العثماني أطلق رصاصة فارغة

العثماني أطلق رصاصة فارغة

المغرب اليوم -

العثماني أطلق رصاصة فارغة

بقلم - توفيق بو عشرين

للذين لا يريدون أن يضيعوا ساعة ونصف الساعة من وقتهم لمتابعة أول حوار لرئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، في القناتين الأولى والثانية، نقول: إنه لم يأتِ سوى بمعلومتين جديدتين؛ الأولى أنه باسم الأغلبية اعتذر عن اتهام سكان الريف بالسعي إلى الانفصال والعمالة للخارج، واعترف بأن الكلام الذي قيل في منزله بسلا، وأسهم هو نفسه فيه، كان خطأ. والمعلومة الثانية أن قرار تعويم الدرهم قد جرى تأجيله إلى توقيت غير مسمى، بعدما سبق لحكومته أن أبلغت الرأي العام بدخول سياسة تعويم الدرهم حيّز التنفيذ هذا الأسبوع، ما تسبب في إطلاق حركة مضاربة في العملة الأجنبية كبد الاحتياطي المغربي من العملة الصعبة الكثير.

لم يكن رئيس الحكومة يحتاج إلى مدة ساعة ونصف الساعة، اقتطعها من وقت الجمهور ومن برامج التلفزتين الرسميتين، ليبعث رسالة صغيرة مثل هذه. كان يكفيه أن يحرر بلاغا في مكتبه بالمشور السعيد ويرسله إلى «لاماب»، أما الخروج التلفزيوني المقنع الذي يصنع الحدث في الإعلام ولدى المواطنين، فيبدو أن العثماني بعيد عنه، إلى الآن على الأقل، ليس فقط من حيث الأسلوب، ولكن أيضا من حيث الصراحة والشجاعة اللتين كان سلفه يتمتع بهما، وأقصد بنكيران الذي لم يجد العثماني ولو ثواني، في حوار طويل وممل، لذكره أو ذكر حصيلته.

كلام العثماني مثل ماء البحر كلما شربت منه تزداد عطشا، فهو تحدث عن تفاصيل وحيثيات وجزئيات كثيرة غير مهمة بالنسبة إلى رئيس حكومة، لكنه لم يتحدث في الأساسي. عندما وصل إلى عقدة أزمة الحسيمة، والمتمثلة في وجود أكثر من 140 معتقلا من شباب الريف في السجون، قال: «إن الأمر ليس في يدي، وإن الملف معروض على القضاء»، وهذا، في تقديري، هروب من تحمل مسؤولية المقاربة الأمنية والسياسة الجنائية التي تتحمل فيها الحكومة، إلى الآن، المسؤولية الأولى.

هل القضاء هو الذي أعطى الأوامر للبوليس للتدخل يوم العيد لتفريق مظاهرات سلمية بالعصي، وإراقة الدم في يوم له رمزية خاصة عند المغاربة؟ هل القضاء هو الذي كتب لوزير الداخلية التقرير الذي قال للأغلبية إن حراك الريف مجرد حركة انفصالية يمولها شعو من هولندا، فانساقوا وراءه دون حذر ودون تمحيص؟ هل القضاء هو الذي دفع النيابة العامة، الموضوعة إلى الآن في يد وزير العدل، إلى اعتقال أعداد كبيرة من شباب الحراك، وتكييف التهم الموجهة إلى المعتقلين إلى جنايات خطيرة تصل عقوبتها إلى سنوات طويلة من السجن، عِوَض البقاء في إطار جنح صغيرة، ما أجج الاحتجاجات وعمق السخط في الريف على الدولة؟ هل القضاء هو المسؤول عن الارتباك الحاصل في إدارة الأزمة من قبل السلطة (مرة تدعو الدولة إلى الحوار مع الشباب، ومرة تفتح رؤوسهم بالعصي، مرة تعترف بمشروعية مطالبهم الاجتماعية، ومرة تخون حركتهم، مرة تبعث إليهم الوزراء للاستجابة لمطالبهم، ومرة تبعث رجال التدخل السريع). هذا العزف المتناقض على آلات غير منسجمة لا يصنع لحنا بل فوضى غير خلاقة… ثم، كيف تريد من قضاة محافظين جدا، وأبناء ثقافة لا مكان فيها لاستقلالية العدالة، أن يعالجوا أزمة خطيرة بالقانون الجنائي؟

السيد رئيس الحكومة، إذا كنت تعترف بأن تخوين الحراك كان خطأ، فيجب على من قادك وحكومتك إلى هذا الخطأ أن يؤدي الثمن. أليس مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة مبدأ دستوريا؟ إذن، اطلب إقالة وزير الداخلية الذي تسبب، ليس فقط، في إضعاف حكومتك والمس بصورتها لدى الرأي العام، بل تسبب في صب الزيت على النار، وإخراج أكبر تظاهرة في الحسيمة، شارك فيها أكثر من 60 ألف مواطن في مدينة كل سكانها لا يتجاوزون 52 ألف نسمة… ثم إذا كانت مطالب الريف مشروعة، وأنت كرئيس للجهاز التنفيذي متفق معها وتعترف بمشروعيتها، فكيف يبقى قادة الحراك معتقلين في السجون على مطالب مشروعة، وجلهم لم يحملوا حجرا وخنجرا في وجه رجال الأمن، فمنذ اليوم الأول حمل الحراك شعار السلمية طيلة ثمانية أشهر من الاحتجاجات، حتى إن الاحتكاكات التي جرت بين المتظاهرين ورجال الأمن جاءت بعد اعتقال قادة الحراك وليس قبل ذلك.

تأكد المغاربة اليوم أن السيد العثماني غير قادر على ملء كرسي عبد الإله بنكيران، رغم أن الأخير لم يكن يمارس كل صلاحياته، لكنه، على الأقل، كان يفتح فمه لقول الحقيقة للمغاربة، بصراحة وشجاعة كانتا تلقيان ارتياحا من قبل الرأي العام، في انتظار نضج المسار الديمقراطي وتنزيل الوثيقة الدستورية على أرض الواقع، أما السيد العثماني، فإنه يتصرف كموظف يتحدث في جزئيات بسيطة وبديهيات معروفة، وكأنه يخترع العجلة لأول مرة (التقائية البرامج، تشكيل اللجان لدراسة ملفات الاستثمار، إدارة الحوار بين الوزراء…)، وكل ذلك للهروب من الأساسي. تحدث العثماني في كل شيء سوى في السياسة، ولهذا جاء ظهوره التلفزيوني باهتا ولا يفتح شهية أحد لمتابعته من الآن فصاعدا. صدق من قال إن بنكيران سيتعب من سيأتي بعده.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العثماني أطلق رصاصة فارغة العثماني أطلق رصاصة فارغة



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 18:57 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الثور

GMT 14:07 2016 الجمعة ,16 أيلول / سبتمبر

الأبنوس

GMT 15:05 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

نيمار يبلغ سان جيرمان برغبته في الرحيل هذا الصيف

GMT 14:42 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

السالمية الكويتي يبدأ مشواره العربي بلقاء الشبيبة الجزائري

GMT 15:23 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

سنوات يفصلها رقم

GMT 11:24 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

الملك محمد السادس يرسل برقية تعزية إلى الرئيس الكاميروني

GMT 13:45 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

أول صالون تجميل يستقبل المحجبات في نيويورك

GMT 23:50 2019 الأحد ,02 حزيران / يونيو

باتريس كارتيرون يُراقِب العائدين من الإعارة

GMT 00:14 2019 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

السعودية تنفذ حكم القتل تعزيرًا في حق صدام حسين

GMT 20:47 2018 السبت ,08 كانون الأول / ديسمبر

"الوطني للسكك الحديدية "يعلن عن تخفيضات في تذاكر القطار

GMT 10:42 2018 الثلاثاء ,09 تشرين الأول / أكتوبر

حركة إعفاءات وتغييرات جديدة في صفوف الدرك الملكي

GMT 02:26 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

ورق جدران بألوان جذابة لديكورات غرف معيشة مبهجة

GMT 22:03 2018 الإثنين ,06 آب / أغسطس

صعقة كهربائية تودي بحياة شاب في سلوان
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya