِب العائدين من الإعارة

GMT 00:14 2019 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

السعودية تنفذ حكم القتل تعزيرًا في حق صدام حسين

GMT 20:47 2018 السبت ,08 كانون الأول / ديسمبر

"الوطني للسكك الحديدية "يعلن عن تخفيضات في تذاكر القطار

GMT 10:42 2018 الثلاثاء ,09 تشرين الأول / أكتوبر

حركة إعفاءات وتغييرات جديدة في صفوف الدرك الملكي

GMT 02:26 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

ورق جدران بألوان جذابة لديكورات غرف معيشة مبهجة

GMT 22:03 2018 الإثنين ,06 آب / أغسطس

صعقة كهربائية تودي بحياة شاب في سلوان
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya