جريمة كاملة الأوصاف

جريمة كاملة الأوصاف

المغرب اليوم -

جريمة كاملة الأوصاف

بقلم : توفيق بو عشرين

لم يجانب عبد الإله بنكيران الصواب عندما قال، في أربعينية وفاة الزعيم محمد بوستة بمسرح محمد الخامس يوم الجمعة الماضي: «كل مغربي يشعر بأن له قسطا من حزب الاستقلال»، وكيف لا، وقد كان حزب الاستقلال رائد الوطنية المغربية، إلى درجة أن السلطان محمد الخامس كان يبعث اشتراكه المالي إلى الحزب في عهد الحماية، دليلا على «عضويته» في حزب علال الفاسي، الذي ناضل زمن الاستعمار والاستقلال، وكان حزبا في زمن كان فيه المغاربة لا يعرفون سوى القبيلة أو الزاوية شكلا للتنظيم، فجاء ميلاد الحزب الذي جعل منه علال الفاسي أداة سياسية للدفاع عن مأسسة الحكم وتطوير نظامه البرلماني، وسبورة ثقافية لتعليم الشعب قيم الإسلام المتصالحة مع العصر.

كل هذا لم يشفع للحزب لدى الأبناء العاقين الذين يهشمون اليوم معالمه وتراثه بأيديهم وأيدي جهات في السلطة تريد أن تضرب ذبابة بصاروخ، وتريد أن تحطم رأس شباط بقنبلة نووية، ستأتي عليه وعلى ما بقي في الحزب من روح سياسية ومن ذكريات تاريخية ومن رمزية ثقافية.

ما يجري في حزب الاستقلال جريمة سياسية كاملة الأوصاف.. جريمة لم يقدر على تنفيذها الجنرال الدموي، محمد أوفقير، الذي كان يكره حزب الاستقلال أكثر من أي شيء في الحياة، ولا إدريس البصري الذي كان يلاعب حزب بوستة بعنف أحيانا، ورقة أحيانا أخرى، ولا من تناوبوا على المطبخ السياسي للدولة. كل هؤلاء لم يتمكنوا من تخريب الحزب الذي بني بتضحيات الرواد، إلى أن جاء زمن الصغار الذين تسلموا مقر باب الحد، وبدؤوا يعبثون بالذاكرة، والتاريخ، والمجد، والرموز، وكل همهم أن يركبوا على ظهر الحزب للوصول إلى السلطة والمال والمجد الشخصي.

أما السلطة فلم ترَ في حزب سيدي علال سوى حجر تلقيه في حذاء بنكيران لمنعه من التقدم إلى الأمام، لم تر الدولة في حزب عريق سوى لسان سليط لشباط تطلقه على الحكومة لجلد ظهرها، ولما لم تنجح المهمة، قلبت الدولة وجهها عن الحزب، وصار المطلوب هو رأس مناضل القرب، مهما كان الثمن… حتى ولو كان تدمير حزب من وزن الاستقلال.

شباط اليوم يشتكي البلطجية الذي هجموا على المقر التاريخي لحزب علال الفاسي.. هذا المقر الذي عبث به شباط قبل غيره، عندما أطلق عليه لقب باب العزيزية، الذي كان الديكتاتور القذافي يحتمي به من شعبه. ولم ينتبه الزعيم الشعبوي إلى أنه استعمل الهراوات والكلاب المدربة والحمير ولغة سقط المتاع قبل غيره، ولأنه يذوق الآن المر الذي سقاه للآخرين.

ما يقع اليوم من انقلابات، وتغييرات مستمرة للبنادق من كتف إلى كتف، يستحق أن يكون سيناريو فيلم عن حربائية السياسيين، وعن انعدام الوفاء والالتزام في سلوكهم، فحتى العصافير لا تغير أغصان الأشجار بالسرعة التي يغير بها الاستقلاليون مواقفهم وولاءاتهم هذه الأيام التي صار فيها حمدي ولد الرشيد قائدا لحركة تصحيحية في الحزب، وياسمينة بادو ثائرة على ديكتاتورية الزعيم، وغلاب مبشرا بالديمقراطية الداخلية في المؤسسة الحزبية، وقيوح مناهضا للشعبوية، واحجيرة ضحية حكمة متأخرة… نسي هؤلاء أن شباط لم يتغير، فهو نفسه شباط الذي بايعوه قبل أربع سنوات، لم يغير ولم يبدل شيئا في أسلوبه ونهجه ولسانه وعقليته. خصومه اليوم هم الذين تغيروا، فعندما كان الناصحون يقولون لـ«نخبة الحزب: «هل جننتم لتتكتلوا خلف شباط وتسلموه مفاتيح الحزب دون أن تكون له مؤهلات القيادة؟»، ردوا عليهم بلسان واحد: «إنكم تظلمون شباط، فهو ابن الحزب، مناضل نبت في أوساط الشعب، وهو مناضل قادر على تعبئة الجماهير، وعلى تخليصنا من عائلة الفاسي التي جمدت العروق في دم الاستقلال، ثم لا تنسوا أنه في الطرف الآخر يوجد بنكيران، وهو يحتاج إلى منافس شرس للوقوف أمام زحفه».

لم ينتبهوا إلى أن الأحزاب العريقة لا تعير آذانها للغير، وأن الأحزاب التي تحترم نفسها لا تختار قيادة فقط لتواجه قيادة حزب آخر… الذين يقفون اليوم في وجه شباط لا شرعية لهم في إعلان الحرب عليه، لأنهم هم من صنعوه، وهم من أوصلوه إلى القيادة بتوصية خارجية، وهم من تواطؤوا على تسليم مغامر حافلة مليئة بالركاب بدون رخصة سياقة ولا بوليصة تأمين، والنتيجة ما نراه الآن.. الحزب فجع في انتخابات 2015، وطرد من إدارة المدن، وأصبح حزبا قرويا، ونكس في انتخابات 2016، فخسر ثلث المقاعد التي كانت عنده في مجلس النواب، وها هو خارج الحكومة وخارج المعارضة، لأن أمينه العام تمرد على الجهة التي أوصلته إلى باب العزيزية، وحين دقت ساعة الحساب هرب يحتمي وراء الشرعية، والأخطر من هذا أن صورة الحزب، أو بالأحرى ما تبقى منها، ينهار الآن تحت قبضة الميلشيات المتصارعة على جثة هامدة، أما البسطاء من حزب الاستقلال فحالهم كحال الذي وجد نفسه وسط حرب لا شرف فيها، وفتنة القاتل والمقتول فيها مآلهما إلى خانة العار وبئس المصير.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جريمة كاملة الأوصاف جريمة كاملة الأوصاف



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 19:20 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الجدي

GMT 06:36 2018 السبت ,08 أيلول / سبتمبر

تمتع بمغامرة فريدة في أجمل مدن "مولدوفا"

GMT 11:44 2017 الثلاثاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

المؤجلات… موت التشويق

GMT 22:25 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

المانجو فاكهة النشاط والتفاؤل

GMT 15:47 2018 الثلاثاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

أفكار مميزة لتجديد حديقة منزلك بدون تكاليف في الشتاء

GMT 18:25 2018 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

لمسات بسيطة تضفي مزيدًا من الجمال على شرفات منزلك

GMT 05:02 2017 الجمعة ,29 كانون الأول / ديسمبر

شخص يضرم النار داخل مسجد أثناء صلاة العشاءفي شيشاوة

GMT 23:52 2017 الأربعاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

متصرفو المغرب يعتصمون أمام وزارة المال في الرباط

GMT 14:10 2017 الأحد ,24 كانون الأول / ديسمبر

جريمة قتل بشعة تهزّ حي التقدم في الرباط

GMT 21:47 2017 الأحد ,17 كانون الأول / ديسمبر

إيقاف عداء مغربي لأربعة أعوام بسبب المنشطات

GMT 18:28 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

الرجاء يواجه الدفاع الجديدي في الرباط رسميًا

GMT 21:04 2017 الجمعة ,08 كانون الأول / ديسمبر

أولمبيك خريبكة يستعيد نغمة الانتصارات ويؤزم وضعية تطوان

GMT 20:54 2016 الإثنين ,14 آذار/ مارس

إنشاء 3 شواطئ صناعية في كورنيش مدينة الناظور
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya