التسريب…

التسريب…

المغرب اليوم -

التسريب…

بقلم ـ توفيق بو عشرين

اخترع تيار الاستوزار في حزب العدالة والتنمية جريمة جديدة في السياسة والإعلام، أطلق عليها اسم «التسريب»، وذهب خيال متزعم هذا التيار، عزيز الرباح، إلى حد الزعم بأن هناك شبكة من الإعلاميين هدفها شيطنة وزراء العدالة والتنمية، وشق صف المصباح، وتخوين رموزه! ولكي تكتمل نظرية المؤامرة، فقد جرى اتهام عناصر داخلية من وسط الحزب بتوفير مادة هذه الشيطنة للإعلام، من خلال تسريب أخبار ومعلومات عن الحياة الداخلية للحزب… ولأننا في هذه الجريدة مهتمون بنقل كل ما يجري في كواليس الحياة السياسية والحزبية، فإننا كنا في مرمى مدفعية العثماني والرباح ويتيم والرميد وآخرين من أتباع هؤلاء، وبعض المشتغلين في دواوينهم، والذين لا شغل لهم غير «حمل المجمر وراء جيلالة».
الحزب السياسي ليس خلية سرية لتنظيم ثوري، وما يجري داخله ليس سرا من أسرار الحسابات البنكية للأشخاص. الحزب مؤسسة عمومية ممولة من جيوب دافعي الضرائب، وهي تسعى إلى الحصول على السلطة من أجل إدارة الشأن العام. ولهذا، فإن كل معلومة عن الحزب وتوجهاته وقراراته وخبايا مطبخه الداخلي تهم الرأي العام، ومن حق الناس الاطلاع عليها أولا بأول. هذا تمرين ديمقراطي، ووظيفة الصحافة الأولى أن تسلط الضوء على ما يجري في كواليس الأحزاب والنقابات والحكومات والبرلمانات والبلاطات، وليست وظيفتها نشر الأخبار الوردية التي يرميها الساسة لوسائل الإعلام. هذا اسمه إعلان وليس إعلاما، وبروبغندا وليس إخبارا.
يكشف السجال الدائر اليوم داخل حزب العدالة والتنمية إشكالية العجز عن فهم دور الصحافة في الحياة الديمقراطية، والعجز أكثر عن التواصل مع الإعلام الجديد الذي حطم مؤسسة السر، وثقافة الكتمان، وأساليب تهريب النقاش الحيوي عن الجمهور، الذي تراه الثقافة الحزبية التقليدية غير ناضج، وغير مؤهل ليعرف كل شيء عن الحزب، وعن أسرار المفاوضات مع القصر، وعن طرق تدبير الاختلاف بين قادته.
عندما يخرج قادة في حزب المصباح ليتهموا صحافيا أو جريدة أو موقعا بالمسؤولية عن التأثير في توجهات لجنة القوانين والمساطر، التي تضم أكثر من 60 عضوا جلهم مسؤولون وطنيون أو جهويون أو محليون، وكلهم متعلمون، أمضوا سنوات في العمل السياسي.. عندما نتهم الإعلام بغسل أدمغة هؤلاء من أجل التصويت على فتح الطريق أمام بنكيران لدخول منافسات الأمانة العامة في المؤتمر المقبل، فهذا الاتهام لا يعيب هذه الصحف، بل يعيب أصحابه الذين يحتقرون ذكاء المناضلين، ويصورون رؤوسهم على أنها أكياس يمكن ملؤها بأي شيء وفي أي وقت.
وظيفة الصحافة أن تصل إلى المعلومات غير المتداولة، والأسرار المخبأة بعناية في صناديق مقفلة، والغرض هو إعطاء المواطنين الحق في الوصول إلى المعلومات التي تدخل في صميم تشكيل آرائهم في السياسة بمفهومها العام، فرأي أي إنسان يقاس بكمية ونوعية المعلومات التي لديه.
منذ صدرت هذه الجريدة قبل تسع سنوات ونحن نؤدي ضريبة البحث عن المعلومات المخبأة وراء الستار، في المحاكم أولا، وفي شباك الإعلانات ثانيا، وعلى صفحات الإعلام الأصفر الذي ينتشر مثل الفطريات فوق الجلد، والذي يحاول أن يرعب الصحافيين حتى لا يؤدوا وظيفتهم. يوم نشرنا تفاصيل صفقة «عطيني نعطيك» بين مزوار وبنسودة بالوثائق، غضبت منا الدولة قبل المعنيين بالأمر، ويوم نشرنا برنامج حكومة بنكيران قبل عرضه على البرلمان، غضب منا رئيس الحكومة السابق، وبدأ يبحث عن الثقب الذي تسربت منه الوثيقة إلى الصحافة، ويوم كشفنا تهريب صلاحيات رئيس الحكومة على الإشراف على صندوق تنمية العالم القروي في القانون المالي لسنة 2015، جرنا عزيز أخنوش ومحمد بوسعيد وفوزي لقجع إلى المحكمة بموافقة بنكيران، ويوم سلطنا الضوء على تسريبات كوليمان، اعتبرت بعض الأجهزة في الدولة أنها المعنية الأولى بهذه الفضيحة التي كان يجب أن تبقى في تويتر ولا تخرج إلى الورق، ويوم نشرنا بعض أسرار كتابة الدستور، انهالت على رأسنا بيانات ثقيلة لكبار خدام الدولة، وعندما نشرنا لائحة المستفيدين من أراضي الكيلومتر التاسع، قطع علينا حصاد والضريس إعلانات الوزارة، وعندما رفضنا أن نكون جزءا من الانكشارية الإعلامية المكلفة بشيطنة بنكيران، قطعت عنا أكبر مجموعة اقتصادية في البلد الإعلانات إلى اليوم… والآن تحول «الإخوان» في الحزب وفي الجماعة، الذين كانوا يأكلون مع بنكيران في الصحن نفسه لمدة خمس سنوات، إلى اتهامنا بخدمة أجندة رجوعه إلى قيادة المصباح، بعدما كانوا يلوموننا على انتقاد قراراته في رئاسة الحكومة وتفريطه في صلاحياته الدستورية.
عوض أن يرى السياسي نفسه في مرآة الصحافة، يعمد إلى تكسير كل المرايا التي تحيط به ليعيش في الخيال المعشش في ذهنه. وحتى لا يواجه الحقيقة، يعمد إلى إثارة الغبار حتى لا يرى أحد حقيقته. هناك نكتة في لبنان تقول إن أحد السياسيين المبتدئين جاء يشكو نشر الأخبار الكاذبة في الصحافة عنه إلى زعيمه في الحزب، فرد عليه الأخير بحكمة المجرب وقال له: ‘‘احمد الله أن الصحافة تكتب عنا الأكاذيب، لأنها لو كتبت عنا الحقائق لكان وضعنا أسوأ مما تراه، فحقائقنا أفظع من كل الأكاذيب التي تروجها الصحافة عنا’’. هي نكتة ساخرة، لكن فيها الكثير من الجدية.
كان الحسن الثاني يكره صحافة المعارضة، لكنه لم يكن يقرأ سواها، وكان يشكو كتاب افتتاحيات جرائدها إلى زعماء أحزابهم (بوستة وبوعبيد ويعتة وآيت يدر)، الذين كانوا يدافعون عن أقلامهم تارة، ويعملون على تهدئة الخواطر تارة أخرى. اليوم لم تعد للصحافة القيمة التي كانت لها لأسباب كثيرة، أولها أن أصحاب بيتها رضوا بالهوان، وثانيها أن الجزرة كان مفعولها أقوى من العصا، وثالثها أن أكبر ناشر اليوم في المغرب هو السلطة، وأفضل جريدة هي التي لم تصدر بعد.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التسريب… التسريب…



GMT 09:34 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

أردوغان لا يستوعب سقوط إسطنبول!

GMT 00:02 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

أزمة ثقة بين الإسلاميين والدولة في المغرب

GMT 03:29 2018 الجمعة ,07 أيلول / سبتمبر

أردوغان وسياسات المباغتة

GMT 05:53 2018 الثلاثاء ,03 تموز / يوليو

هل يسير ابن كيران على هدى أردوغان؟

GMT 06:00 2018 الإثنين ,11 حزيران / يونيو

إسلاميو المغرب في مواجهة الشارع

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 18:57 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الثور

GMT 14:07 2016 الجمعة ,16 أيلول / سبتمبر

الأبنوس

GMT 15:05 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

نيمار يبلغ سان جيرمان برغبته في الرحيل هذا الصيف

GMT 14:42 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

السالمية الكويتي يبدأ مشواره العربي بلقاء الشبيبة الجزائري

GMT 15:23 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

سنوات يفصلها رقم

GMT 11:24 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

الملك محمد السادس يرسل برقية تعزية إلى الرئيس الكاميروني

GMT 13:45 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

أول صالون تجميل يستقبل المحجبات في نيويورك

GMT 23:50 2019 الأحد ,02 حزيران / يونيو

باتريس كارتيرون يُراقِب العائدين من الإعارة

GMT 00:14 2019 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

السعودية تنفذ حكم القتل تعزيرًا في حق صدام حسين

GMT 20:47 2018 السبت ,08 كانون الأول / ديسمبر

"الوطني للسكك الحديدية "يعلن عن تخفيضات في تذاكر القطار

GMT 10:42 2018 الثلاثاء ,09 تشرين الأول / أكتوبر

حركة إعفاءات وتغييرات جديدة في صفوف الدرك الملكي

GMT 02:26 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

ورق جدران بألوان جذابة لديكورات غرف معيشة مبهجة

GMT 22:03 2018 الإثنين ,06 آب / أغسطس

صعقة كهربائية تودي بحياة شاب في سلوان
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya