قراءة في فنجان العثماني

قراءة في فنجان العثماني

المغرب اليوم -

قراءة في فنجان العثماني

بقلم : توفيق بو عشرين

ستتشكل الحكومة الجديدة سريعا، وسيذوب البلوكاج تحت أشعة شمس هذا الربيع، وسيدخل إدريس لشكر إلى الحكومة «فاتحا» بوزارة ونصف، وسيكتفي سعد الدين العثماني بالوزارات التي كانت في حوزة الحزب في عهد بنكيران، مع بعض التعديلات الطفيفة في الحقائب والوجوه، وسيحظى حزب عزيز أخنوش بوزارات مهمة، وعلى رأسها الفلاحة والمالية والتجارة والصناعة، وربما الطاقة، وسيعطي رفيقه، الملياردير محمد ساجد، وزارة مهمة في الحكومة «العثمانية»، فيما سيرضى العنصر بالفتات. أما نبيل بنعبد الله، فسيدفع ثمن تحالفه وصداقته مع بنكيران… سيحتفظ حزب التقنوقراط بالداخلية وقلب الخارجية والأوقاف والجيش والأمانة العامة، وربما التعليم، فيما سيظل حزب الاستقلال جالسا في كرسي المساندة للعدالة والتنمية، وليس للحكومة، إلى غاية حسم المعركة بين شباط ونزار بركة على قيادة الحزب في المرحلة المقبلة.

ماذا أيضا؟ سيحاول العثماني أن يبرهن كل صباح أنه ليس بنكيران، وأن الرجل هو الأسلوب، وأنه «ممنون» لكل من ساعده في الوصول إلى رئاسة الحكومة، وفي فك عقدة البلوكاج، لتسهيل ولادة حكومة غير طبيعية في ظرفية استثنائية. ستساند الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، التي سيحمل أعضاؤها البارزون حقائب وزارية، العثماني من باب الانحناء للعاصفة، وحماية المكتسبات، واستئناف جزء من العمل الذي بدأه بنكيران، سواء على جبهة إدماج الحزب في جسد نظام لا يقبله، أو على جبهة إدارة الشأن المحلي في جل مدن المملكة التي يسيطر عليها المصباح، والتي يتعرض عمداؤها لعرقلة حقيقية من قبل الولاة والعمال، الذين يضغطون في الأقاليم على الأطراف لتليين رأس الحزب في الرباط.

سيرجع بنكيران خطوتين إلى الوراء، وسيترك الطبيب النفسي يجرب حظوظه في قيادة شاحنة حكومة مهترئة تقل أطرافا لها وجهات متعددة، بعضها يريد نجاح عمل الحكومة، والبعض الآخر يعتبر نجاح الحكومة التي يشارك فيها أكبر كابوس يهدد أحلامه، أما الآخرون فيستعجلون وقوع عطب في الطريق ينهي حياة الحكومة قبل الأوان.

ستعطي «الانكشارية الإعلامية المكلفة بمهمة» فترة راحة بيولوجية للعثماني، إلى أن يستوي على مقعده، وحتى لا تنكشف خطتها المناهضة لحزب العدالة والتنمية، وليس لبنكيران، الرافضة للعملية الديمقراطية، وليس للحكومة، لكن كل هذا لن يدوم طويلا. سترجع آلة الكذب والتحريض على الكراهية ونشر الأخبار الزائفة واستعداء المؤسسات على بعضها البعض إلى الدوران، وسترجع نظرية المؤامرة و«الأخننة» وتظاهرات «ولد زروال» إلى الاشتغال، وربما بعنف وجاهلية أكبر.

سيواصل حزب الأصالة والمعاصرة معارضة من نوع خاص، وعينه على تشتيت شمل الأغلبية لا على معارضة سياساتها العمومية، فهو لا يتوفر على خبرة ولا على الأطر ولا على خطة لمعارضة الحكومة، بعدما أعطب بنكيران عربة التحكم.

سيعقد حزب العدالة والتنمية مؤتمره التاسع، وسيصعد العثماني إلى الرئاسة، وسينزل بنكيران من قيادة الحزب، كما نزل من قيادة الحكومة، وربما يرجع إلى حركة التوحيد والإصلاح، وربما يظل électron libre يغذي الحياة السياسية والإعلامية بخرجاته وتصريحاته وقفشاته، إلى أن تحين فرصة جديدة للرجوع إلى الواجهة.

كل هذه التوقعات ممكنة مع هامش خطأ مطلوب حسابه في مشهد سياسي لا يحكمه منطق ولا قواعد ولا دستور، لكن الذي لا يمكن توقعه هو ردود فعل الناس، وشعورهم وإحساسهم بأن أصواتهم لا قيمة لها، وأن السياسة لا معقول فيها، وأن كل هذه الانتظارية كانت من أجل التخلص من شخص واحد، فكيف سيتقبل الرأي العام الطريقة التي أزيح بها بنكيران من المشهد الحكومي وهو في أوج عطائه ونجاحه؟ وما رأيهم في الطريقة التي جاء بها العثماني إلى الحكومة؟ والشكل الذي دخل به الاتحاد الاشتراكي إلى بيت الأغلبية؟ وما هو تقييم الناس للورشة التي ستصنع فيها الحكومة الجديدة، وقدرة الفريق الجديد وقيادته على إدارة بلد يعج بالمشاكل، وفيه من مراكز لمقاومة الإصلاح أكثر مما في حقول الصين من الأرز؟ هل تستطيع القيادة الجديدة للحكومة المقبلة أن تواصل مسلسل الإصلاحات الصعبة، وهي لم تستطع أن تبعد حزبا صغيرا لا تريده من دخول الأغلبية؟ هل يستطيع العثماني أن يقود أربعة أحزاب في حكومة لا يسلم له واحد منها بالقيادة؟ نعم، رئاسة الحكومة مهمة، لكن أهميتها تكمن في وظيفتها وفي استعمال اختصاصاتها، وإلا صارت مثل القط الذي لا يستطيع اصطياد الفئران، وقديما قال الصينيون: «ليس مهما أن يكون القط أسود أو أبيض.. المهم أن يكون قادرا على اصطياد الفئران».

المصدر: جريدة اليوم 24

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قراءة في فنجان العثماني قراءة في فنجان العثماني



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 17:14 2018 الأحد ,21 كانون الثاني / يناير

اتحاد كرة القدم يكشف رغبة ريال مدريد في ضم محمد صلاح

GMT 04:38 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

فساتين سهرة للمحجبات من أحدث صيحات موضة الشتاء

GMT 01:05 2012 الإثنين ,29 تشرين الأول / أكتوبر

حناج عيين با بنيه - نقوش بحرينية يتناول انواع نقوش الحناء

GMT 13:28 2015 الأربعاء ,18 شباط / فبراير

أفضل ستة فنادق في مراكش للاستمتاع بالرفاهية

GMT 03:24 2017 الجمعة ,27 تشرين الأول / أكتوبر

قواعد الإتيكيت الخاصة بالتعامل مع زملاء العمل

GMT 00:53 2017 السبت ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد سعد يعود للغناء مرة أخرى بعد ثبوت صحة موقفه
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya