العزاء الحقيقي

العزاء الحقيقي

المغرب اليوم -

العزاء الحقيقي

بقلم - توفيق بو عشرين

العزاء واجب عند المغاربة، وقديما كان المعزون يحملون معهم السكر أو الزيت أو الدقيق إلى عائلة الفقيد، تعبيرا منهم عن التضامن معها في محنتها، ومحاولة لتخفيف أعباء الحياة عنها، خاصة عندما تفقد عزيزا. كانت الأغلبية الساحقة من الأسر فقيرة، لذلك، شيد المغاربة نظاما من التآزر والتلاحم للتخفيف من محنة الفقر، خاصة في المناسبات التي تتطلب أعباء مالية إضافية. اليوم، على الدولة والحكومة والمقاولة والمجتمع المدني وأهل الخير أن يحيوا هذا التقليد، لكن بشكل عصري، وألا يكتفوا بذرف الدموع على النسوة اللواتي رحلن «تحت الأقدام» في قرية بولعلام. هذه المشاعر، على نبلها، لا تحل المشكل، ولن تنقذ ملايين المغاربة من الفقر الذي يحفر عميقا في بلد ضيع ويضيع فرصا كثيرة للخروج من التخلف والهشاشة والضعف، نتيجة اختياراته السياسية أولا، والاقتصادية ثانيا.
على الحكومة أن تبادر إلى إعداد مشروع قانون أو مرسوم لصرف 1000 درهم على الأقل للأسر الفقيرة، وهي معروفة، وخريطة تمركزها معروفة، واحتياجاتها معروفة، مع إلزام هذه الأسر بدفتر تحملات من بندين: ترك الأطفال في المدارس عشر سنوات على الأقل، والانتباه إلى مواعيد تلقيحهم عند الطبيب. إذا التزمت الأسر التي تتلقى الدعم المالي المباشر بهذين البندين، ستربح الدولة أضعاف أضعاف ما تدفعه سنويا لثلاثة ملايين أسرة معوزة.
على الحكومة أيضا أن تنشي بنكا للطعام، وأن تعهد بإدارته إلى مجلس إداري مختلط، فيه مندوبون عن القطاعات الحكومية المعنية، وفيه ممثلو المجتمع المدني المشهود لهم بالكفاءة والنزاهة ونظافة اليد. وظيفة هذا البنك أن ينظم العمل الخيري والتطوعي، وأن يجمع الزكاة، وأن يوفر الطعام الأساسي، ويوصله إلى مستحقيه بطريقة منظمة ونبيلة تحفظ كرامة الفقراء، ولا تعرضهم للمهانة وهم يشحذون (دول كثيرة في أوروبا أنشأت بنوكا للطعام، وهناك تجارب رائعة يمكن الاستفادة منه،ا هي وبنوك الفقراء التي تعطي قروضا صغيرة لأصحاب المشاريع الصغيرة).
على المقاولات الكبرى وأغنياء البلد أن يسهموا في التقليل من الفقر في هذا البلد الذي يعيشون فيه، ويربحون فيه، ويشيدون القصور فيه، لكنهم لا يطالعون خريطة الفقر فيه، ولا تتحرك مشاعرهم، إلا نادرا، لمآسيه، فالغني الحقيقي هو الذي يعيش في وسط فيه أقل عدد من الفقراء، وليس الغني من يعيش في جزيرة يحيط بها بحر من «الحازقين». لا بد من تنبيه الرأسمال إلى وظيفته الاجتماعية، مادام أنه يخاف وظيفته السياسية، فإذا كان عثمان بنجلون، وأنس الصفريوي، وعزيز أخنوش، ومولاي حفيظ العلمي، ومريم بنصالح، وبرادة، وأحيزون، وغيرهم من كبار الأثرياء في البلد، خائفين من المخزن، وغير قادرين على دعم التوجه الليبرالي والتحول الديمقراطي -رغم أنه في صالحهم- فلا أقل من أن يقوموا بدورهم الاجتماعي، ويعملوا على تقليل عدد الفقراء في بلاد لا تنتج طوال السنة سوى الفوسفاط والسردين والفقر والتهميش.
على المجتمع المدني الحقيقي، وليس المزور الذي يدور في فك السلطة، ولا يحركه سوى ريع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، أو منح السفارات الأجنبية، أن يتحرك للضغط على الحكومة لسن سياسات اجتماعية حقيقية، والخروج من مأسسة الصدقة والإحسان، وذلك بإصلاح نظام التربية والتكوين، المسؤول عن جل الإعاقات الاجتماعية في البلد، وإصلاح نظام جباية الضرائب، الذي يضيع على الدولة مليارات الدراهم كل سنة، ومحاربة الفساد والريع والاغتناء غير المشروع على ظهر الدولة، وعلى حساب أراضي الدولة وبحارها ومائها وثرواتها. لا بد من تشجيع المبادرة الخاصة، وتسهيل الولوج إلى القروض الصغرى (المفارقة التي تصيب بالجنون أن نسبة الفائدة في القروض الصغرى تتجاوز 19%). لم تبق في البلاد أحزاب ولا نقابات ولا برلمان ولا مثقفون يرفعون أصواتهم في وجه الدولة بالقول: ‘‘اللهم إن هذا منكر’’… الأحزاب دجنت، والنقابات روضت، وجل المثقفين لاذوا بالصمت طوعا أو كرها، أما وسائل الإعلام فجلها في يد الدولة، وهي مشغولة طوال الوقت بتجميل القبح وتغطية الحقائق والتلاعب بالعقول.
سئل الساخر الفرنسي كولوش، مرة: “كيف تتعرف على السياسيين المخادعين؟”. الجواب: “إنهم أولئك السياسيون الذين يقتلون من الجوع فلاحين يزرعون ويحصدون ويطعمون الآخرين، لكنهم في المساء يسمعون في التلفزيون زعماءهم يقولون: ‘‘أيها الفقراء الذين تموتون جوعا، إننا نأكل من أجلكم’’”.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العزاء الحقيقي العزاء الحقيقي



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 11:14 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم الإثنين 9 تشرين الثاني / نوفمير لبرج القوس

GMT 15:51 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج العذراء

GMT 11:04 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم الإثنين 9 تشرين الثاني / نوفمير لبرج العذراء

GMT 00:58 2020 الثلاثاء ,28 كانون الثاني / يناير

دراسة تحدّد الأطفال الأكثر عرضة لخطر السكري من النوع الثاني

GMT 19:55 2019 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

رشيد دلال مساعدا للكيسر في تدريب أولمبيك آسفي

GMT 05:10 2016 السبت ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران تستضيف أعمال الفن العربي الحديث في متاحفها

GMT 07:35 2020 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

غوايدو يدعو الفنزويليين للاحتجاجات ضد مادورو

GMT 17:50 2019 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وهبي يراسل وزير الصحة بشأن غياب دواء مرضى السرطان

GMT 01:40 2018 السبت ,10 آذار/ مارس

رجل يشكو زوجته لسوء سلوكها في طنجة
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya