بذلة لشكر تقول كل شيء

بذلة لشكر تقول كل شيء

المغرب اليوم -

بذلة لشكر تقول كل شيء

بقلم : توفيق بو عشرين

‘‘صورة واحدة أفضل من ألف كلمة’’، يقول المثل الصحافي، والصورة التي تلخص آلاف الكلمات، حول طريقة إخراج حكومة الستة أحزاب، هي صورة بذلة إدريس لشكر وهو واقف لالتقاط صورة جماعية مع رئيس الحكومة الجديد وحلفائه، حيث ظهر هندام السي إدريس غير مرتب وأزرار البذلة مبعثرة، فهل تلخص هذه الصورة مشهد حكومة ولدت على وزن «يدي ويد القابلة»؟ هل يعيد العثماني تكرار المهزلة التي وقعت مع عباس الفاسي يوم شكل حكومة ليلة القدر مسترشدا بورقة أعطاه إياها المستشار الراحل، مزيان بلفقيه، في ضريح مولاي إدريس في زرهون؟

الفايسبوك يقطر بالغضب والإحباط والاستياء من تنازلات سعد الدين العثماني لأخنوش ولشكر ومن يقفون خلفهما، والمهتمون من داخل العدالة والتنمية ومن خارجها لم يفهموا كيف تنازل العثماني عن الخطوط الحمراء التي وضعها بنكيران، والمتمثلة، أولا، في إبعاد الاتحاد عن الأغلبية لأنه اختار أن يلعب بقميص فريق البلوكاج، وثانيا في رفض بنكيران تدخل جهات أخرى في قرار رئيس الحكومة، ومس حريته في اختيار مع من يتحالف ومع من لا يتحالف لتشكيل الحكومة، وثالثا، احترام نتائج الاقتراع وخريطة السابع من أكتوبر، ورابعا، عدم سماح بنكيران بدخول أربعة أحزاب متكتلة إلى الحكومة للعب دور مسمار جحا، والانتقاص من سلطة رئيس الحكومة، وخامسا، حفظ كرامة المصباح ومن يمثله، حتى يكون للسياسة معنى، وللاقتراع معنى، وللحزب معنى.

رئيس الحكومة الجديد غض الطرف عن كل هذا، واتجه إلى عقد صفقة لم يتقاضَ فيها حتى ثمن «رأس بنكيران»، والقبول بالإطاحة بزعيم ربح الانتخابات ثلاث مرات متتالية، وحظي بموافقة حزبه للتمديد له في مؤتمر استثنائي سنة أخرى ليتمكن من قيادة الحكومة، وحقق للحزب ما لم يحققه قبله الأمين العام السابق. العثماني لخص الحكاية كلها في عبارة: «القرار السيادي» الذي أملى ضرورة مشاركة الوردة في الحكومة.

هذا هو سبب موجة الرفض التي انفجرت في وجه العدالة والتنمية، وليس كتائب المكر، وليست المؤامرات المزعومة، لهذا مطلوب من العثماني، ومن يتحلقون حوله، أن يخرجوا إلى الرأي العام، ويشرحوا أسباب هذا الانقلاب في مواقف الحزب، ويدافعوا عن موقفهم من ابتلاع شروط أسهموا في وضعها في الأمانة العامة والمجلس الوطني، والآن يجري شطبها بجرة قلم أو منصب. ليس عيبا أن يغير السياسي مواقفه عندما تتغير المعطيات والظروف، تماما مثل قبطان سفينة يغير سرعته واتجاهه حسب ظروف الطقس وعلو الموج وحركة المد والجزر، لكن السياسة أيضا قائمة على الوضوح وعلى المنطق خاصة، وعلى المبادئ إذا كانت قوة الحزب مستمدة من قوة الرأي العام ومن شرعية الفكرة التي يحملها.

لا أحد يطالب الحزب المحافظ بأن يصير ثوريا، ولا أحد يطالب حزبا نهج خط المشاركة السياسية بأن يتحول إلى منطق المقاطعة، ولا أحد يطلب من العثماني أن يكون كاميكاز، لكن الناس يطلبون احترام الثابت الرابع في الدستور: «الاختيار الديمقراطي»، ويطالبون باحترام نتائج الاقتراع، ويطالبون العثماني (وفريقه) بألا يعطي خصومه بالتفاوض والمساومات ما عجزوا عن أخذه بصناديق الاقتراع وتظاهرات «ولد زروال». المتعاطفون مع الحزب يطالبون بمشاركة في حكومة تخدم مشروع الإصلاح، لا مشاركة تغطي على سلسلة مقبلة من التراجعات، وصولا إلى العودة إلى النموذج السلطوي الذي ساد قبل 2011.

كان باستطاعة بنكيران أن يمشي على النهج نفسه الذي يسير عليه العثماني الآن، لكنه شعر بخطورة الأمر، وبأن الاتجاه الغالب في الرأي العام لن يقبل منه ذلك -وهذا ما تأكد الآن- ولهذا، قال في آخر خطاب له بالوليدية: “ماغديش نبقى عبد الإله بنكيران إذا قبلت بدخول إدريس لشكر عنوة إلى الحكومة، وأنا أفضل أن أضحي برئاسة الحكومة على القبول بالذل”.

هذه الجمل ليست عنادا شخصيا، وليست كبرياء يخرج في لحظة عاطفية. بنكيران أمضى خمسة أشهر يحاول أن يجد للماء قنوات للمرور بينه وبين كل الأطراف، وقدم تنازلات كثيرة، قبل الانتخابات وبعدها، من أجل أن يقنع الطرف الآخر بأنه مسهل وليس معسرا، وأنه سياسي براغماتي يبحث عن التعايش، لكنه تعايش بقواعد منتجة لإصلاحات حقيقية، واحترام متدرج للدستور، وتوافق يقود إلى إصلاح عميق للدولة. عبارة “انتهى الكلام”، التي وقع بها بنكيران بلاغه الشهير، كانت عنوانا عن قراءته ميزان القوى الجديد، الذي كان يريد أن يثبت عقاربه عند نتائج الاقتراع، قناعة منه بأن ذلك يخدم البلد والمؤسسة الملكية ومستقبل الاستقرار في البلد، لكن الرد عليه كان قاسيا وواضحا، وفحواه أن الانتخابات لن تغير موازين القوى مهما كانت نتائجها، وأن الزعامة في الحقل السياسي لها حدود لا يمكن أن تتجاوزها، سواء كانت زعامة معارض للنظام أو موالٍ للعرش، وأن البلاد ستدار بالأسلوب القديم، لهذا رضي بنكيران بالقرار الملكي، ورجع إلى بيته يحاول تهدئة النفوس المروعة، لأنه كان يعرف، منذ اللحظة التي اختار فيها نهج التفاوض هذا، أن عزله أمر وارد. والآن الدور على العثماني ليشرح للناس ما هو مشروعه، وما هو أسلوبه، لعلّهم يهدؤون، أما الاستمرار في تقديم التنازلات، وترويج نظرية المؤامرة، ومحاولة تطويق الغضب بسياج عاطفي من المشاعر الخائفة على وحدة الحزب، فهذا لا ينفع بلدا في مفترق طرق، وفرص للإصلاح تهدر على عتبات مطامح شخصية أو مخاوف ذاتية لا تساوي شيئا في ميزان المصلحة العامة، والله أعلم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بذلة لشكر تقول كل شيء بذلة لشكر تقول كل شيء



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 11:14 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم الإثنين 9 تشرين الثاني / نوفمير لبرج القوس

GMT 15:51 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج العذراء

GMT 11:04 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم الإثنين 9 تشرين الثاني / نوفمير لبرج العذراء

GMT 00:58 2020 الثلاثاء ,28 كانون الثاني / يناير

دراسة تحدّد الأطفال الأكثر عرضة لخطر السكري من النوع الثاني

GMT 19:55 2019 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

رشيد دلال مساعدا للكيسر في تدريب أولمبيك آسفي

GMT 05:10 2016 السبت ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران تستضيف أعمال الفن العربي الحديث في متاحفها

GMT 07:35 2020 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

غوايدو يدعو الفنزويليين للاحتجاجات ضد مادورو

GMT 17:50 2019 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وهبي يراسل وزير الصحة بشأن غياب دواء مرضى السرطان

GMT 01:40 2018 السبت ,10 آذار/ مارس

رجل يشكو زوجته لسوء سلوكها في طنجة
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya