دكتور البريكولاج في ورطة

دكتور البريكولاج في ورطة

المغرب اليوم -

دكتور البريكولاج في ورطة

بقلم : توفيق بو عشرين

يعيش حزب العدالة والتنمية على إيقاع رجة سياسية ونفسية غير مسبوقة، فالقرار الذي اتخذه الطبيب النفسي، سعد الدين العثماني، بتشكيل حكومة جديدة دون قيد أو شرط.. هذا القرار لم يلق القبول ولا الترحيب من قبل قيادة الحزب وقاعدته. وباستثناء ثلاثة أو أربعة أعضاء في الأمانة العامة للحزب يساندون الدكتور، فإن الباقي إما رافض لهذا النهج، وإما ساكت، فيما قاعدة الحزب تغلي في الأسفل، وبعضها بدأ يتهم رئيس الحكومة الجديد بـ«الانبطاح» و«التخاذل»، وحتى «خيانة الأمانة» وأصوات الناخبين الذين صوتوا للمصباح. هذا عن الحزب، أما عن مؤيديه من عموم المواطنين، فإن العثماني يتعرض لجلد على أسوار الفايسبوك منذ أدخل إدريس لشكر إلى مقر الحزب بدون مقدمات، وأعلن تشكيل حكومة من ستة أحزاب بلا لون ولا طعم، فيما لم يملك العثماني الجرأة ليخرج إلى الرأي العام، ويشرح للناس سبب هذا التغير في مواقف الحزب، الذي كان يعتبر الاتحاد خطا أحمر، وشروط أخنوش من المحرمات، وأن حكومة مسلوقة وبعيدة عن نتائج الاقتراع من رابع المستحيلات.

العثماني له تجربة أربعين سنة في السياسة، وهو أحد القادة الأساسيين لحزب العدالة والتنمية، وقبله الحركة الإسلامية التي جاءت إلى الحزب لتمارس السياسة بعدما كانت متفرغة للدعوة، ولهذا، فهو لا يعدم اللسان للكلام، ولا يفتقر إلى حس التواصل، بل هو عاجز عن إيجاد «توليفة» ترضي كل الأطراف. إنه بين المطرقة والسندان، في وضع معقد لم يسبقه إليه أحد، فهو رئيس حكومة جديد ورث شروطا قديمة، أسهم هو نفسه في وضعها في الأمانة العامة للحزب عندما كان بنكيران يتفاوض على شروط تشكيل الحكومة، ويخرج عقب كل اجتماع لقيادة الحزب بلاغ رسمي يعبر عن آراء كل أعضاء الأمانة العامة، حتى إن بعض القرارات كانت تؤخذ بالإجماع، ثم إن العثماني يملك ظهير التعيين في رئاسة الحكومة، لكنه لا يملك مفاتيح حزب العدالة والتنمية، وحتى لو حاول بنكيران أن يساعده، فإن أسلوب سعد الدين لا يساعد على تحمل قرار من هذا الوزن، ومجابهة رأي عام، داخلي وخارجي، يرفض تشكيل الحكومة من أجل الحكومة، ويرفض دخول وجوه سياسية محروقة إليها، ويرفض إهانة الحزب الأول في المغرب بهذه الطريقة.

هذا هو المأزق الذي انتبه إليه مصطفى الرميد مبكرا جدا، وقال مقولته الشهيرة: «أنا أرفض أن أكون ابن عرفة العدالة والتنمية»، عندما كانت تروج فكرة التخلي عن الأمين العام للحزب، عبد الإله بنكيران، والاتجاه إلى اسم آخر من الحزب نفسه. وحتى وإن كانت جملة الرميد هذه قاسية جدا، فإنها تعكس مزاجا وسط الحزب لا بد من أخذه بعين الاعتبار، لأن هذا هو الفرق بين حزب حي وحزب ميت. اليوم يستطيع لشكر وأخنوش والعنصر وساجد… أن يتخذوا مواقف دون الرجوع إلى قاعدة الحزب، إن كانت هذه الأحزاب لها قاعدة أصلا، لكن بالنسبة إلى البيجيدي، مثل ما كان الاتحاد والاستقلال في زمن «العز»، لا يستطيع بنكيران ولا العثماني ولا الرميد أن يأخذوا الحزب دون قناعة، ودون منطق، ودون تواصل، ودون حجة، ودون خريطة طريق.

القصة ليست «فيلما بوليسيا» مكتوبا بسيناريو المؤامرة، وكتائب المكر التي تخطط لإفشال العثماني، كما ذهب إلى ذلك منظر الحزب، يا حسرة، والغضب المتدفق اليوم في أحاديث الناس وتعليقاتهم على الطبخة التي تعد للحكومة المقبلة لا تقف وراءه خلايا الفيسبوك ولا كومندو يمتلك قوى سحرية. هذا إحساس عام ومشاعر صادقة من الناس، حتى وإن رآها البعض ساذجة، ففي السياسة تتساوى الحقائق والانطباعات، لأنك في النهاية مجبر على إدارة السياسة مع الناس وليس وراء ظهورهم، وفوق وعيهم. هذا إذا سلمنا بأن وعي الفاعل الحزبي والسياسي أكبر من وعي عامة الجمهور، وأن النخب السياسية متحررة من الخوف والطمع.

الصعوبة التي يجدها اليوم العثماني للعبور إلى شط الحكومة تتمثل في العوامل التالية:

أولا: جزء كبير من الرأي العام -الذي لا يعبر عنه الإعلام- لم يهضم بعد الإطاحة برأس بنكيران، وجل الناس مازالوا يَرَوْن في هذا الأخير زعيما للمصباح وقائدا للحكومة المقبلة، وذلك لأنهم لم يحملوا بنكيران أوزار البلوكاج، ولا اعتبروه مسؤولا عن تعطيل البلد لمدة خمسة أشهر.

ثانيا: تحول اتحاد لشكر إلى ما يشبه عقدة نفسية وسياسية لدى الرأي العام، أولا لأن الناخب عاقبه في الانتخابات لكي لا يراه في الحكومة، وثانيا، لأن لشكر رفض دخول الحكومة من الباب وفضل القفز من النافذة. ثالثا، لأن بنكيران نجح في إقناع الرأي العام بأن دخول لشكر للحكومة مرادف للإهانة والعبث والتخلويض.

ثالثا: لا ينتبه العقل التقليدي للنخبة الحزبية، وبعضها من العدالة والتنمية أيضا، إلى أن هناك وافدا جديدا على السياسة، أصبح له رأي ومقعد حول الطاولة، ويجب على الجميع أن يأخذ علما بوجوده، وأن يضرب له حسابا. هذا الوافد الجديد هو الرأي العام، الذي أصبح يركب حصان الفايسبوك، ويجوب ملايين الهواتف المحمولة في الجيوب، حيث اتسع الكلام في السياسة والاهتمام بالشأن العام، وهذا الوافد الجديد يؤثر ويتأثر، ويتحرك في العالم الواقعي والافتراضي على السواء.

قديما قال نابليون: «إننا لا نقود شعبا إلا إذا كنا دليله إلى المستقبل».. هذه هي الحكاية. إذا كان سعد الدين، أو غيره، قادرين على قيادة المغاربة نحو المستقبل ونحو التقدم ونحو الديمقراطية ونحو الرخاء، سيتبعونهم، أما إذا كان الدكتور يريد «بريكولاج»، فإن الرأي العام لن يتبعه، وسيقول له: «فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون»، الآية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دكتور البريكولاج في ورطة دكتور البريكولاج في ورطة



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 19:20 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الجدي

GMT 06:36 2018 السبت ,08 أيلول / سبتمبر

تمتع بمغامرة فريدة في أجمل مدن "مولدوفا"

GMT 11:44 2017 الثلاثاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

المؤجلات… موت التشويق

GMT 22:25 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

المانجو فاكهة النشاط والتفاؤل

GMT 15:47 2018 الثلاثاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

أفكار مميزة لتجديد حديقة منزلك بدون تكاليف في الشتاء

GMT 18:25 2018 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

لمسات بسيطة تضفي مزيدًا من الجمال على شرفات منزلك

GMT 05:02 2017 الجمعة ,29 كانون الأول / ديسمبر

شخص يضرم النار داخل مسجد أثناء صلاة العشاءفي شيشاوة

GMT 23:52 2017 الأربعاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

متصرفو المغرب يعتصمون أمام وزارة المال في الرباط

GMT 14:10 2017 الأحد ,24 كانون الأول / ديسمبر

جريمة قتل بشعة تهزّ حي التقدم في الرباط

GMT 21:47 2017 الأحد ,17 كانون الأول / ديسمبر

إيقاف عداء مغربي لأربعة أعوام بسبب المنشطات

GMT 18:28 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

الرجاء يواجه الدفاع الجديدي في الرباط رسميًا

GMT 21:04 2017 الجمعة ,08 كانون الأول / ديسمبر

أولمبيك خريبكة يستعيد نغمة الانتصارات ويؤزم وضعية تطوان

GMT 20:54 2016 الإثنين ,14 آذار/ مارس

إنشاء 3 شواطئ صناعية في كورنيش مدينة الناظور
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya