جنون الشرق

جنون الشرق

المغرب اليوم -

جنون الشرق

بقلم : توفيق بو عشرين

فعل الملك محمد السادس الصواب عندما أحجم عن المشاركة في القمة الإسلامية الأمريكية، التي عقدت في الرياض الأسبوع الماضي. وسواء كان قرار رفض المشاركة في الاجتماع مع ترامب حول طاولة الإعداد لناتو إسلامي أسبابه ذاتية تهم الملك، أو موضوعية تهم سياسة المغرب، فإن النتيجة واحدة. المملكة المغربية لن تدق طبول الحرب في الشرق، ولن تتورط في صراعاته المذهبية والطائفية التي تنفخ فيها طهران والرياض، ولن يدخل المغرب في صراع محاور دينية سنية سنية (الرياض، القاهرة وأنقرة)، أو سنية شيعية (السعودية وحلفاؤها ضد إيران وأصدقائها).

أوباما اختار القاهرة لتوجيه رسالته إلى العالم الإسلامي، وترامب اختار الرياض. أوباما سعى إلى التفاوض مع إيران وإدماجها في محيطها الإقليمي، وترامب اختار إعلان الحرب عليها وعزلها عن جيرانها. أوباما كان يحمل الوهابية المسؤولية عن الفكر السلفي الجهادي الذي يغذي الإرهاب حول العالم، أما ترامب فيحمل المسؤولية لإيران وإيديولوجيتها الشيعية التي تشجع الإرهاب وتحرض الأقليات على دولها. أوباما كان يحث الدول العربية على التصالح مع شعوبها، وإرساء آليات للحكم الديمقراطي، للتنفيس عن الغضب المحتبس في صدور الفقراء والشباب، أما ترامب فقد انحاز إلى معسكر الأنظمة الاستبدادية، وأعلن دعمه للدول، أما الشعوب فهي خارج حسابات البيت الأبيض وتاجره الجديد… نحن، إذن، أمام انقلاب كامل في سياسة أمريكا في المنطقة، وهي سياسة قائمة على أربعة أعمدة:

أولا: تعهد ترامب بحماية حلفائه من العرب القادرين على دفع تكاليف هذه الحماية، عدا ونقدا، لذلك، لم يغادر ترامب وعائلته السعودية حتى وضع في جيبه 350 مليار دولار من العقود العسكرية والتجارية، التي ستخلق مئات الآلاف من مناصب الشغل في أمريكا، وستفتح لمئات الشركات الأمريكية أسواق الخليج أكثر مما هي مفتوحة اليوم، وهذا ما كان قد وعد به بالحرف عندما قال عن دول الخليج في حملته الانتخابية الرعناء: «دول الخليج لا تملك شيئا غير المال، وسأجعلهم يدفعون. لا تنسوا أن دول الخليج من دوننا ليس لها وجود». التاجر، إذن، يبيع الحماية العسكرية والسياسية والدبلوماسية بالدولار، لكنه لا يتعهد بأن يخوض حروب المنطقة بجنوده. الدم الأمريكي خارج الصفقة، وقد قالها صراحة للزعماء العرب والمسلمين الذين كانوا يستمعون إليه مثل التلاميذ: «لن نخوض حروبكم نيابة عنكم».

ثانيا: السياسة الأمريكية الجديدة في الشرق الأوسط لمكافحة الإرهاب تعتمد على مقاربة واحدة وهي المقاربة العسكرية والأمنية، التسليح، قطع التمويل، التنسيق المخابراتي بين الدول، تتبع المقاتلين الجوالين، قصف خلاياهم بالطائرات… لا شيء عن جذور الإرهاب، عن الرحم التي تفرخ القاعدة والنصرة وداعش وأخواتها. لا شيء عن البيئة السياسية والإيديولوجية والدولية التي تجند المقاتلين تحت راية الإرهاب. لا شيء لمعالجة الاستبداد الذي يخلق الغضب، والفقر الذي ينشر اليأس، والاحتلال الذي يولد المهانة، والإيديولوجيات الدينية المتطرفة التي تخلق عقيدة الجهاد في نفوس المحبطين.

ثالثا: نصب ترامب، باجتماعه مع ممثلي وقادة 52 بلدا إسلاميا في المملكة العربية السعودية، الأخيرة «زعيمة» للعالم الإسلامي. البلد الأكثر انغلاقا سياسيا واجتماعيا وإيديولوجيا هو الذي سيقود العالم الإسلامي، فقط لأنه هو الوحيد القادر على دفع كلفة التحالف مع أمريكا، وهو الوحيد القادر على تسخير الآلة الدينية الضخمة في المملكة لإشعال الحرب المذهبية مع إيران، أما إسرائيل فلم تعد عدوا لأحد في العالم العربي… الطبيعة تخشى الفراغ، ومادامت مصر والعراق وسوريا والجزائر والمغرب، لأسباب مختلفة، قد غابت عن العمل العربي المشترك، فإن السعودية تقدمت للعب دور قائدة العالم العربي، وحتى الإسلامي، تحت الراية الأمريكية، التي يقودها اليوم رئيس عنصري منع مواطني سبع دول إسلامية من دخول بلاده دون أسباب موضوعية أو قانونية.

ترامب لم يأتِ إلى الشرق الأوسط مبشرا بالسلام والحوار والتفاهم والتعاون، بل جاء يصب الزيت على نار الحرب المذهبية والطائفية التي تأكل المنطقة، وجاء لإعادة تقسيم الشرق بين حلفاء أمريكا وحلفاء روسيا، في استعادة هجينة للحرب الباردة السابقة، لكنها حرب مدرة لمناصب الشغل في أمريكا، منعشة لتجارتها واقتصادها وبنوكها.

أبرز رد شعبي في الخليج على زيارة آل ترامب للسعودية كان هو اهتمام الناس بأناقة زوجته ميلانيا وجمال ابنته إيفانكا، لهذا أطلقوا مئات النكت عنهما وعن افتتان الرجال بجمالهما، لكن أظرف نكتة على تويتر هي التي تقول: «الجزية التي دفعها النصارى واليهود للمسلمين طوال 1400 سنة استردها دونالد ترامب في يوم واحد»

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جنون الشرق جنون الشرق



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 11:14 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم الإثنين 9 تشرين الثاني / نوفمير لبرج القوس

GMT 15:51 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج العذراء

GMT 11:04 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم الإثنين 9 تشرين الثاني / نوفمير لبرج العذراء

GMT 00:58 2020 الثلاثاء ,28 كانون الثاني / يناير

دراسة تحدّد الأطفال الأكثر عرضة لخطر السكري من النوع الثاني

GMT 19:55 2019 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

رشيد دلال مساعدا للكيسر في تدريب أولمبيك آسفي

GMT 05:10 2016 السبت ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران تستضيف أعمال الفن العربي الحديث في متاحفها

GMT 07:35 2020 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

غوايدو يدعو الفنزويليين للاحتجاجات ضد مادورو

GMT 17:50 2019 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وهبي يراسل وزير الصحة بشأن غياب دواء مرضى السرطان

GMT 01:40 2018 السبت ,10 آذار/ مارس

رجل يشكو زوجته لسوء سلوكها في طنجة
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya