العالم يراقبكم

العالم يراقبكم

المغرب اليوم -

العالم يراقبكم

بقلم : توفيق بو عشرين

في بلاد تتعلم المشي على درب الديمقراطية، المشاركة في الانتخابات ليست ترفا، وليست فاكهة نأكلها في نهاية وجبة دسمة.. الذهاب إلى صناديق الاقتراع هو الوجبة الرئيسة على طاولة المغاربة اليوم، وهو الخطوة الأساسية في مسيرة طويلة لبناء المستقبل الذي يستحقه شعب يعيش فوق هذه الأرض.

وإذا كان التصويت حقا لكل مواطن، فهو في ظروفنا هذه، حيث الرداءة في كل مكان، وحيث النصب والاحتيال السياسي عملة رائجة، وحيث السياسة أصبحت ريعا ومصالح ذاتية ووسيلة للخداع، فهذا الحق يتحول إلى واجب.

أن أصوت في الانتخابات معناه أنني أسهم في رد الاعتبار للسياسة وللانتخابات التي حولتها السلطة، منذ الاستقلال، إلى أعراس وحفلات ومهرجانات لدفع النخب المدجّنة إلى الواجهة، ولضرب النخب التي لها جذور في المجتمع. التصويت لصالح من يمثل الشعب، وليس من يمثل السلطة، هو إحياء لمسار التحول الديمقراطي الذي مازال يتعثر لكنه لم يسقط، ويجب ألا نتركه يسقط.

15.5 مليون مغربي مدعوون اليوم إلى قول كلمتهم وإظهار هوية من سيدبر شؤون حكومتهم المقبلة. 15.5 مليون مواطن سيقررون مصير عبد الإله بنكيران وحزبه، وما إذا كان جديرا بولاية ثانية أم لا. 15.5 مليون ناخب في المدن والقرى سيمنحون فرصة لا تتكرر إلا مرة كل خمس سنوات، لبعث رسالة واضحة إلى من يهمه الأمر، حول قائمة أحلامهم ومطالبهم وآمالهم في مستقبلهم ومستقبل أبنائهم. 15.5 مليون امرأة ورجل مدعوون، في جمعة الحسم هذه، إلى النزول إلى مراكز الاقتراع لإسماع صوتهم الحر للعالم، ولتثبيت إحدى أهم ركائز الديمقراطية، ألا وهي إرادة الأمة في اختيار من يحكم بدون خوف ولا طمع ولا خضوع لتأثير المال أو السلطة أو القبيلة أو الأعيان أو سماسرة الانتخابات.

العالم يطل اليوم على هذه الرقعة الجغرافية من شمال إفريقيا وهي تستعد لتثبيت أركان الانتخابات الحرة والتنافسية والشفافة. رغم كل ما ساد من جو «من تلاعبات ناعمة» من قبل وزارة الداخلية للتأثير في النتيجة، وتحجيم نفوذ العدالة والتنمية ومنح الأصالة والمعاصرة رعاية خاصة، فإن الأمل قائم في إنقاذ هذه الانتخابات المصيرية مستقبل التجربة الديمقراطية الهشة ببلادنا، إذا نزل المغاربة بكثافة إلى صناديق الاقتراع، وتحدوا كل العراقيل التي وضعت في طريقهم، وهزموا اللامبالاة والخوف وإغراء الجلوس على «الكنبة»، والتفرج من بعيد على صراع يهم الجميع.

انتخابات يوم الجمعة أكثر من استحقاق تشريعي لانتخاب 395 نائبا برلمانيا في مجلس النواب، وأكثر من فرز خريطة سياسية جديدة، وأكثر من تبار لـ30 حزبا على أصوات المغاربة. يوم الجمعة امتحان مصيري للنموذج المغربي الذي يحمل شعار: «الإصلاح في ظل الاستقرار»، واختبار حاسم لمدى احترام الدولة تعهداتها بتوقير إرادة الأمة، وتدشين مسلسل جديد للانتقال نحو الديمقراطية، والوفاء لوعد الخطاب الملكي للتاسع من مارس 2011، حيث قال الملك محمد السادس في عز الحراك المغربي: «إن إدراكنا العميق لجسامة التحديات، ولمشروعية التطلعات، ولضرورة تحصين المكتسبات، وتقويم الاختلالات، لا يعادله إلا التزامنا الراسخ بإعطاء دفعة قوية لدينامية الإصلاح العميق، جوهرها منظومة دستورية ديمقراطية»، ولبلوغ هذا الهدف، سطر محمد السادس سبعة التزامات في هذا الخطاب، الذي صدر بعد أسبوعين من خروج الشباب إلى الشارع يطالب بالحرية والديمقراطية والملكية البرلمانية، وأول هذه الالتزامات الملكية هو تشكيل «برلمان نابع من انتخابات حرة ونزيهة، يتبوأ فيه مجلس النواب مكانة الصدارة، مع توسيع مجال القانون، وتخويله اختصاصات جديدة، كفيلة بنهوضه بمهامه التمثيلية والتشريعية والرقابية، وحكومة منتخبة بانبثاقها عن الإرادة الشعبية، المعبر عنها من خلال صناديق الاقتراع».

هذا مقتطف للذكرى، والذكرى تنفع المؤمنين بالاختبار الديمقراطي.

انتخابات الجمعة، إذا كانت حرة ونزيهة في الحد الأدنى، لن تحل كل مشاكل البلد الاقتصادية والاجتماعية، ولن تخلق عصا سحرية لإدارة شؤون المجتمع، لكنها ستسهم في تحرير إرادة الناس، وفي ارتفاع صوت الشعب، وفي خسارة المخزن بعض قلاعه التقليدية، وفي الضغط على الطبقة السياسية لكي «تترجل»، ولكي تطبق الدستور، وتحارب الفساد، وتسهم في جعل صناديق الاقتراع أساسا لشرعية من يحكم… وكل هذه القطع ضرورية لتشــــــكيل «le puzzle» المغربي الضائع، ولصناعة الأداة الفعالة لحل مشاكل البلد، وانتشال شعبه من التخلف والفقر وقلة ذات اليد والعقل والطموح.

لا يوجد طريق آخر على الطاولة للنهوض بالبلد، أي بلد في هذا العصر، غير النموذج الديمقراطي الغربي الذي صار مكشبا عالميا، وهو نموذج يؤخذ كله أو يترك كله، ولا تفاوض فيه إلا من حيث التطبيق الذي يراعي البيئة الاجتماعية والثقافة المحلية، لكن دون المساس بالجوهر الديمقراطي الذي يحتوي على نماذج عدة تلائم كل الشعوب، ولا تخرج عن الثوابت، ومنها الاحتكام إلى إرادة الأمة المعبر عنها في انتخابات حرة ونزيهة، وفصل السلط، وإقرار التعددية، واحترام حقوق الإنسان، واستقلالية القضاء، وربط المسؤولية بالمحاسبة، وتقديس الحرية في الرأي والمعتقد والاختيار، ونبذ العنف.

من يفضّل الجلوس على «الكنبة» يوم الجمعة يبعث الرسالة الخطأ إلى الجميع.. هو يقول للمتحكّمين في هذه البلاد: «افعلوا ما شئتم، نحن شعب ميت ولم يُدفن بعد».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العالم يراقبكم العالم يراقبكم



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 05:15 2018 الأربعاء ,25 تموز / يوليو

واتساب يضيف ميزة نالت إعجاب مستخدميه

GMT 02:06 2018 الخميس ,12 تموز / يوليو

سعر ومواصفات "كيا سبورتاج 2019" في السعودية

GMT 23:49 2018 الثلاثاء ,03 تموز / يوليو

وفاة أب وإبنته غرقا في نهر ضواحي جرسيف‎

GMT 23:59 2018 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

معلول يؤكد أهمية فوز المنتخب التونسي على بنما
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya