فرح في العرعار وحزن في حي الليمون

فرح في العرعار وحزن في حي الليمون

المغرب اليوم -

فرح في العرعار وحزن في حي الليمون

بقلم - توفيق بو عشرين

الزواج كان في حي الليمون، والفرح كان في حي العرعار. الولادة كانت قيصرية في مقر المصباح، والحلوى كانت توزع على المدعوين في مقر حزب الوردة، فيما المهندسون الكبار لهذه «الطبخة» كانوا يقرعون الكؤوس فرحا بإسقاط عدة عصافير بحجر واحد.. حجر أسقط رأس الزعيم بنكيران الذي صار مزعجا، وأصاب صورة حزب المصباح لدى الجمهور، وزعزع وحدة صفوفه، وأدخل ستة أحزاب إلى حكومة «الحديبية»، بعضها دخل «ليحكم»، وبعضها دخل ليعارض، والحجر نفسه قتل روح السابع من أكتوبر، وحول نتائج الاقتراع إلى أرقام بدون دلالة سياسية، والحجر نفسه أغلق قوسا وفتح قوسا آخر.

هكذا بدا المشهد من الأعلى، وكم كان العثماني قاسيا على حزبه وعلى جمهوره وعلى بنكيران، وهو يدخل إدريس لشكر وعزيز أخنوش إلى مقر الحزب ليخلد الذكرى، ويعطي الإهانة صورة فوتوغرافية لا تمحى لحزب أُجبر «بقرار سيادي» على إدخال حزب إلى حكومة لا ترغب فيه، تماما مثل امرأة أجبرت على الزواج من رجل لا تريده، فهي تحتاج إلى من يعزيها، لا إلى من يأخذ لها صورا لذكرى أليمة. كان يكفي الدكتور أن ينجز «الصفقة» بعيدا عن أعين الكاميرات التي لا ترحم.

في كلمته أمام لجنة الاستوزار، كان بنكيران حريصا على تذكير الجميع برسالة الحزب ومشروعه الإصلاحي، ودعا، في خطبة الوداع، مناضلي البيجيدي إلى أن يكونوا رجالا، وأن يحافظوا على وحدة الحزب، وألا تغريهم المناصب والامتيازات، لكن الرسالة الأقوى لبنكيران لم تكن كلامه في جمع من إخوانه، بل إن رسالته الأقوى كانت هي انسحابه من أشغال اللجنة المكلفة باختيار الوزراء وبالهندسة الحكومية، حتى لا يضفي شرعية على نهج لا يتفق معه. فإذا كان بنكيران قد قبل بإقرار الملك إزاحته من رئاسة الحكومة، وإذا كان بنكيران قد قبل بتعيين العثماني رئيسا للحكومة بدلا منه، فإنه لم يقبل إدخال الاتحاد الاشتراكي إلى حكومة يرأسها حزب العدالة والتنمية، ليس عداء للشكر، ولا حساسية من الوردة، فهو نفسه وجه دعوة رسمية إلى إدريس لشكر لدخول حكومته الأولى، وبقي يلح عليه للالتحاق بالأغلبية، لكن الأخير رفض، وفضل أن يكون جزءا من مشكل الحكومة لا جزءا من حلها، وعندها اعتبره بنكيران «خارج الحساب»، ورأى في دخوله من نافذة أخنوش إلى الأغلبية إهانة له ولحزبه، وتشجيعا على العبث السياسي، وقبل هذا وبعده، خرقا للدستور الذي أعطى رئيس الحكومة وحده صلاحية اختيار الأغلبية، ولم يعطها لأحد، بقرار سيادي أو غير سيادي. لقد تحول اتحاد لشكر، بعدما «خطف» رئاسة مجلس النواب بأصوات المعارضة وهو الحائز 20 مقعدا، إلى حجر في حذاء الحكومة المقبلة، وأصبح دخوله إلى الحكومة دليلا على ضعفها وضعف رئيسها، وأضحى خروجه منها دليلا على قوة الحكومة وقوة رئيسها، ولحظة يقاس فيها مؤشر ميزان القوى، لهذا صدم الناس ليلة الأربعاء عندما أطيح برأس بنكيران، وصدموا أكثر عندما فتح خليفته باب الحكومة لإدريس لشكر، ليدخل بكل ما يحمل دخوله من دلالات مهينة لحكومة فيها أربعة أحزاب متكتلة، لا تملك قرارها، ولا مؤشر يدل على أن لها نية حسنة لإكمال مشوار الإصلاحات، واحترام نتائج الاقتراع، وحماية الخيار الديمقراطي.

هذه هي القصة ببساطة، ودون “فذلكات” ولا تبريرات، وعلى الطبيب العثماني أن يواجه الإحباط الذي زرعه في الناس نتيجة تنازله عن شروط المجلس الوطني، الذي فوض إلى الأمانة العامة رعاية تشكيل الحكومة بالضوابط التي وضعتها الأمانة العامة للحزب في بيان الخميس الذي أعقب إقالة بنكيران.

القصة ليست معقدة إلى الدرجة التي ذهب إليها بعض «منظري الدخول إلى الحكومة دون قيد أو شرط»، هناك مليونا مواطن أعطوا المصباح أصواتهم، وخلفهم ملايين أخرى وضعوا ثقتهم في بنكيران وفي مشروع الإصلاح في ظل الاستقرار، فهل سيقدر الحزب على حماية تلك الأصوات وهذه الآمال أم لا؟ وهل خلط الأوراق الجاري الآن، خارج أي قواعد أو أعراف ديمقراطية، سينفع البلاد واستقرارها أم لا؟ وهل إضعاف رئيس الحكومة، وجعله هشا إلى درجة أنه لجأ إلى تبرير دخول الاتحاد إلى الحكومة بوجود قرار «سيادي».. هل هذا يخدم احترام الدستور والخيار الديمقراطي أم لا؟ ثم، كيف السبيل لفرز الطموح الشخصي لدى نخبة البيجيدي من التحليل الموضوعي والقرار الذي يخدم المصلحة العامة؟ لدينا سوابق مازالت شاهدة على أن الاختيارات السهلة ليس دائما موفقة، وأن إخراج الرأي العام من معركة الإصلاح يفقد أصحابه السند والقوة، وبعدها الحصانة من الضعف أمام الإغراءات. انظروا إلى حال الاتحاد الاشتراكي، الذي كان يقود الكتلة الحرجة في المجتمع، كيف صار اليوم يتسول منصبا أو اثنين في حكومة حتى لا يخرج نهائيا من المشهد السياسي… إذا كان الاتحاد صالحا لشيء اليوم، فهو صالح لتذكير من نسي بمآل الأحزاب التي لا تضع خطوطا حمراء لتنازلاتها، ولا تضع سقفا لكرامتها، ولا تحتكم لمبدأ في مفاوضاتها، أو قل مساوماتها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فرح في العرعار وحزن في حي الليمون فرح في العرعار وحزن في حي الليمون



GMT 19:41 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

الاهتمام بلبنان في ظلّ إعادة تأسيسنا صاروخيّاً!

GMT 19:39 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ثلاثية الكويت

GMT 19:36 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

محاكمة لجنة التحقيق!

GMT 19:35 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

فكرة بديلة فى الرى!

GMT 19:32 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ما نعرفه حتى الآن

GMT 12:34 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

الشخصية اللبنانية كمزحة

GMT 12:32 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

لماذا يكره المتطرفون الفنانين؟

GMT 12:29 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

ارفع معنوياتك!

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 19:20 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الجدي

GMT 06:36 2018 السبت ,08 أيلول / سبتمبر

تمتع بمغامرة فريدة في أجمل مدن "مولدوفا"

GMT 11:44 2017 الثلاثاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

المؤجلات… موت التشويق

GMT 22:25 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

المانجو فاكهة النشاط والتفاؤل

GMT 15:47 2018 الثلاثاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

أفكار مميزة لتجديد حديقة منزلك بدون تكاليف في الشتاء

GMT 18:25 2018 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

لمسات بسيطة تضفي مزيدًا من الجمال على شرفات منزلك

GMT 05:02 2017 الجمعة ,29 كانون الأول / ديسمبر

شخص يضرم النار داخل مسجد أثناء صلاة العشاءفي شيشاوة

GMT 23:52 2017 الأربعاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

متصرفو المغرب يعتصمون أمام وزارة المال في الرباط

GMT 14:10 2017 الأحد ,24 كانون الأول / ديسمبر

جريمة قتل بشعة تهزّ حي التقدم في الرباط

GMT 21:47 2017 الأحد ,17 كانون الأول / ديسمبر

إيقاف عداء مغربي لأربعة أعوام بسبب المنشطات

GMT 18:28 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

الرجاء يواجه الدفاع الجديدي في الرباط رسميًا

GMT 21:04 2017 الجمعة ,08 كانون الأول / ديسمبر

أولمبيك خريبكة يستعيد نغمة الانتصارات ويؤزم وضعية تطوان

GMT 20:54 2016 الإثنين ,14 آذار/ مارس

إنشاء 3 شواطئ صناعية في كورنيش مدينة الناظور
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya