الطنز الدبلوماسي

الطنز الدبلوماسي

المغرب اليوم -

الطنز الدبلوماسي

بقلم - توفيق بو عشرين

بعث الرئيس عبد العزيز بوتفليقة رسالة إلى قادة الاتحاد «المزعوم» للمغرب العربي، يذكرهم فيها بضرورة النهوض بهياكل الاتحاد، وتنشيط مؤسساته، والذود عن المصالح المشتركة لبلدانه. ولكي يزيد الرئيس بوتفليقة من التشويق، قال، في رسالته إلى رؤساء دول الاتحاد ومنها المغرب: «إن الجزائر تتمسك باتحاد المغرب العربي خيارا استراتيجيا ومطلبا شعبيا» (الله أكبر).
هذا الاتحاد المسكين المهمل في أحد شوارع أكدال بالرباط، والذي لا يدخله أحد، ولا يخرج منه أحد، تأسس منذ 29 سنة، وإذا سألت عنه الشباب الذين ولدوا معه في المغرب أو الجزائر أو تونس أو ليبيا أو موريتانيا، فستجدهم لا يعرفون شيئا عن هذا الاتحاد، وربما يشككون في وجوده أصلا، ومعهم الحق. هذا الاتحاد مات منذ سنوات طويلة، ولم يعد له أثر في السياسة ولا في الاقتصاد، ولا حتى في التنسيق الأمني بين دوله، ورسائل القادة كل سنة إلى بعضهم البعض، بمناسبة تأسيسه، لا تزيد على أن تكون ورودا توضع عند قبره، وبرقيات تعزية في وفاته، أمام شعوب ليست لديها انتظارات كبيرة من قادتها في مجال الوحدة أو الاتحاد، أو حتى العمل المشترك.
لنكن صرحاء، الذي يعطل مسيرة المغرب العربي هو النزاع الجزائري المغربي، وفي قلبه دعم الجارة الشرقية جبهة البوليساريو بالمال والسلاح، وأكثر من 80 سفيرا جزائريا حول العالم ينامون ويستيقظون كل صباح على نقطة واحدة في جدول الأعمال لا تتغير، وهي إقلاق راحة الرباط، ودعم أطروحة انفصال ثلثي مساحة المملكة المغربية، والتسبب في متاعب بلا حصر للمغرب حكومة وشعبا، من قبل الدولة الشقيقة (يا حسرة!)، حتى وصل الأمر إلى مطاردة الفوسفاط المغربي في المحاكم، وعرقلة الاتفاقية الفلاحة مع أوروبا، وكلها أعمال عدائية لا تقوم بها دولة ضد أخرى حتى في زمن الحرب، فما بالك والدولتان تجلسان على مقعدين متجاورين في اتحاد يحرم الأعمال العدائية بين أعضائه، ويوجب التعاون والتآزر والدفاع بين كل دول الاتحاد، الذي وقِّع في مراكش، ومات بعد فترة قليلة من ولادته.
كان بوتفليقة يقول لزواره المغاربة، في السنوات الأولى لوصوله إلى الحكم، إن «العسكر الجزائري، الذي يشبه المخزن في المغرب، هو الذي يعارض أي تطبيع مع الرباط ولست أنا، والعسكر من يصر على دعم جبهة البوليساريو وإبقاء الحدود مقفلة ولست أنا»، لكن اتضح مع مرور السنين، وبعدما صار بوتفليقة هو الحاكم بأمره في الجزائر، بعدما قسم المؤسسة العسكرية، وقلم أظافر المخابرات الحربية، وأعاد تشكيل مراكز القوى بما يخدم سلطته.. اتضح أن ابن جماعة وجدة هو أكبر مناهض للتطبيع مع المغرب، وأكبر داعم لأطروحة الانفصال في الصحراء، لكنه يفعل كل هذا وهو يلبس قفازات من حرير، ويذكر المغرب وملكه بكل خير عندما يلتقي المسؤولين المغاربة، ويسمي الملك في جلساته الخاصة بـ«سيدنا»، ويطلب من الملك محمد السادس، في أحد لقاءاتهما في نيويورك على هامش أحد اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، أن يطلعه على صورة ولي العهد الأمير مولاي الحسن تقربا من العائلة الملكية. هذا هو بوتفليقة الذي وصل دهاؤه سنة 2012 أن أقنع سعد الدين العثماني، لما زاره في قصر المرادية، وكان هذا الأخير آنذاك حديث عهد بحقيبة الدبلوماسية، بأن فتح الحدود مسألة أسابيع، وأن صفحة جديدة ستفتح في علاقات البلدين خلال أيام، وأن لقاء قمة مرتقبا بينه وبين محمد السادس، فرجع العثماني «مسكين» فرحا إلى بيته في سلا، وجمع وفدا صحافيا، وزف إليهم الأخبار الجيدة. وحده يوسف العمراني، وكان آنذاك وزيرا منتدبا في الخارجية، لم يصدق وعود بوتفليقة، وظل ساكتا في هذا اللقاء، ولسان حاله يقول: ‘‘الدبلوماسي المحنك لا يثق في كل ما يسمعه’’.
جارنا البعيد عبد العزيز بوتفليقة طامع، وهو على كرسي المرض -شفاه الله- في ولاية خامسة، وهو يعرف أن جزءا من شعبه على الحدود مع المغرب متضرر لأسباب اقتصادية وإنسانية من إغلاق الحدود، وهو يبعث رسائل الاتحاد إلى هؤلاء، وليس إلى القادة الذين يعرفون الداء والدواء للاتحاد المشلول، لذلك، لا حاجة إلى تحليل رسالة بوتفليقة إلى محمد السادس، لأنها أرسلت إلى العنوان الخطأ، أما الرسالة الحقيقية فهي التي قالها قبل أشهر وزير خارجية الجزائر، عبد القادر مساهل، في تجمع لرجال الأعمال، حيث اتهم طائرات الخطوط الجوية الملكية المغربية بنقل أشياء أخرى غير المسافرين، وبأن وضع الجزائر أفضل من المغرب.
اتحاد المغرب العربي لا وجود له على أرض الواقع إلا عند طرفين؛ الأول هو الحمير التي تعبر الحدود كل يوم لنقل البضائع المهربة غير عابئة بقرار إغلاق المعابر، والطرف الثاني هو تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، الذي لا يؤمن بالحدود بين الدول الخمس للاتحاد. غير هذا فإن الأمر يتعلق بـ«طنز دبلوماسي» على أكثر من 85 مليون مواطن مغاربي يرون أن كل دول العالم تستفيد من تكامل اقتصاديات الجيران، وحرية تنقل رعاياها في محيطهم، إلا هم، يعيشون محاصرين لأن الأسلاك الشائكة والحواجز الوهمية مازالت قائمة في رؤوس قادتهم وثقافة حكامهم.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الطنز الدبلوماسي الطنز الدبلوماسي



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 15:03 2014 الخميس ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فوائد الجوز " عين الجمل " لا يعلمها إلا القليلون

GMT 12:28 2018 الجمعة ,26 تشرين الأول / أكتوبر

الفرسان يتطلعون للفوز بثاني جولات بطولة "هذاب"

GMT 06:07 2017 الإثنين ,18 كانون الأول / ديسمبر

سيت الأفضل لقضاء شهر عسل لتميزها بالمناظر الجذابة

GMT 03:45 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

مديرة الأزياء جين ماكفارلاند تستعرض مجموعة كافالي

GMT 06:22 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل تصنف المغرب أبرز مُصدّري اليهود منذ استقلال المملكة

GMT 00:00 2014 الجمعة ,12 كانون الأول / ديسمبر

" أوراق بوكافر السرية " جديد الكاتب ميمون أم العيد

GMT 23:10 2017 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رشيد غفلاوي سعيد بانضمامه إلى فريق الساحل النيجيري

GMT 23:08 2017 السبت ,14 تشرين الأول / أكتوبر

المهاجم فيصل عجب يثبت جدارته مع نادي التضامن

GMT 17:14 2016 الجمعة ,01 إبريل / نيسان

سر إغماض العيون أثناء تبادل القبل على الشفاه

GMT 10:51 2017 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الفنان أمير كرارة يفاجئ المعجبين بإطلالة مختلفة تمامًا

GMT 17:38 2015 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

عبدالفتاح الجريني يحضر لديو غنائي مع العالمي مساري

GMT 03:16 2015 الجمعة ,22 أيار / مايو

شاطئ مرتيل يلفظ أحد ضحايا موسم الاصطياف

GMT 08:17 2017 الأربعاء ,30 آب / أغسطس

إخلاء السفارة الكندية في برلين
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya