لا ترموا الملح في جرح قديم

لا ترموا الملح في جرح قديم

المغرب اليوم -

لا ترموا الملح في جرح قديم

بقلم : توفيق بو عشرين

منذ ستة أشهر ووزارة الداخلية تجرب كل الوصفات لإخماد حراك الريف الذي يزداد جرحه عمقا كل يوم، ولما فشلت في الأمر، استدعت أحزاب الأغلبية لتأكل الشوك بفمها، وأوقفت ممثلي أحزاب الحكومة أمام الكاميرات ليقولوا إن حراك الريف خرج عن سكته الاجتماعية، وإن وراءه أهدافا انفصالية. ولأن الإخراج كان سيّئا، فقد صبت أحزاب الأغلبية الحكومية الزيت على النار، وخلف ظهور رموزها في تلفزة العرايشي موجة من النقد والسخرية العارميْن في مواقع التواصل الاجتماعي، لأن الجميع يعرف أن الحكومة والأحزاب المشاركة فيها ليس لها من كلمة في تدبير الشؤون الأمنية، وأن وزير الداخلية ربما نادى الأحزاب ليستعملها مطية نحو مقاربة أمنية متشددة إزاء حراك الحسيمة، ولم يجتمع معها ليفسح لها المجال للمشاركة في القرار.

عِوَض أن يجمع رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، أحزابا لا تمثيلية لها في منزله بسلا لأخذ التعليمات من وزير الداخلية حول ما يجري في الحسيمة، كان عليه كرئيس حكومة أن يأخذ الطائرة ويذهب إلى الريف، ويجلس من قادة الحراك الشعبي، ويتحدث إليهم، ويقدم التزاما سياسيا وأخلاقيا بالاستجابة لمطالبهم المعقولة، وأن يتعهد بعدم ترك السلطة تنتقم من رموز هذا الحراك بعد نهايته، كما جرى قبل خمس سنوات، عندما تساهلت الدولة مع حركة 20 فبراير، لكن ما إن انتهى الحراك حتى رجعت السلطة للانتقام من رموز الحركة، وتلفيق تهم الحق العام إليهم، والزج بهم في السجون. هذا واحد من أسباب استمرار الحراك الاجتماعي اليوم في الحسيمة، حيث لا يثق الشباب هناك في الدولة، كما لا يثقون في وعودها، ولا يتوفر الطرفان على وسيط موثوق.

يوم خرجت طنجة سنة 2015، عن بكرة أبيها، للاحتجاج على غلاء أسعار الماء والكهرباء، وعلى خدمات شركة «أمانديس» الفرنسية، بعث الملك محمد السادس رئيس الحكومة السابق، عبد الإله بنكيران، لإطفاء الحرائق، بعدما عجزت الداخلية عن فعل ذلك لعدة أسابيع، فجلس بنكيران مع رموز الحراك الطنجاوي، وتحدث معهم بصراحته المعهودة، والتزم بالتدخل لدى الشركة لحل مشكلة الأسعار، لكنه طالب السكان بالهدوء والرجوع إلى منازلهم، وترك الحكومة تتصرف. علاوة على هذا، وظف بنكيران تمثيلية حزبه القوية في مدينة البوغاز من أجل تهدئة الشارع، ونجحت الخطة. كذلك جرى في 2012، حيث نجح بنكيران في «سحب البساط» من تحت أرجل حركة 20 فبراير، وإدخال مطالب الشارع إلى المؤسسات، وإعطاء الفقراء والمهمشين والعاطلين صوتا في الدولة ومقعدا، ولو صغيرا، في المجلس الحكومي، وظل بنكيران يحذر الدولة كل مرة من رجوع الربيع المغربي حتى لا تنسى وعودها للمواطنين، وظل يردد على أسماع الأغنياء أن اهتموا بالفقراء حتى تحافظوا على الاستقرار… اليوم، للأسف، سعد الدين العثماني، وبعدما فرضوا عليه أغلبية مصطنعة، وملؤوا حكومته بالتقنوقراط، وأفرغوها من كل حس سياسي، وخلقوا البلبلة وسط حزب العدالة والتنمية، لا يملك القوة السياسية التي تخوله الوقوف في وجه حراك الحسيمة، خاصة بعد اتهامه هذا الحراك بـ«الانفصال» وتلقي أموال من الخارج، وهو ما لم تقدم وزارة الداخلية، إلى الآن، أي دليل مادي عليه.

على مهندسي الخرائط السياسية، الذين أعطوا حزب الأصالة والمعاصرة رئاسة الجهة، ورئاسة المجلس البلدي، ورئاسة المجلس الإقليمي، ورئاسة جل الجماعات القروية، ومنحوه أكثر من 44 ألف صوت في الحسيمة، أن يدفعوا الحساب الآن، وقد تبخرت كل الوعود التي سوقها الجرار عن مصالحة الريف مع الدولة، وعن لعب دور الوساطة بين معقل الريف بالحسيمة والإدارة المركزية في الرباط. الآن لا أحد من رموز الجرار قادر على النزول إلى الميدان للتحاور مع الشباب، بل منهم من ينفخ في الرماد بحديثه عن ظهير لعسكرة الريف، لا وجود له على أرض الواقع.

لا بد أن يتحلى الجميع بالحكمة. شباب الريف الواقفون خلف الحراك عليهم أن يجلسوا إلى طاولة الحوار، وأن يكونوا واقعيين، وألا ينزلقوا لتسييس معركتهم، أو لاعتماد أساليب عنيفة للرد على السلطة، التي أظهرت، إلى الآن، قدرا مهما من المرونة مقارنة بسلوكها في ما مضى، وعلى رموز الحراك أن يعطوا الدولة الوقت للاستجابة لمطالبهم الاجتماعية، المتمثلة في الجامعة والمستشفى وفرص شغل وبنيات تحتية وإدارة تحترم الحد الأدنى من كرامة المواطنين. في المقابل، على الدولة أن تتوقف عن تخوين هذا الحراك، فليس فيه إلى الآن ما يوحي بأنه انفصالي، وكيف تنفصل مدينة معزولة بين الجبال عن وطن كامل كان يدافع عنه رمز التحرر الريفي، محمد بنعبد الكريم الخطابي، في مواجهة براثن الاستعمار الفرنسي والإسباني (جل بيانات وخطب الحراك في الحسيمة بالعربية وليس بالريفية، عنوانا على أن الشباب يسعون إلى كسب تعاطف المدن الداخلية التي يعرفون أن أهلها حساسون جدا تجاه الانفصال في الجنوب كما في الشمال). على الدولة أن تبعد العصا عن غرفة إدارة الأزمة، فالمقاربة الأمنية ستعقد الموضوع أكثر، وستنثر الملح في جرح قديم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لا ترموا الملح في جرح قديم لا ترموا الملح في جرح قديم



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 11:14 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم الإثنين 9 تشرين الثاني / نوفمير لبرج القوس

GMT 15:51 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج العذراء

GMT 11:04 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم الإثنين 9 تشرين الثاني / نوفمير لبرج العذراء

GMT 00:58 2020 الثلاثاء ,28 كانون الثاني / يناير

دراسة تحدّد الأطفال الأكثر عرضة لخطر السكري من النوع الثاني

GMT 19:55 2019 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

رشيد دلال مساعدا للكيسر في تدريب أولمبيك آسفي

GMT 05:10 2016 السبت ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران تستضيف أعمال الفن العربي الحديث في متاحفها

GMT 07:35 2020 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

غوايدو يدعو الفنزويليين للاحتجاجات ضد مادورو

GMT 17:50 2019 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وهبي يراسل وزير الصحة بشأن غياب دواء مرضى السرطان

GMT 01:40 2018 السبت ,10 آذار/ مارس

رجل يشكو زوجته لسوء سلوكها في طنجة
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya