من السكتة القلبية إلى السكتة الدماغية

من السكتة القلبية إلى السكتة الدماغية

المغرب اليوم -

من السكتة القلبية إلى السكتة الدماغية

بقلم ـ توفيق بو عشرين

سمع الشعب في جلسة افتتاح البرلمان يوم الجمعة الماضي رسالتين: الأولى جاءت من وسط سورة “الأنفال”، ومن الآيات التي افتتح بها مقرئ القصر الملكي جلسة أكتوبر وهي آيات مختارة بعناية شديدة، وجاء فيها قوله تعالى في كتابه الحكيم:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ، وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ، إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ، وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ). أما الرسالة الثانية، فهي التي جاءت في متن خطاب افتتاح البرلمان.

لو اكتفى الملك محمد السادس فقط، بالآيات التي تلاها مقرئه في افتتاح الجلسة البرلمانية لكانت كافية لنقل مشاعره وأفكاره وضِيقه من الطبقة السياسية في بلاده، ومن مؤسسات الدولة التي أعلن في خطاب العرش إفلاسها، (وقال إنها في واد والشعب في واد آخر). واليوم، يعلن عن رغبته في زلزلتها إن اقتضى الأمر حيث قال: (إننا ندعو إلى التحلي بالموضوعية وتسمية الأمور بمسمياتها دون مجاملة أو تنميق واعتماد حلول مبتكرة وشجاعة، حتى وإن اقتضى الأمر الخروج عن الطرق المعتادة، وإحداث زلزال سياسي).

الجالس على العرش اقترح ثلاثة مخارج عامة لعلاج الأزمة الحادة التي تعيشها البلاد: الأول هو إعادة النظر في النموذج التنموي المغربي الفاشل، والذي يزيد من الفوارق الاجتماعية ولا ينقصها، نموذج ليس فيه مكان للشباب ولا للفئات الهشة؛ والحل الثاني، هو بعث الروح في الجهوية المتقدمة واعتمادها لإعادة النظر في هيكلة الدولة المغربية، وتمكين الجهات من الموارد البشرية والمالية للاطلاع بمهامها. أما الحل الثالث، فهو ربط المسؤولية بالمحاسبة، واعتماد آليات جديدة لتقييم السياسات العمومية سعيا وراء الحكامة الجيدة).

في الآيات 20 و21 و22 من سورة “الأنفال” جلد للطبقة السياسية والإدارية، ونقل لمشاعر الملك تجاه الحكومة والبرلمان والإدارة والأحزاب السياسية والنقابات والمؤسسات العمومية، وفِي الخطاب الافتتاحي استمرار لتشخيص الأزمة التي تعيشها البلاد، والتي أعلنت عن نفسها في ثلاث مناسبات فارقة: الأولى هي الانقلاب على نتائج الاقتراع ورفض (الدولة العميقة) لاختيار الناس يوم السابع من أكتوبر؛ أما المناسبة الثانية التي ظهرت خلالها الأزمة هي تشكيل حكومة أخنوش التي يقودها العثماني، والتي لم تقنع أحدا بوجودها إلى الآن رغم المجهودات التواصلية التي يقوم بها الطبيب النفسي. وأما القشة التي قسمت ظهر البعير، فهي أزمة الريف التي كبرت في الفراغ السياسي الذي تركته أشهر “البلوكاج”، وعجز الدولة بكل مكوناتها عن احتواء هذا الحراك السلمي، ونتيجة هذا الفشل هو وجود 365 شابا وراء القضبان في السجون وانتشار جو من الخوف والريبة والإحباط في مجموع أرجاء البلاد …

الملك اكتفى بإعطاء الخطوط العريضة للخروج من الأزمة، داعيا الطبقة السياسية والبرلمان والحكومة إلى (مؤتمر وطني) لبحث النموذج التنموي الفاشل، وفِي قلبه طبعا النموذج السياسي للبلاد، وأوصى هذه النخبة بأن تكون جريئة وأن تعمل فكرها وعقلها للبحث عن حلول للسكتة القلبية، التي تعاني منها المملكة ولو اقتضى الأمر إحداث زلزال سياسي في المشهد السياسي الراهن. وكلمة “زلزال سياسي” معبرة ومفتوحة على كل التأويلات، من تعديل الدستور إلى حل البرلمان وإسقاط الحكومة، إلى إعادة النظر في تشكيلة كل المؤسسات والمشاريع والسياسات القائمة وأنماط التدبير العمومي للقرار  …

أول شيء يجب أن يقوم به البرلمان، وقبل أي شيء، هو تخصيص جلسات مفتوحة وعميقة لدراسة الخطاب الملكي، وإعداد أجوبة عملية فوق التشخيص الذي قام به الملك بجرأة كبيرة، ليس فقط لأداء الفاعلين السياسيين، بل ولحصيلته، هو كذلك، في المُلك لمدة 18 عاما، كما على الحكومة أن تعلن في أول جلسة لمجلس حكومتها عن نقطة وحيدة في جدول أعمالها، وهي إعداد جواب شامل سياسي واقتصادي واجتماعي وإداري عن الأزمة التي أعلن عنها الخطاب الملكي مرتين، والتي جعلته في حالة غضب وانزعاج شديدين من مؤسسات الدولة حتى اختار أن يخاطبها بقوله تعالى: (إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون). لم يسبق لملك أو سلطان أو أمير أن خاطب النخبة أو الخاصة أو الصفوة بمثل هذه الصراحة، وهذه اللغة العارية من أي تنميق ودبلوماسية لا يحتملها الوضع الذي وصل فيه السكين إلى العظم …

الخطب الملكية ليست مادة للاستهلاك الإعلامي، ولا خشبا يوقد فرن الدخول السياسي الجديد، الخطب الملكية جزء من جدول العمل الوطني، وهي مناسبة يقدم فيها الملك حصيلة مسؤوليته أمام الشعب كما هي مسطرة في الدستور الذي يشكل وثيقة التعاقد الأسمى بين الحاكم والمحكوم، ولهذا على الطبقة السياسية أن تتحلى بالجرأة ولو لمرة واحدة في حياتها، وأن تضطلع بمهامها أو أن تقدم استقالتها، فالسياسة ليست خشبةَ مسرح، والخطابات الملكية ليست نصوصا مسرحية، وممثلو الشعب ليسوا “كومبارس”… افهموا هذه الحقيقة قبل فوات الأوان.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من السكتة القلبية إلى السكتة الدماغية من السكتة القلبية إلى السكتة الدماغية



GMT 11:26 2019 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

العراق.. ما بعد استقالة عبدالمهدي

GMT 00:10 2019 السبت ,23 آذار/ مارس

حرصا على تقاليد برلمانية صحيحة

GMT 04:21 2018 الأربعاء ,25 تموز / يوليو

الرؤوس الكبيرة في قضية الدخان!

GMT 00:03 2018 الجمعة ,20 تموز / يوليو

عيون وآذان (ترامب يخطئ عن تجنيس ايرانيين)

GMT 06:07 2017 الأربعاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

“نمْ مطمئنا يا عمر!”

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 11:14 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم الإثنين 9 تشرين الثاني / نوفمير لبرج القوس

GMT 15:51 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج العذراء

GMT 11:04 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم الإثنين 9 تشرين الثاني / نوفمير لبرج العذراء

GMT 00:58 2020 الثلاثاء ,28 كانون الثاني / يناير

دراسة تحدّد الأطفال الأكثر عرضة لخطر السكري من النوع الثاني

GMT 19:55 2019 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

رشيد دلال مساعدا للكيسر في تدريب أولمبيك آسفي

GMT 05:10 2016 السبت ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران تستضيف أعمال الفن العربي الحديث في متاحفها

GMT 07:35 2020 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

غوايدو يدعو الفنزويليين للاحتجاجات ضد مادورو

GMT 17:50 2019 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وهبي يراسل وزير الصحة بشأن غياب دواء مرضى السرطان

GMT 01:40 2018 السبت ,10 آذار/ مارس

رجل يشكو زوجته لسوء سلوكها في طنجة
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya