بقلم : توفيق بو عشرين
توجد اليوم 60 ألف مليار صفحة مخزنة على محرك غوغل الذي يشتغل تحت خيمته 62 ألف موظف منتشرين في 70 مكتبا في 40 دولة حول العالم، 1200 من موظفي العملاق غوغل صاروا مليونيرات بعد دخول الشركة الأمريكية إلى البورصة، ولهذا كل يوم ينزل 3500 طلب شغل (cv) إلى بريد غوغل من الأركان الأربعة للعالم لشباب وكهول يحلمون بالعمل تحت راية أكبر محرك بحث على النيت في العالم. في السنة الماضية فقط خصصت غوغل 10 مليارات دولار للبحث العلمي وتطوير مجالات متنوعة تستثمر فيها غوغل (مثل الأدوية الجديدة، مدن المستقبل، السيارات بدون سائق، الطاقة الجديدة، ودعم الولوج إلى النيت، الروبو الجديد، توزيع المواد بواسطة طائرات بدون طيار livraison par drones ثم المشروع العملاق لإطالة عمر الإنسان بيولوجيا…). هذه الإمبراطورية العالمية تحت يدها 73 مليار دولار (مرتان ميزانية المغرب) «كاش» موضوع في صندوق احتياطياتها، ورقم معاملاتها وصل في 2014 إلى 75 مليار دولار، حيث بلغت مداخيلها من الإعلانات حوالي 67 مليار دولار، أما أرباحها الصافية فقد تجاوزت بقليل 16 مليار دولار السنة الماضية، وهي في تزايد مستمر.
دائما مع الأرقام التي تسبب الصداع والدهشة، والتي نشرتها أخيرا مجلة «نوفيل أوبس» بزاوية معالجة ذكية، تمتلك غوغل أكبر خزان فيديوهات في العالم، فيوتيوب موضوع داخله مليار فيديو إلى الآن، أما خرائط غوغل فإن مليار مستعمل يزورها كل شهر، ومثل هذا الرقم يستعمل البريد الإلكتروني لغوغل (gmail).
غوغل الكبير يلعب كبيرا أيضا، فهو واحد من الذين دعموا باراك أوباما للوصول إلى البيت الأبيض، حتى إن خصوم الرئيس الأسود يتهمونه بأنه صار أكبر lobbyiste في خدمة غوغل. تورد المجلة الفرنسية L’OBS في عددها الأخير رواية على قدر كبير من الأهمية تقول: «أثناء زيارة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند في فبراير 2014 للبيت الأبيض، عمد الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، تلقائيا، إلى إثارة موضوع شركة غوغل مع هولاند، ولم تكن هذه النقطة على جدول الأعمال، ووجه أوباما نقدا لاذعا إلى فرنسا التي فرضت عدة قيود قانونية وضريبية على غوغل في فرنسا وفي الاتحاد الأوروبي، وقال أوباما لنظيره الفرنسي: ‘‘لماذا تحارب فرنسا التجديد والابتكار l’innovation بسن قوانين ضد الفاعلين الكبار في الأنترنت. هذا مؤسف حقا’’». سنة بعد هذا اللقاء انتقد أوباما الأوربيين الذين اتهمهم بمحاربة غوغل والفايسبوك من وراء سياسات حمائية تختفي وراء مبادئ أخلاقية، وكان يقصد طبعا عدة قوانين وأحكام قضائية صدرت ضد فايسبوك وغوغل حول الحماية الفكرية للكتب، وحماية الحياة الخاصة للأفراد.
اليوم غوغل يفهم العالم وسكانه أكثر من أي فرد أو جماعة أو حزب أو دولة أو حتى إمبراطورية، لأنه يضع يده على ثروة من المعلومات والكتب والمقالات والصحف والمواقع والفيديوهات والصور والخرائط، وأكثر من هذا يعرف عادات مليار ونصف مليار من سكان الأرض الذين يبحثون في النيت عما يهمهم في كل جوانب حياتهم الثقافية والاستهلاكية والجنسية والطبية والإعلامية والسياسية والاقتصادية والتكنولوجية… هذا الغول الذي يجني أعظم الأرباح، بدأ مشروعا حالما في أبحاث طالبين أمريكيين (لاري بايج وسيرجيي برين)، كانا يدرسان في جامعة ستاندفورد سنة 1998، ووضعا فرضية جديدة تقول بإمكانية تنظيم المعلومات العالمية بطريقة جيدة ومفيدة وسهلة، ثم انتقلا من الجامعة إلى مرآب سيارات تبرع به أحد أصدقاء برين للطالبين لمواصلة أبحاثهما، أما التمويل فقد كان من جيب ملياردير وضع صندوقا فيه رأسمال مخاطر أعطاهما منه 100 ألف دولار مقابل أسهم في الشركة الجديدة التي لم يتوقع أحد أن تحدث كل هذه الثورة في العالم.
غــــــــــوغل هو الوجـــــــــه الــجـــــــديد للقوة الناعمة soft power، وهي قوة أثبتت فعاليتها أكثر من القوة التقليدية التي تغزو العالم بالجيوش والطائرات.. شبكة النيت أصبحت اليوم أهم من الخبز لدى الشبان، فهي همزة الوصل بينهم وبين عالم الأغاني والأفلام والألعاب والمعلومات والترجمة، ومواقع التواصل الاجتماعي التي أضحت عالما يختلط فيه الواقعي بالافتراضي، إلى درجة أن الواقع هو الذي صار افتراضيا والافتراضي هو الواقعي. الشاب أو الشابة التي تقضي ساعات طويلة من نهارها في الفايسبوك والجيميل والتويتر مع أصدقائها يتبادلون كل أنواع الحديث والمعلومات والبرامج، ويحكون قصص بعضهم لبعض أكثر مما يفعلون مع أسرهم في المنزل الواحد.. هذا المنزل يصير هو الافتراضي في حين أن بيت الفايسبوك هو الحقيقي لأنه هو الذي يؤثر في الفرد وفي ثقافته وعاداته ونمط تفكيره وسلوكه.
كلما كبرت إمبراطورية غوغل كبرت معها الانتقادات الموجهة إلى هذه العلامة الأمريكية الأشهر في العالم اليوم، والتي عوضت كوكاكولا وماكدونالد ومايكروسفت.. تتهم غوغل بأنها تستغل الملكية الفكرية لكثيرين دون أن تؤدي ثمن ذلك، وبأنها تخرق مع فايسبوك والتويتر المعلومات الشخصية للأفراد وتبيعها للشركات دون إذن أصحابها، وبأنها تجني أرباح الإعلانات لوحدها دون إعطاء قسط معقول منها لمنتجي المحتوى، وبأنها تهرب معلومات العالم إلى big datta الخاصة بها في كاليفورنيا دون موجب حق، وأن هذه المعلومات الحساسة والمهمة ليست بعيدة عن أيدي وأعين الإدارة الأمريكية وجيشها ومخابراتها، وأنها شركة عابرة للحدود ولا تستثمر في الدول التي تجني منها أرباحا هائلة، ولا تدفع إلا نسبة قليلة من الضرائب المفروضة عليها، وأنه بقدر ما تقدم خدمات للمستهلك فإنها تنمط الثقافة في نموذج واحد هو الأمريكي والغربي، وأنها تهدد التنوع الثقافي على الأرض من خلال إعطاء الأولوية للغة الإنجليزية وللمادة المنتجة من الغرب، وأنها تحول المواطن إلى مستهلك، والقارئ إلى زبون، والإنسان إلى عبد للتكنولوجيا… كل هذه الانتقادات وغيرها توجه إلى شركة شعارها: «لا تكن شريرا»، لكن الصورة أعقد من ثنائية الخير والشر.. إنها مرحلة معقدة من تطور البشر، فيها فرص للنجاح وفيها مخاطر للفشل، وانت وشطارتك.