ولادة عسيرة

ولادة عسيرة

المغرب اليوم -

ولادة عسيرة

بقلم : توفيق بو عشرين

يوم طويل مر مثقلا بالآمال والمخاوف، وكأن البلاد كلها تقف عند باب مستشفى تنتظر ولادة عسيرة لامرأة في خطر.. إنه يوم الجمعة الماضي، حيث دعي 15.5 مليون مغربي إلى صناديق الاقتراع لاختيار من يدير الحكومة، ويسهم في الحكم لمدة خمس سنوات. الجميع في المغرب يضع يده على قلبه، سواء الذي يخاف الديمقراطية أو الذي يخاف عليها، والجميع يرفع أكفه إلى السماء حتى تمر جمعة الحسم بأقل الأضرار… لأننا بلد لم يعتد بعد إجراء انتخابات شفافة ونزيهة ومفتوحة بسلاسة وانسيابية، نجد أنفسنا أمام ولادة صعبة يلخصها المثل الشعبي الذي يقول: «يدي ويد القابلة».
إلى حدود كتابة هذه الكلمات، أصدرت وزارة الداخلية أكثر من سبعة بلاغات ترد فيها على ما ينشر في الصحافة من خروقات وتجاوزات لرجال السلطة في يوم الاقتراع، وكلها بلاغات نفي بدون تحفظ، وحتى عندما تصور كاميرات الهواتف المحمولة رئيس مكتب يصوت مكان المواطنين، ويضع حفنة من الأوراق في الصندوق في غفلة من المراقبين، فإن الداخلية تعد بالتحقيق في الموضوع، وعندما ينتشر شريط صوتي لمقدم يوصي مواطنا بالتصويت للبام بأوامر من القايد والعامل، يعد حصاد بفتح تحقيق، وعندما تشتت قوائم الانتخابات أفراد أسرة واحدة على ثلاثة مراكز اقتراع تفصل بينها أربعة أو خمسة كيلومترات، فإن حصاد يقول إن الأمر عادي، وإن تغييرات أملتها أشغال الترميم في المدارس هي التي تقف وراء إعادة انتشار مراكز الاقتراع، وعندما لا يجد المواطنون أسماءهم في المراكز التي اعتادوا التصويت فيها، فإن الداخلية لا تتكلم، هنا يصبح الصمت من ذهب. عندما يستعمل المالي السياسي لشراء الأصوات، فإن الداخلية تقول إنه لا توجد أدلة. عندما تقول لحصاد إن 12 مليون مغربي يوجدون خارج اللوائح الانتخابية، ومن العقل والحكمة اعتماد بطاقة التعريف في التصويت، واعتبار كل راشد سياسي ناخبا مفترضا، يقول لك: «أقسم بالله أن الداخلية لا تعرف أن يسكن كل المغاربة». وعندما تقول إن وزارة الفلاحة صنعت بطاقات تعريف للأبقار، وتعرف عنوان كل عجل وثور وبقرة، فكيف لا تفعل أم الوزارات ذلك مع المواطنين؟ هل أصبحت الأبقار السعيدة في هذه البلاد أهم من المواطنين؟ عندما تقول هذا الكلام تتهمك وزارة الداخلية بـ«التشويش على الورش الديمقراطي المفتوح منذ عقود»، وتطلب من وزارة العدل أن تفتح لك ملفا للمتابعة لدى النيابة العامة. عندما تقول للدولة إن عتبة 3٪‏ ستبلقن المشهد الانتخابي، وإنها بدعة غير موجودة في أي دولة في العالم، يتهمونك بأنك ضد دخول نبيلة منيب إلى البرلمان، وأنك تدافع عن الحيتان الكبيرة وسط الأحزاب…
عندما كان الحقوقيون والديمقراطيون، على قلتهم في هذه البلاد، ينصحون الحكومة بإخراج ملف الانتخابات من مطبخ الداخلية، وإعطائه إلى لجنة مستقلة لتنظيم الانتخابات، كان بنكيران يقول: «لا، إن الداخلية فيها أناس أفاضل، وإن حصاد قادر على ترجمة التوجيهات الملكية، رغم وجود روح في هذه الوزارة لم تبرحها بعد.. ‘‘وانتم راكوم فاهمين’’». ها هي النتيجة إمامك، سيد بنكيران، الآن أغلبية الأحزاب تشتكي اختلالات عميقة تطال الانتخابات، منذ وضعت اللوائح المنحوسة التي مات صاحبها إدريس البصري، فيما هي باقية تستعمل لتقليص الفئات الناخبة، وصناعة خرائط سياسية على المقاس إلى لحظة إعلان النتائج.
منذ 1962 ونحن ننظم الانتخابات والاستفتاءات، ومع ذلك لم نستطع أن نصلح كل أعطاب النظام الانتخابي، إذا فاز حزب العدالة والتنمية بالمرتبة الأولى في هذه الاستحقاقات، فهذا يعني أنه هزم خصمين بضربة واحدة، هزم حزب الأصالة والمعاصرة الذي كان مؤازرا بجيش من رجال السلطة، وهزم النظام الانتخابي والمخطط السياسي الذي وضع لسرقة النصر من المصباح بطرق بدائية وشرسة. لكن، في حال فوز بنكيران، فإن الفضل، كل الفضل، يرجع إلى المواطن الذي تحدى كل العقبات التي وضعت أمام اختياره، وقفز فوق كل الألغام التي زرعت في طريقه إلى صندوق الاقتراع، وتجاهل انكشارية الإعلام المتخلف الذي باع روحه المهنية في سوق النخاسة، وتحول إلى دعاية سوداء تتغذى على الكذب والافتراء، وافتراس أعراض الناس وحرياتهم الخاصة وحقوقهم الدستورية، كل هذا من أجل ماذا؟ من أجل امتصاص جرعة الإصلاحات الموروثة عن الربيع المغربي والمسجلة في الدستور…
أول ورش يجب فتحه في الخمس سنوات المقبلة هو الورش الانتخابي الذي بقي عصيا على الإصلاح، ذلك أن المغرب غير الدستور ولم يفلح في تغيير النظام الانتخابي، الذي يلعب دور «صناعة الخرائط الانتخابية والتحكم في الحياة السياسية».
مع كل هذا، وأيا كانت نتيجة الاقتراع، فإن البلاد تتقدم، ووعي الناس ينضج، وإرادتهم تتحرر، وإدراكهم يتسع، وساحات المناورة أمام السلطوية تضيق، وحيل مناهضي الديمقراطية تفتضح، والعورات تنكشف… إن الحقيقة التي يخرج بها المواطن من هذا الامتحان أن المجتمع يتطور أكثر بكثير من السلطة، والإرادة القوية تقصر المسافات.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ولادة عسيرة ولادة عسيرة



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 12:09 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

يشير هذا اليوم إلى بعض الفرص المهنية الآتية إليك

GMT 12:01 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 17:49 2020 الإثنين ,21 كانون الأول / ديسمبر

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

GMT 19:23 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الدلو

GMT 19:31 2020 السبت ,25 كانون الثاني / يناير

مناقشة رواية "غيوم فرنسية" في معرض الكتاب

GMT 04:30 2019 السبت ,26 كانون الثاني / يناير

باتاكي ترتدي بكيني أحمر متوهج وتتباهى بجسدها

GMT 06:55 2018 الإثنين ,08 تشرين الأول / أكتوبر

تعرفي على كيفية معرفة الفرق بين الألماس الحقيقي والصناعي

GMT 02:40 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

الأعمال الفنية الحديثة تخلو من الراقصة الممثلة الموهوبة

GMT 02:42 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

استكمال جمال سليمان ومنة فضالي وياسر فرج "أفراح إبليس2"

GMT 13:55 2016 الخميس ,15 أيلول / سبتمبر

استنفار أمني في زايو بعد العثور على فتاة مقيدة

GMT 23:33 2016 الجمعة ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

الفنانة ريم مصطفى تنضم إلى فريق عمل "اللهم إني صائم"
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya