صناعة في آخر أيام إفلاسها

صناعة في آخر أيام إفلاسها

المغرب اليوم -

صناعة في آخر أيام إفلاسها

بقلم : توفيق بو عشرين

سخر عبد الإله بنكيران من إبعاد مهرجانه الخطابي في طنجة، أول أمس الثلاثاء، إلى نقطة بعيدة عن التجمعات السكنية في مدينة البوغاز، وقال، موجها حديثه إلى الجماهير الغفيرة التي حجت إلى منصة الخطابة: «وخا تطلعونا للقمر غادي نتجمعو وغادي نطلعو كاملين، لأن المحب لمن يحب مجيب». هذه واحدة من الألاعيب الصغيرة التي اعتمدتها وزارة الداخلية للتحكم في تنافسية الأحزاب وسلامة الاقتراع، والتحكم الناعم في المد السياسي للمصباح خارج كل تقاليد العملية الديمقراطية، ولهذا، فإن المتابعين يجدون صعوبة كبيرة في تصديق محمد حصاد الذي يبدو أنه سينهي مساره المهني الطويل في الدولة بتنظيم أسوأ انتخابات في العهد الجديد. حصاد قال في حواره الأخير مع «جون أفريك»: «الانتخابات ستكون حرة وشفافة، وأنا أقسم على ذلك». يصعب على المرء أن يصدق وزير داخلية في نظام مثل نظامنا، حيث تتكفل وزارة الداخلية بـ«العمل القذر في مطبخ الحكم»، كما كان يقول إدريس البصري الذي لا يذكر إلا بسوء عند حلول كل انتخابات لكثرة ما لعب فيها، لكن، وبعيدا عن إدخال الدين في السياسة والقسم في السلطة، فإن المرء يسأل: إذا كان رفيق حصاد في اللجنة المركزية لتتبع الانتخابات، والمقصود طبعا هو مصطفى الرميد، كتب في تدوينته الشهيرة يتبرأ من «أي رداءة أو نكوص أو تجاوز أو انحراف لا يمكن أن يكون وزير العدل والحريات مسؤولا عنها»، فكيف سنصدق نحن قسم حصاد؟!

حصاد لم يقف عند تبرئة وزارة الداخلية من ممارسات خشنة تمس سلامة العملية الانتخابية (عددنا مظاهرها أكثر من مرة في هذه الزاوية)، بل تحول إلى معلق سياسي على خطاب رئيسه في الحكومة، عبد الإله بنكيران، وزميله في وزارة السكنى وسياسة المدينة، نبيل بنعبد الله، وقال لهما: «إن التحكم فيه شيء من عيشة قنديشة، الساحرة الخيالية التي نستعملها لتهديد الصغار، والتحكم لا وجود له في المغرب، والداخلية ليست لها وصفة، وحتى إن وجدت فهي لن تنجح». السيد حصاد هو آخر واحد يسأل عن مظاهر التحكم وعن أساليبه، لأنه كان شاهدا على جزء منه يوم كان واليا على طنجة، وكان أمامه سيناريو لصناعة خريطة للمجلس البلدي لفائدة مرشح البام الذي حصل فقط على سبعة مقاعد في انتخابات 2009 من أصل 85، واحتل المرتبة الرابعة خلف الأحرار بـ22 مقعدا، والعدالة والتنمية بـ21، والحركة الشعبية بـ11، ثم البام بـ7 مقاعد، ومع ذلك حصل على رئاسة المجلس البلدي بطنجة، وبقية القصة معروفة.

في كل ما قاله حصاد يصدقه كاتب هذه السطور في مسألة واحدة فقط وهي: «إن أي وصفة تعد في وزارة الداخلية لهندسة الانتخابات مصيرها سيكون الفشل»، حتى وإن قال حصاد هذه «الحكمة» لأغراض أخرى، وفي سياق آخر تماما، إلا أنها حكمة صحيحة.. نعم «صناعة الانتخابات» تمر بآخر أيامها، وهي تجرب آخر الوصفات قبل الإفلاس، ليس لأن وزارة الداخلية اقتنعت بأن ديمقراطية صندوق الاقتراع حتمية تاريخية بتعبير الأدب الماركسي، بل لأن وعي المواطنين ارتفع، وإدراكهم كبر على «الخنشة» التي كانوا موضوعين فيها منذ قرون، لقد رأينا كيف أن «مخطط التضييق على إرادة الناس»، والتحكم في سلوكهم الانتخابي، واستعمال المال والسلطة والدين والإدارة والقانون والإعلام المخدوم والنقابات ورجال الأعمال وحزب الدولة، كل هذا لم يعط إلا مفعولا عكسيا تماما، حيث إن الحرب النفسية التي بدأت بها الحملة الانتخابية، والتي تسوق نتيجة قبلية للاقتراع، تقول: «إن البام هو الفائز في الانتخابات لأن المخزن يريده». هذه الدعاية ذابت تحت أشعة الشمس التي وقف تحت حرارتها أكثر من 300 ألف مواطن جاؤوا يستمعون إلى خطب المصباح، وأصبح سائل هذه الدعاية مادة منشطة لآلة بنكيران التواصلية التي تستفيد من وضع الحزب المستهدف، وقميص المظلومية الذي أصبح قميصا رسميا لـ«البي جي دي» في مقابلة السابع من أكتوبر. بعد تظاهرة الدار البيضاء التي كشفت عورة المخطط الذي صنع في الظلام، لم يعد أحد يبحث عن معنى التحكم، ولا عن تعريفه، ولا عن شكله، ببساطة، لأنه يراه. يذكرني هذا الوضع بجملة قالتها سفيرة أمريكا السابقة في الرباط، مارغريت تيتويلر، في ندوة عقدت بعد أحداث 11 شتنبر، حيث واجهها بعض المناضلين القوميين بسؤال تصوروه محرجا حول تعريف السيدة السفيرة للإرهاب، فقالت بعفوية وقلة ذوق بعض القادمين من الجنوب الأمريكي: «الإرهاب لا يحتاج إلى تعريف، إنه مثل الفيلم البورنوغرافي تعرفه عندما تراه»، وكذلك التحكم لا يحتاج إلى أطروحة جامعية لحصر معانيه.. تعرفه عندما تراه.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صناعة في آخر أيام إفلاسها صناعة في آخر أيام إفلاسها



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 15:55 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج الميزان

GMT 04:16 2019 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

زكي يوجه رسالة قوية إلى مسؤولي الدفاع الحسني الجديدي

GMT 14:34 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

"بريزنتيشن" تؤكد أن مُبررات "صلة" في شأن فسخ تعاقدها غير الصحة

GMT 08:32 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

"الأساور العريضة" تصلح لمختلف مناسبات صيف 2018

GMT 11:37 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

ياسمين جمال ترتدي فستان الزفاف للمرة الثانية بعد الطلاق

GMT 01:48 2016 السبت ,08 تشرين الأول / أكتوبر

علاج الشيب نهائياً وبألوان مختلفة

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 04:16 2019 الإثنين ,30 كانون الأول / ديسمبر

المغرب يشهد نهضة غير مسبوقة في مجال التنقيب عن النفط

GMT 06:33 2019 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على الفوائد المذهلة لثمرة الرمان على الصحة
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya