بقلم - توفيق بو عشرين
في المغرب فقط يمكن أن يجتمع تحت سقف واحد محمد بن زايد، ولي عهد الإمارات العربية المتحدة، وملك البحرين حمد بن عيسى، والقيادي في حركة حماس الفلسطينية، خالد مشعل، الذي جاء إلى المغرب بدعوة من رئيس الحكومة والأمين العام لحزب العدالة والتنمية، سعد الدين العثماني، بعد أخذ الإذن من الملك محمد السادس لاستضافة قيادي من حركة حماس، الموضوعة على قائمة «الإرهاب» في أوروبا وأمريكا وبعض دول الخليج العربي، لذلك، قال مشعل، مباشرة بعد نزوله من الطائرة التي حملته من موريتانيا إلى البيضاء: «إنني أدخل إلى المغرب من بوابة صاحب الجلالة الملك محمد السادس»، وذلك حتى لا يثقل على حزب العدالة والتنمية، وحتى تمر زيارته دون زوابع. أما في الندوة الصحافية التي عقدها في مقر المصباح، فأوصى خالد مشعل أخوانه المغاربة بالحفاظ على هذه التجربة التي تقبل بالإسلاميين في رئاسة الحكومة، وقال رئيس المكتب السياسي السابق لحماس المستقر في قطر: «إنني أقدم تجربة المغرب إلى دول عربية أخرى كنموذج، وذلك لقبول الملك محمد السادس بالتعايش مع إسلاميي بلده، واحترام نتائج الاقتراع واختيار الشعب مهما كانت النتيجة».
الذي ساعد على زيارة خالد مشعل للمغرب هو «محنة القدس» التي تشتد هذه الأيام، وتكشف استخفاف أمريكا بمشاعر مليار ونصف مليار مسلم، وتهاون النظام الرسمي العربي في حماية مقدسات هذه الأمة، لكن، مع هذا الظرف، لا بد من الانتباه إلى «الأسلوب المغربي» في التعامل مع الحساسية الإسلامية، أكانت مغربية أم عربية. هذا الأسلوب له ملامح يمكن إيجازها في التالي.
أولا: غياب الحساسية المرضية من التيار الإسلامي لدى المؤسسة الملكية مع الحسن الثاني ومع ابنه محمد السادس. هذه الحساسية التي تحول دون فهم هذا التيار في دول عربية أخرى، وتحول دون التعامل معه واحتوائه، على المغرب عكس ما يقع في بلدان عربية وخليجية أخرى أصيبت بـ«متلازمة الأخونة»، وأصبحت عاجزة عن التعامل مع هذا التيار، ولا ترى له مكانا خارج المشانق أو السجون أو المنافي. أظهر القصر الملكي برغماتية كبيرة وثقة في النفس إزاء التعامل مع الإسلاميين، حتى وإن كان «لا يحبهم»، بتعبير وثائق ويكيليكس، فرجل الدولة هو الذي يبعد مشاعره من القرار كيفما كانت طبيعة هذه المشاعر، لأن مصلحة البلاد واستقرارها مقدمان على رغبات الأفراد وميولهم.
ثانيا: الأسلوب المغربي يظهر أيضا في سلوك إسلاميي المغرب الذين «مغربوا الإخوانية»، أو بتعبير بنكيران، الذي قال مرة أمام تجمع لرجال أعمال خليجيين لطمأنتهم على خصوصية الحالة الإسلامية في المغرب: «إن الإسلاميين في المغرب يشبهون الشاي المستورد من الصين، حيث عمد المغاربة إلى وضعه في البراد المحلي لصنع أتاي، حتى لم يعد الصينيون يعرفونه، كذلك وقع مع الفكر الإخواني الذي وفد إلينا من الشرق، إذ إننا مغربناه حتى ما عاد المشارقة يعرفونه». البرغماتية التي يتمتع بها القصر في التعامل مع إسلامييه، هي نفسها البرغماتية التي دفعت إسلاميي المغرب إلى التكيف مع بيئتهم التي لا تبعد عن أوروبا سوى بـ12 كيلومترا، وجعلتهم يدخلون في مراجعات فكرية وإيديولوجية في وقت مبكر جدا، وهذا ما سمح لهم بالاندماج السلس في صلب الحياة السياسية، وإن كانت بنية الدولة لم تقبل بهم إلى الآن.
ثالثا: الذي ساعد الدولة على الثقة في نفسها وهي تتعامل مع تيار جارف تحمله الموجة، والذي ساعد الإسلاميين على تشذيب لحاهم وتليين حماسهم وعقلنة نمط تدينهم، هي البيئة السياسية التعددية التي وضع أسسها ظهير 1958، ودافع عنها جل المغاربة في اختيار سياسي تعددي منفتح لا تقطع فيه شعرة معاوية.. بيئة جنبت البلاد ويلات الحزب الواحد، وديكتاتورية الفرد. نعم هامش هذه التعددية وهذه الحرية كان يتسع ويضيق حسب الظروف والأحوال، لكن حبل هذه التعددية لم يقطع، وباب القصر لم يقفل في وجه أحد. وباستثناء الحزب الشيوعي الذي تعرض للحل في بداية سنوات الاستقلال، لم يقدم الحسن الثاني على حل أي حزب سياسي معارض، بل ظل طوال حياته يدعو المعارضة إلى دخول الحكومة، ويسهل على من يريد الانتقال من الراديكالية إلى الاعتدال فعل ذلك، ولا أدل على ذلك من أن الراحل الحسن الثاني هو من أذن للدكتور الخطيب باستقبال الوافد الإسلامي الجديد على السياسة، تعويضا لإخوان بنكيران عن عدم الترخيص لهم بإنشاء حزب خاص بهم، والذي تحول في ظرف عقدين إلى الحزب الأول في المغرب.
التعددية السياسية، وانفتاح القصر على كل الأحزاب، والمرونة في إدارة الاختلاف، هذا أحد عناصر الثروة غير المادية في البلاد، وهذه الثروة يجب الحفاظ عليها بتنميتها وتوسيع رقعتها، وإغراء آخرين بدخول سوقها، حتى تطبع المملكة مع الديمقراطية شكلا وجوهرا، وحتى تشرك كل أبنائها في تنمية البلد وإشعاعه فمرحبا بخالد مشعل.