صرخة جرادة

صرخة جرادة

المغرب اليوم -

صرخة جرادة

بقلم - توفيق بو عشرين

سيدة في عقدها الثالث تصرخ بكل ما فيها من قوة وغضب وإحساس بالحگرة، وتقول أمام عدسات الكاميرات، التي حجت إلى جرادة لنقل تراجيديا مقتل شابين تحت أنقاض منجم للفحم الحجري: «رواح تشوف يا الملك المحنة اللي حنا فيها، رواح تشوف يا الملك القهر والفقر والذل الذي نعيشه في جرادة، رواح تشوف يا الملك أبناءنا يموتون في مناجم العار لأنهم لم يجدوا بديلا عن المخاطرة بحياتهم غير البحث عن الفحم الحجري تحت الأرض، يا الملك رواح تشوف، لم نأكل، لم نشرب، ليس لنا منزل ولا مستشفى، أنا السعدية زوجي مات وابني مريض، وعلي حكم بإفراغ المنزل، ولا شغل في جرادة… نحن لن ندفن من ماتوا حتى تعطونا حقنا».

بدأت قصة الاحتجاجات الجديدة في جرادة (43 ألف نسمة)، عندما قتل الأخوان حسين (23 سنة) وجدوان (30 سنة) في منجم عشوائي للتنقيب عن الفحم الحجري، حيث أصبحت مناجم جرادة المهجورة من قبل الشركة (مفاحم المغرب) ملجأ للشباب العاطل عن العمل في مدينة لا فلاحة ولا تجارة ولا صناعة فيها، حيث يقصد الشباب هذه المناجم دون معدات ولا خبرة ولا تأطير، لاستخراج لقمة العيش في مدينة لم تقس عليها الطبيعة فقط، بل قسا عليها قلب الدولة كذلك منذ الاستقلال وإلى اليوم.

مقتل الشابين تحت الأرض كان القشة التي قصمت ظهر البعير، حيث لم يجد شباب جرادة سوى منع دفن جثتي «شهيدي المنجم» طريقة للاحتجاج على السلطات هناك، حيث رفع المحتجون شعار: «لا لدفن الشهيدين حتى تعطينا الدولة بديلا اقتصاديا»، ولأن البديل غير موجود في جرادة ولا في غيرها من مدن المغرب غير النافع، فإن عبقرية العامل هناك قادته إلى محاولة دفن الراحلين ليلا وبشكل سري، دون جنازة ولا صلاة ولا طقوس لوداع الموتى، فازدادت حرارة الاحتجاجات، ونزل المواطنون إلى المقبرة لمنع ليس فقط دفن حسين وجدوان، ولكن منع دفن دفتر مطالب الحراك الاجتماعي الذي انفجر عقب الحادث، وفي مدينة عدد سكانها لا يتجاوز 43 ألف نسمة، نزل إلى المقبرة حوالي 20 ألف متظاهر.

في حراك الريف، كما في حراك زاكورة، كما في حراك جرادة، نقرأ القواسم المشتركة التالية، التي بجمعها في صورة أكبر يمكننا أن نقيس حرارة الاحتجاجات، ونرى الجيل الجديد من الحراك الذي يؤشر على تطورات سياسية مقلقة.

أولا: المطلب الأول لحراك جرادة، كما الحسيمة، كما زاكورة، اجتماعي واقتصادي. المواطنون يطلبون الشغل، ويطلبون أنشطة مدرة للدخل، بعد فاجعة موت محسن فكري في الحسيمة وحسين وجدوان في جرادة. المطالب الأجتماعية أكثر إحراجا للدولة من المطالب السياسية التي يمكن التفاوض عليها وكسب الوقت فيها.

ثانيا: المحتجون في جرادة، كما في الريف، كما في زاكورة، لا يتوجهون إلى رئيس الحكومة ولا إلى الوزراء بأي مطلب، بل يخاطبون الملك محمد السادس مباشرة، ويتوجهون إليه بدفترهم المطلبي، ثم يحتجون على العامل ممثل الدولة والملك في المدينة، ولا يلتفتون إلى رئيس المجلس البلدي، ولا إلى البرلمانيين، ولا إلى رئيس الجهة.

ثالثا: كما في حراك الريف، حمل شباب جرادة شعار السلمية الشهير ورددوا: «سلمية سلمية لا حجرة لا جنوية»، وجابوا الشوارع والمقبرة يحملون شعارات اجتماعية، وينددون بالبطالة والفساد والريع والإهمال الذي يشعرون به، مع حرصهم على عدم الاصطدام برجال الأمن من خلال سلسلة بشرية تفصل المتظاهرين عن قوات التدخل السريع.

رابعا: الجيل الجديد من الحركات الاجتماعية ينفجر في مدن وجهات المغرب العميق، خارج المراكز التقليدية في مدن البيضاء أو الرباط أو فاس أو طنجة أو مراكش. الاحتجاجات اليوم تنفجر في المدن والقرى الصغيرة والبعيدة عن المركز، الحسيمة، زاكورة، الصويرة، جرادة، ثم يصل الصدى إلى الرأي العام في كل ربوع المغرب…

خامسا: العفوية وعدم وجود أي جهة مؤطرة هي سمة تظاهرات جرادة، كما الحسيمة وزاكورة، حيث تغيب الأحزاب والنقابات والجمعيات عن تأطير الحراك، فيما تلعب شبكات التواصل الاجتماعي دور التنسيق والإخبار والإعداد والتحريض وصياغة دفتر المطالب.

سادسا: وسائل تغطية حراك جرادة هي بالأساس المواقع الإلكترونية وكاميرات المواطنين وتدوينات الناشطين، فيما تغيب تلفزات الدولة والإعلام التقليدي في العموم، وهذا ما يجعل التواصل مفتوحا دون وساطات ولا معايير لنقل الأخبار من عين المكان إلى المتلقي.

في مدينة جرادة تتجاوز البطالة نسبة 37%، حسب المندوبية السامية للتخطيط، حيث يعيش 10589 رجلا دون شغل، وتعيش 19489 امرأة دون مدخول، في مدينة لا يتجاوز عدد سكانها 43 ألف نسمة! 31 % منهم تحت خط الفقر، أما الهشاشة فتنخر جلهم في الإقليم وجماعاته القروية حيث الوضع أفظع بكثير… باختصار، الناس متروكون هناك لحالهم، ولا يوجد من يفكر فيهم… فهل تصل صرختهم إلى من يعنيهم الأمر قبل فوات الأوان؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صرخة جرادة صرخة جرادة



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 18:57 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الثور

GMT 14:07 2016 الجمعة ,16 أيلول / سبتمبر

الأبنوس

GMT 15:05 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

نيمار يبلغ سان جيرمان برغبته في الرحيل هذا الصيف

GMT 14:42 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

السالمية الكويتي يبدأ مشواره العربي بلقاء الشبيبة الجزائري

GMT 15:23 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

سنوات يفصلها رقم

GMT 11:24 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

الملك محمد السادس يرسل برقية تعزية إلى الرئيس الكاميروني

GMT 13:45 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

أول صالون تجميل يستقبل المحجبات في نيويورك

GMT 23:50 2019 الأحد ,02 حزيران / يونيو

باتريس كارتيرون يُراقِب العائدين من الإعارة

GMT 00:14 2019 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

السعودية تنفذ حكم القتل تعزيرًا في حق صدام حسين

GMT 20:47 2018 السبت ,08 كانون الأول / ديسمبر

"الوطني للسكك الحديدية "يعلن عن تخفيضات في تذاكر القطار

GMT 10:42 2018 الثلاثاء ,09 تشرين الأول / أكتوبر

حركة إعفاءات وتغييرات جديدة في صفوف الدرك الملكي

GMT 02:26 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

ورق جدران بألوان جذابة لديكورات غرف معيشة مبهجة

GMT 22:03 2018 الإثنين ,06 آب / أغسطس

صعقة كهربائية تودي بحياة شاب في سلوان
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya