إقالة وليست استقالة

إقالة وليست استقالة

المغرب اليوم -

إقالة وليست استقالة

بقلم - توفيق بو عشرين

كما نزل فؤاد عالي الهمة من جرار البام تحت ضغط الشارع سنة 2011، وقبل أن يبلغ مراده من تأسيس حزب الدولة، نزل العماري من حزب الأصالة والمعاصرة تحت ضغط الدولة، الراعي الرسمي لهذا الكيان السياسي، بعدما ظهر لها أن ابن الريف لم يعد رجل المرحلة.

لم يعثر الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة على «تخريجة» ذكية أو مناسبة للنزول من على الجرار، وجاء في الندوة الصحافية يوم أمس ليقول للصحافة كلاما لا يصدقه حتى الأطفال.. قال: «لم أكن أنوي تقديم استقالتي في بداية اجتماع المكتب السياسي للحزب حتى استمعت إلى تقارير عن الأداء البرلماني والجماعي لمندوبي الحزب. عندها قررت أن أتحمل مسؤولية اختيار هؤلاء، وتقديم استقالتي من قيادة الحزب لكي أقدم الحساب».

عندما يبالغ شخص في إخفاء الحقائق لا يعمل إلا على إظهارها (من شدة الخفاء الظهور)، وإلياس العماري لم يفلح في تغطية قرار سياسي نزل من الأعلى، وطلب منه أن يتنحى عن قيادة حزب الإدارة الجديد لأسباب لا علاقة لها بأداء برلمانييه، ولا بمستوى تدبير رؤساء المجالس الجماعية والقروية التابعين له… هل كان عاقل ينتظر من خليط من الأعيان، والتجار، والشناقة، ويساريين متقاعدين، وسياسيين جربوا جل ألوان الانتماء الحزبي قبل أن يركبوا موجة البام.. هل كان أحد ينتظر من هؤلاء تدبيرا «ذكيا» للشأن العام، وأداء مميزا في برلمان دخله جلهم من أجل الوجاهة أو الراتب أو خدمة مصالحه، أما الحزب فرشحهم دون تدقيق في هوياتهم السياسية والاجتماعية والمهنية والأخلاقية، فقط لأنه يريد أن يشغل مقاعد في البرلمان لا تريد الدولة أن يجلس عليها من يستحقها.

لا أحد ممن تحدثت إليهم يوم أمس صدق أن إلياس العماري غادر قيادة البام لأن الخطاب الملكي أيقظ داخله ضميرا كان نائما، ونبهه إلى ضرورة ربط المسؤولية بالمحاسبة، ولأحد صدق، حتى من رفاقه، أن قائد الجرار نزل طواعية من غرفة القيادة. الجميع مقتنعون بأن وراء الأمر ما وراءه، وأنه لا يخرج عن احتمالات أربعة لهذا الخروج المفاجئ من الباب الصغير للسياسة:

الاحتمال الأول يقول إن الدولة أزاحت إلياس العماري من رئاسة الحزب لتمهد للتراكتور الطريق لدخول حكومة ائتلاف وطني مع العدالة والتنمية، فمادام هذا الأخير كان يعتبر إلياس العماري خطا أحمر، فإن الحل هو إبعاد الأخير عن الحزب لتسهيل إدماجه في الحكومة، واستخراج شهادة ميلاد جديدة له. أنا شخصيا لا أرى أن هذا احتمال راجح لأن حكومة العثماني شبه حكومة وحدة وطنية، تشارك فيها ستة أحزاب، ويساندها حزب الاستقلال، ومن بقي خارجها فلا يمثل شيئا من الناحية السياسية والاجتماعية، اللهم إلا إذا أرادت الدولة أن تقضي على البقية الباقية من حزب العدالة والتنمية بعد إزاحة زعيمه وتقسيم صفوفه.

الاحتمال الثاني أن وراء إبعاد العماري عن قيادة البام أن الدولة تريد عقابه، من جهة، لأنه لم يحقق النتائج المطلوبة في السابع من أكتوبر، رغم كل الدعم الذي استفاد منه، وترك المجال مفتوحا للعدالة والتنمية ليحقق نصرا كبيرا في انتخابات 2015 وفي انتخابات 2016، كما أن العماري لم يلتزم بأصول الخدمة في كنف المخزن الذي لا يقبل من «خدامه» أن يناوشوا، أو يتمردوا، أو يهددوا بإخراج أسرار الليل أو النهار، أو يجترحوا لأنفسهم مساحة للعب الحر… منذ إعلان نتائج الاقتراع، ولجوء الدولة إلى قطعة غيار جديدة/قديمة (حزب الأحرار بقيادة أخنوش)، أصيب العماري بالجنون، ولجأ إلى إطلاق نار عشوائي في كل الاتجاهات، والآن جاء وقت الحساب.

أما الاحتمال الثالث فهو أن استقالة العماري من قيادة البام كانت بإيعاز من الدولة، لتعطي المثال لباقي زعماء الأحزاب الذين لم يفهموا خطاب الملك، ولم يتنحوا عن قيادة أحزابهم. الدولة تقول لهم ‘‘إننا بدأنا بحزبنا، وأطحنا برأسه من أجل تطهير قيادات الأحزاب غير الملائمة للمرحلة، وما عليكم إلا أن تحلقوا رؤوسكم بأنفسكم إذا رأيتم رأس البام يحلق’’ (إذا رأيتهم يحلقون رأس جارك فبلل رأسك). الدولة تريد خلخلة مشهد حزبي راكد، لا يخدم إلا العدالة والتنمية الذي يحرث الأرض لوحده، ويحصد لوحده، ويبيع الغلة في الانتخابات لوحده.

أما الاحتمال الرابع فهو أن الدولة تريد أن تنزع الغلاف القديم للبام الذي أصبح مكلفا لها ولصورتها، باعتبار الجرار رمزا للتحكم، وأن هناك خطة لإدماج البام في الأحرار على مراحل، تبدأ بالتنسيق ثم التحالف ثم الاندماج، وذلك لتحقيق هدفين؛ أولا أخراج العدالة والتنمية من الحكومة، إذا حصل بنكيران على ولاية ثالثة على رأس حزبه في المؤتمر المقبل، حتى لا يعود الزعيم إلى الواجهة أكثر قوة مما كان. وثانيا، للتخلص من البام في صيغته القديمة، وحل إشكالية أزمة القيادة داخله، وإرجاعه إلى حزب عادي مثل الاتحاد الدستوري الذي مر من المسار نفسه.

الاحتمالات الأربعة غير متناقضة، وقد تتداخل عناصرها لتعطي تفسيرا لهذا الحدث الذي سيكون له ما بعده داخل الحقل السياسي، الذي قررت الدولة من الأعلى إعادة هيكلته وفق منظورها الخاص للمرحلة، وباستحقاقاتها، لكن المغاربة يقولون في مثلهم الدارج: «اللي كيحسب بوحدو كيشيط ليه».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إقالة وليست استقالة إقالة وليست استقالة



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 18:57 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الثور

GMT 14:07 2016 الجمعة ,16 أيلول / سبتمبر

الأبنوس

GMT 15:05 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

نيمار يبلغ سان جيرمان برغبته في الرحيل هذا الصيف

GMT 14:42 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

السالمية الكويتي يبدأ مشواره العربي بلقاء الشبيبة الجزائري

GMT 15:23 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

سنوات يفصلها رقم

GMT 11:24 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

الملك محمد السادس يرسل برقية تعزية إلى الرئيس الكاميروني

GMT 13:45 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

أول صالون تجميل يستقبل المحجبات في نيويورك

GMT 23:50 2019 الأحد ,02 حزيران / يونيو

باتريس كارتيرون يُراقِب العائدين من الإعارة

GMT 00:14 2019 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

السعودية تنفذ حكم القتل تعزيرًا في حق صدام حسين

GMT 20:47 2018 السبت ,08 كانون الأول / ديسمبر

"الوطني للسكك الحديدية "يعلن عن تخفيضات في تذاكر القطار

GMT 10:42 2018 الثلاثاء ,09 تشرين الأول / أكتوبر

حركة إعفاءات وتغييرات جديدة في صفوف الدرك الملكي

GMT 02:26 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

ورق جدران بألوان جذابة لديكورات غرف معيشة مبهجة

GMT 22:03 2018 الإثنين ,06 آب / أغسطس

صعقة كهربائية تودي بحياة شاب في سلوان
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya