في الفرق بين المساومة والتفاوض

في الفرق بين المساومة والتفاوض

المغرب اليوم -

في الفرق بين المساومة والتفاوض

بقلم : توفيق بو عشرين

في استطلاع للرأي على موقع «اليوم 24»، طرح على القراء سؤال يقول: هل يقبل رئيس الحكومة المكلف، سعد الدين العثماني، بإدخال حزب الاتحاد الاشتراكي إلى الحكومة؟ فماذا كانت النتيجة؟ إلى حدود كتابة هذه الأسطر، 83% قالوا لا، و17% قالوا نعم، أما عدد المصوتين فوصل إلى 4398 مشاركا.

هذا معناه أن المهتمين بهذا الموضوع يتوقعون من الطبيب النفسي أن يبقي على فيتو بنكيران ضد لشكر، لأن الأخير فضل الدخول إلى الحكومة من نافذة أخنوش لا من باب بنكيران. وإذا كان اتحاد لشكر قد أسهم في إفشال مهمة بنكيران، ولو من باب الشماعة التي تعلق فوقها الآثام التي يتهرب منها الجميع، فمن باب والإنصاف ألا تعطى هدايا للشكر، تشجع باقي الأحزاب على اللعب غير النظيف في السياسة. يكفي أن الوردة أخذت رئاسة مجلس النواب خارج أي منطق عددي أو سياسي، فأن يدخل اتحاد لشكر «بالفور يا شيفور» وضد حزب بنكيران إلى الحكومة، فهذه إهانة لها بعدها، ومؤشر كافٍ على نوع الحكومة التي ستتشكل لإدارة مرحلة صعبة ودقيقة.

يعرف الجميع أن لشكر أعطي وعدا بدخول الحكومة، كما أعطي وعدا بأخذ رئاسة مجلس النواب، من جهة، «لإغاظة بنكيران وإضعافه»، ومن جهة أخرى لمنع الاتحاد من الموت السريري، بعد الموت السياسي الذي تكبده نتيجة اختياراته السياسية، ونتيجة تلاعب السلطة بالأحزاب، والتدخل في استقلالية قرارها. ففي الوقت الذي كان رأس الاتحاد مطلوبا من قبل السلطة في سنوات الجمر، ها هي الجهة نفسها، التي أعطبت حزب بوعبيد، تقف عند رأسه تدعو الله له بالشفاء، وتقدم له علاجا مجانيا، عله يرجع إلى الحياة، من أجل أن تبقى لعبة التوازنات حية، وتبقى البلقنة سيدة المشهد، وحتى تقتنع الأحزاب كلها بأن الصحة من عند السلطة، والمرض من عند السلطة، ولا راد لما أراده المخزن.

العثماني اليوم تحت ضغط قوي من قبل الدولة ومن قبل الحزب ومن قبل الرأي العام -كان الله في عونه- وهو يحاول أن يمسك العصا من الوسط كعادته، ويحاول ألا يصطدم بأي جهة، في رحلة البحث عن تشكيل الحكومة، مع إبقاء جسور التواصل مع القصر ممدودة، لكن هذا النهج له حدوده، وله خطوطه الحمراء، وله أخلاقيات سياسية وجبت مراعاتها أيضا. ففي الأخير، العثماني مطالب، باعتباره رئيس الحكومة، بحسم الأمر، واختيار طريق من بين الطرق المعروضة أمامه، ورفاقه في الحزب عليهم أن يختاروا بين الزبدة وثمنها، وأن يكونوا واضحين مع الرأي العام ومع الناخبين الذين صوتوا لهم رغم كل الضغوط التي تعرضوا لها قبل السابع من أكتوبر.

هناك فرق بين التفاوض والمساومة، وهناك فرق بين المرونة وبين تزكية العبث، وهناك فرق بين الحرص على حسن الجوار مع كل المؤسسات، وبين قول الحقيقة كما هي وفي اللحظات الحرجة، وهناك فرق بين مواصلة الإصلاحات، وبين الاختباء خلف الأوراش المفتوحة لتبييض سلسلة التراجعات عن الخيار الديمقراطي.

السياسة سلوك عقلاني وليست عملا من أعمال السحر، والحكومة والمعارضة وظيفتان أساسيتان في الأنظمة الحديثة، وليستا أوسمة ولا امتيازات ولا صفقات ولا قطائع ولا تطبيعا… مسؤولية حزب العدالة والتنمية اليوم هي الإسهام في تنقية الحقل السياسي من ظاهرة خلط الأوراق التي لازمته من الاستقلال إلى اليوم. مسؤولية المصباح أن يسهم في وضع قواعد شفافة وعقلانية وديمقراطية يحتكم إليها جميع الفرقاء حتى يصبح للسياسة معنى، وللانتخابات معنى، وللدستور معنى، وللحزب معنى، وللمواطنة جدوى.

كيف سيقتنع الناس بجدوى السياسة إذا رأوا أمامهم حكومة لا تحكم، ورئيسا وظيفته ترقيع دربالة حكومة لا لون ولا طعم ولا رائحة لها؟ كيف يستطيع رئيس الحكومة غدا أن يقنع الناس بجدوى الإصلاحات المرة، وبوجوب الصبر على الإجراءات القاسية، إذا رأوا أنه شخصية ضعيفة «ترضى بالمكتوب»، ولا تستطيع أن تميز في السير بين الأخضر والأحمر… بنكيران كان ناجحا في تمرير الإصلاحات المعقدة والصعبة إبان ولايته، لأن الناس كانوا يرون أنه صادق، وأنه صريح، وأنه لا يتمسك بالمنصب من أجل لا شيء، لهذا، لم تنجح إضرابات النقابات في شل البلد، ولم يخرج الناس إلى الشارع بقوة عندما رفع الدعم عن المحروقات، ورفع سن التقاعد، وربط الأجر بالعمل، وبدأ يقتطع أيام الإضراب من الأجور، بل، بالعكس، ربح أصواتا إضافية، ومقاعد إضافية في الانتخابات الأخيرة بعد خمس سنوات صعبة لم يقدم فيها إلا القليل القليل للفقراء، أما أحوال الطبقات الوسطى فقد تضررت، لكن مصداقيته السياسية، وتواصله اليومي، وقربه من الشارع، وهجره لغة الخشب ساعدته وساعدت البلاد في اجتياز العاصفة.

الذي يتشدد اليوم في إدماج الاتحاد في حكومة العثماني، وقبل ذلك في حكومة بنكيران (وأقصد أخنوش ومن معه)، ليس قلبه على الوردة المسكينة، لكن هدفه هو إذلال المصباح، وإضعاف مؤسسة رئاسة الحكومة، وهذا ما فطن إليه بنكيران، ووقف في وجهه، وقدم رأسه ثمنا لذلك، فخسرت الحكومة رئيسا، وربحت السياسة زعيما.

المصدر : اليوم 24

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في الفرق بين المساومة والتفاوض في الفرق بين المساومة والتفاوض



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 19:20 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الجدي

GMT 06:36 2018 السبت ,08 أيلول / سبتمبر

تمتع بمغامرة فريدة في أجمل مدن "مولدوفا"

GMT 11:44 2017 الثلاثاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

المؤجلات… موت التشويق

GMT 22:25 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

المانجو فاكهة النشاط والتفاؤل

GMT 15:47 2018 الثلاثاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

أفكار مميزة لتجديد حديقة منزلك بدون تكاليف في الشتاء

GMT 18:25 2018 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

لمسات بسيطة تضفي مزيدًا من الجمال على شرفات منزلك

GMT 05:02 2017 الجمعة ,29 كانون الأول / ديسمبر

شخص يضرم النار داخل مسجد أثناء صلاة العشاءفي شيشاوة

GMT 23:52 2017 الأربعاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

متصرفو المغرب يعتصمون أمام وزارة المال في الرباط

GMT 14:10 2017 الأحد ,24 كانون الأول / ديسمبر

جريمة قتل بشعة تهزّ حي التقدم في الرباط

GMT 21:47 2017 الأحد ,17 كانون الأول / ديسمبر

إيقاف عداء مغربي لأربعة أعوام بسبب المنشطات

GMT 18:28 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

الرجاء يواجه الدفاع الجديدي في الرباط رسميًا

GMT 21:04 2017 الجمعة ,08 كانون الأول / ديسمبر

أولمبيك خريبكة يستعيد نغمة الانتصارات ويؤزم وضعية تطوان

GMT 20:54 2016 الإثنين ,14 آذار/ مارس

إنشاء 3 شواطئ صناعية في كورنيش مدينة الناظور
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya