حكومة المعارضة

حكومة المعارضة

المغرب اليوم -

حكومة المعارضة

بقلم : توفيق بو عشرين

سأل بنكيران جماهير غفيرة في المحمدية جاءت تستمع إليه: «واش حنا حكومة أو معارضة؟ ياك الناس عادة تتجي عند المعارضة في الانتخابات ماشي عند الحكومة؟ فلماذا أتيتم إلى هنا بهذه الكثافة؟». طبعا لم ينتظر بنكيران جواب الآلاف من الحضور عن سؤاله، الجواب تحت لسانه قال: «الذين قالوا إنني أشتغل خمسة أيام في الأسبوع رئيسا للحكومة، والسبت والأحد كمعارض لم يكذبوا. نعم، طيلة خمس سنوات كنت أتحول إلى معارض للفساد والاستبداد في نهاية الأسبوع أدافع عنكم».

عندما تتجول الكاميرات، التي تتبع بنكيران في تجمعاته الجماهيرية الحاشدة في كل المدن التي يزورها، والتي تذكر كبار السن من المغاربة بالحفاوة التي كان يُستقبل بها علال الفاسي بعد رجوعه من المنفى بعد الاستقلال، وبتجمعات عبد الرحيم بوعبيد في انتخابات الثمانينات داخل ملاعب كرة القدم.. عندما تتجول الكاميرا بين الحشود تلتقط المئات من المواطنين الذين يصورون كلمات بنكيران بهواتفهم، ويحتفظون بها للذكرى، أو يقتسمونها مع أصدقائهم في الواتساب أو الفايسبوك، فماذا يعني هذا؟

يقول بنكيران: «الفساد يخرب الديار، الفساد يخرب الدول، الفساد وخا تكون معه السلطة يتبقى الفساد الفساد، واخا يكون معه الاستبداد يبقى فساد، وإن الله لا يصلح عمل المفسدين»… هكذا رجع بنكيران إلى قاموس 2011، وإلى شعاره الأول أيام المعارضة: «صوتك فرصتك لمحاربة الفساد والاستبداد»، وتوارى الحديث عن الحصيلة الحكومية، وغاب البرنامج المستقبلي للحكومة المقبلة، وهذا أمر يتحمل مسؤوليته خصوم بنكيران بكل فصائلهم أكثر مما يتحمله هو. كيف سيتحدث عن حصيلة الحكومة أمام تظاهرة ترفع شعار: «لا لأخونة الدولة والمجتمع»؟ يشارك فيها مواطنون يرفعون شعار «طرد بنكيران من الصحراء»، كيف سيقدم برنامجه للمستقبل وهو يرى أن خصمه الوحيد في الميدان هو القياد والمقدمين والباشوات والعمال والولاة الذين يضيقون عليه الخناق، حتى قال لهم في تارودانت: «يا رجال السلطة خليونا نحترموكم»؟ كيف تريدون أن يتصرف بنكيران كرئيس حكومة وهو يرى أئمة المساجد ينصحون المؤمنين في المساجد بعدم التصويت لصالح «لامبا» مخافة دخول السجن؟ وكيف يتصرف بنكيران كمسؤول في الدولة وهو يرى البام يفتح دور القرآن في مراكش لاستقطاب أصوات السلفيين، وهو حزب في المعارضة، فيما يعجز بنكيران، وهو رئيس الحكومة، عن الدفاع عن ترشيح سلفي معتدل مثل حمّاد القباج على لوائح المصباح في المدينة الحمراء؟ إنها مفارقات بلا حدود لحكومة تتصرف كمعارضة ومعارضة تتصرف كسلطة لها نفوذ على الإدارة بشكل لم يعرفه المغرب من قبل، حتى أن شكاوى عدة بدأت تسمع في كواليس الإدارة الترابية لمسؤولين يشتكون من إزدواجية الخطاب والممارسة تجاه سلامة العملية الانتخابية.

لقد تبرع مهندسو «الحملة الجديدة ضد المصباح» بآلاف الأصوات التي ستذهب إليه فقط لأنه يبدو مظلوما مهضوم الحقوق يصرخ بالشكوى بين الناس… انظروا إلى عشرات الآلاف من المغاربة الذين يحجون إلى تجمعات بنكيران وخطبه، وقارنوها بتجمعات خصومه، وتأثيرهم في الحملة الانتخابية التي يلعب فيها بنكيران وحزبه لوحدهم تقريبا.

الدولة في ورطة، l’état est paniqué، وهي مثل شخص يغرق لا تعرف كيف تتصرف إزاء هذه الوضعية، وتحاول أن تجرب كل الوصفات للخروج من الماء، تتشبث بأي قشة تلوح في الأفق، حتى إنها لا تساعد من يريد إنقاذها، تضرب، تصرخ، فترتبك أكثر، وتضيع مجهودها دون جدوى.

الآن الدولة أمام خيارين أحلاهما مر، إذا فاز العدالة والتنمية بالانتخابات يوم السابع من أكتوبر سيرجع إلى الحكومة وآثار الحروب على جلده، ومنسوب الثقة في الدولة التي كانت تنوي إسقاطه قد نقص، وبالتالي، فإن سلوكه وثقافته وتنظيمه سيتغير، أما إذا هزم حزب المصباح في الانتخابات، فسيرجع إلى المعارضة وطعم المرارة في حلقه، وهو على قناعة بأنه كان ضحية كل ألاعيب السلطة التي وثقها صورة وصوتا وكتابة وشهادات ووقائع، وسيمارس المصباح المعارضة بعنف أكبر، ودراية بالملفات أوسع، ولا يستبعد أن يخرج ورقة المطالبة بتعديلات دستورية جديدة تعزز نزاهة الانتخابات وسلط رئيس الحكومة في إدارة الحكم.

هكذا خسرت الديمقراطية المغربية نقاطا عدة في الخمس سنوات الماضية، فلا هي ربحت أحزابا معارضة تصلح أن تكون بديلا للحكومة المنتهية ولايتها، ولا هي كسبت حزبا حكوميا يدير السلطة ويتحمل عواقب المحاسبة. المعارضة كانت تعارض الحكومة وتوالي الحكم على متن الجرار، وبنكيران كان يمارس الحكم خمسة أيام، ويمارس المعارضة في السبت والأحد على ضوء المصباح، وها هو يخرج للناس يقول لهم: «إن المغاربة عايشين عيشة الدبانة في البطانة».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حكومة المعارضة حكومة المعارضة



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 18:57 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الثور

GMT 14:07 2016 الجمعة ,16 أيلول / سبتمبر

الأبنوس

GMT 15:05 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

نيمار يبلغ سان جيرمان برغبته في الرحيل هذا الصيف

GMT 14:42 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

السالمية الكويتي يبدأ مشواره العربي بلقاء الشبيبة الجزائري

GMT 15:23 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

سنوات يفصلها رقم

GMT 11:24 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

الملك محمد السادس يرسل برقية تعزية إلى الرئيس الكاميروني

GMT 13:45 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

أول صالون تجميل يستقبل المحجبات في نيويورك

GMT 23:50 2019 الأحد ,02 حزيران / يونيو

باتريس كارتيرون يُراقِب العائدين من الإعارة

GMT 00:14 2019 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

السعودية تنفذ حكم القتل تعزيرًا في حق صدام حسين
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya