روح 7 أكتوبر

روح 7 أكتوبر

المغرب اليوم -

روح 7 أكتوبر

بقلم : توفيق بو عشرين

سألني صحافي إسباني يعمل بالرباط، ليلة إعلان النتائج: «هل تتوقع أن يعين الملك محمد السادس عبد الإله بنكيران رئيسا للحكومة لولاية ثانية؟»، فقلت له دون تفكير طويل: «نعم»، فرد علي: «ما الذي يجعلك متأكدا إلى هذه الدرجة؟»، قلت له: «نتيجة الاقتراع تقول ذلك، حيث حسن المصباح من نتائجه، وكسب 18 مقعدا إضافيا، وحصل على أكثر من 700 ألف صوت جديد مقارنة باقتراع 2011، رغم كل الضربات التي تلقاها على مدى خمس سنوات»، ثم سألت زميلي: «هل تتوقع أن القصر لا يتابع كل هذه التطورات؟»، رد علي الصحافي القادم من مملكة يسود فيها الملوك ولا يحكمون، وقال: «لكن، ألم تتابع سوء الفهم الكبير الذي حصل بين الملك ورئيس حكومته؟ ألم تصلك الأخبار عن غضب الملك على أسلوب بنكيران في الحديث؟»، قلت: «بلى، لكن ‘‘مزاج الملك’’ ليس جزءا من النص الدستوري، والملوك، أكثر من غيرهم، يتصرفون بطريقة برغماتية، ويتحسسون مشاعر مواطنيهم، ويلتقطون الأخطار التي تلوح في الأفق أكثر من الآخرين. انظر، مثلا، إلى ملككم خوان كارلوس، بمجرد ما أحس بأن أسهمه في الشارع الإسباني نزلت، بسبب فضائح ابنته المالية، ونزواته الغريبة، حيث راح يصطاد الفيلة في أدغال إفريقيا فيما بلاده غارقة في أزمة اقتصادية خانقة.. بمجرد أن أحس بأن العرش في خطر تنازل لابنه، وأخذ التقاعد المبكر. الملوك، كل الملوك، لديهم ضعف كبير تجاه العرش، وجميعهم يسعون إلى الحفاظ على الملك وتسليمه إلى الخلف كما وصلهم من السلف. هذه شبه قاعدة تحكم تفكير الملوك، وبها يختلفون عن الرؤساء، وهنا لا يختلف الأمر بين ملك أوروبي أو أسيوي أو عربي أو إفريقي… كلهم سواسية».
إن القصر يعرف أكثر من أي شخص آخر ما يريده مواطنوه وما لا يريدونه، خاصة إذا عبر الناخبون عن إرادتهم في انتخابات حرة وشبه مفتوحة. إن الدستور في فصله 47 واضح، فهو ينص على وجوب تعيين الملك رئيس الحكومة من الحزب الفائز بالمرتبة الأولى في الانتخابات، وكاتب هذه السطور ليس من الذين يتوقعون فشل بنكيران في تشكيل الحكومة الثانية، فأمامه خيارات كثيرة، وأوراق رابحة تمكنه من جمع أغلبية مريحة، خاصة أن أحزابا، مثل الاستقلال والاتحاد والحركة والتجمع الوطني للأحرار، فضلا عن التقدم والاشتراكية، كلها تنتظر أن يدق بنكيران بابها، وهي على أهبة الاستعداد للتحالف معه، وبأي ثمن تقريبا، بعد النتائج المخيبة التي حصلت عليها يوم الجمعة الماضي، فبعد فشلها في إضعاف بنكيران، سواء في المعارضة، كما هو الشأن بالنسبة إلى الاستقلال والاتحاد، أو من داخل الحكومة، كما حصل مع الأحرار وإلى حد ما الحركة، فإن هذه الأحزاب تعرف الآن، أكثر من غيرها، أن الجرار باع لها الوهم، وأنه أكل من زبنائها التقليديين أكثر مما فعل مع خصمه اللدود المصباح، وأن الحقائق السياسية التي أفرزها اقتراع الجمعة أكثر بكثير من الأرقام المعلنة، فلو تركت وزارة الداخلية العملية الانتخابية تجري بدون توجيه ولا تحكم عن بعد وعن قرب، لكان البيجيدي اليوم قاب قوسين أو أدنى من الحصول على الأغلبية المطلقة من الأصوات المعبر عنها، لكن نمط الاقتراع، وشكل التقطيع، ومنع المواطنين من التصويت بالبطاقة الوطنية، وغيرها من التقنيات المعروفة في التحجيم، كلها أعطت ما نراه اليوم من نتائج، لكن روح السابع من أكتوبر ستبقى حقيقة ماثلة في يوميات الانتخابات في المغرب، باعتبارها لحظة فريدة اقتربت فيها الحقيقة السياسية من التطابق مع الحقيقة الانتخابية، حيث ربحت البلاد، أولا، الاستقرار، وثانيا، السمعة الحسنة في العالم، وثالثا، حزب خدمات يخرج كل يوم من جلده الأصولي ليصبح حزبا محافظا يقبل بأصول اللعبة الديمقراطية، ويترك إيديولوجيته بعيدا عن تدبير شؤون الدولة، ورابعا، ثقة الناس في المسلسل السياسي على الرغم من كل أعطابه… يبقى الآن على بنكيران، وبعد أن يتسلم ظهير التعيين، أن يفي بالوعود التي قطعها للمواطنين، وأن يشكل فريقا وزاريا يعكس روح السابع من أكتوبر، دون الدخول في متاهات المساومات السياسية، والبازار الحزبي الذي لا يؤمن بمنطق ولا بمعنى… أمام البلاد تحديات كبيرة، وحاجيات المواطنين تكبر يوما بعد آخر، وهذه، ربما، تكون آخر فرصة ستعطى للعدالة والتنمية لإخراج البلاد من عنق الزجاجة، بعدها إما يفتح بنكيران باب الأمل أمام الناس، وإما يغلق القوس ويترك اليأس يفترس المواطنين.
حكى لي، أول أمس، أحد شباب 20 فبراير أن بعض أصدقائه احتفلوا في حانة بالرباط بفوز بنكيران، وفتحوا قنينات من المشروب إياه في «صحة بنكيران»، أما الغربان التي كانت تنعق طوال الوقت محاولة أن تستعمل الوسائل المحرمة ديمقراطيا في الصراع السياسي لتعبيد الطريق أمام الجرار، وترجمة الكره المرضي للعدالة والتنمية، فلم تستسلم بعد، وراحت تعول على فشل بنكيران في تشكيل الحكومة، وتنظر لبدع دستورية ما أنزل بها المشرع من سلطان.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

روح 7 أكتوبر روح 7 أكتوبر



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 15:55 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج الميزان

GMT 04:16 2019 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

زكي يوجه رسالة قوية إلى مسؤولي الدفاع الحسني الجديدي

GMT 14:34 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

"بريزنتيشن" تؤكد أن مُبررات "صلة" في شأن فسخ تعاقدها غير الصحة

GMT 08:32 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

"الأساور العريضة" تصلح لمختلف مناسبات صيف 2018

GMT 11:37 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

ياسمين جمال ترتدي فستان الزفاف للمرة الثانية بعد الطلاق

GMT 01:48 2016 السبت ,08 تشرين الأول / أكتوبر

علاج الشيب نهائياً وبألوان مختلفة

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 04:16 2019 الإثنين ,30 كانون الأول / ديسمبر

المغرب يشهد نهضة غير مسبوقة في مجال التنقيب عن النفط

GMT 06:33 2019 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على الفوائد المذهلة لثمرة الرمان على الصحة
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya