خطاب الصراحة لكن بدون حلول

خطاب الصراحة لكن بدون حلول

المغرب اليوم -

خطاب الصراحة لكن بدون حلول

بقلم - توفيق بو عشرين

«البلد يُحكم بشكل جيد لكنه يدار بشكل سيّئ. اختيارات الجالس على العرش صائبة، وتنفيذها من قبل الإدارة والنخبة السياسية كارثي. القطاع الخاص بخير والقطاع العام يعيش أسوأ أيامه. ثلاثة قطاعات تشتغل في البلاد، وهي: الأمن والفلاحة والصناعة، والباقي «مصيبة». إذا لم تتحمل المؤسسات مسؤوليتها (الحكومة والبرلمان والمجالس المنتخبة)، فإن الملك سيتدخل رغم حرصه على فصل السلط. الذي يقول إن هناك من يمنعه من أداء مهامه، فما الذي يمنعه من تقديم استقالته؟»… هذه، باختصار، هي أهم رسائل الملك في خطاب غاضب إلى شعبه بث 24 ساعة قبل موعده الرسمي لأسباب مازالت مجهولة.

كان خطاب الجلوس الثامن عشر استثنائيا وقويا ونقديا، وداخله حوار بين رأيين ومقاربتين لأكثر من موضوع؛ «المقاربة الأمنية» و«أداء الأحزاب» و«طبيعة الهندسة الدستورية في البلاد»، وغيرها من الموضوعات التي تناولها العاهل المغربي بصيغة تقترب من الجدال الصحافي والسياسي، ما يعني أن العرش يستمع إلى ما يجري ويدور في الصحافة والمجتمع ومواقع التواصل الاجتماعي، وأنه غير معزول عما يجري حوله، حتى وإن كانت مقارباته لا تعجب البعض.

المتشائمون، كما المتفائلون، لم يحصلوا من خطاب العرش على كل ما كانوا ينتظرونه، فلا العفو عن معتقلي الريف شمل كل من يقبعون داخل الزنازين، ولا القصر أعلن خطة جديدة لتجديد النظام السياسي، وداخله النظام الحزبي الذي حاكمه محمد السادس كما لم يحاكمه جده وأبوه.

لا يمكن أن يختلف المراقبون حول هشاشة المشهد الحزبي، وإعاقاته البنيوية، لكن السؤال الجوهري هنا هو: هل أمراض النظام الحزبي مفصولة عن أمراض النظام السياسي، أم إن الثانية هي نتيجة للأولى، وأن من ثوابت نظامنا السياسي «إضعاف الأحزاب»، وتهميش النخب السياسية، والتحكم فيها، حتى لا تخل بتوازنات ميزان القوى، كما استقر منذ استقلال المغرب إلى اليوم؟

شخصيا، كنت أنتظر خطابا «استراتيجيا» يجيب عن مأزق المرحلة السياسية التي دخلها المغرب نتيجة إجهاض المسلسل الإصلاحي، الذي انتهى عشية إعلان نتائج اقتراع 7 أكتوبر، واكتمل هذا الإجهاض بتشكيل حكومة لا تعكس إرادة الناخب، أما حراك الريف فلم يكن سوى جرح تعفن في مناخ سياسي غير صحي، وتطور لأنه لم يجد أمامه سوى الفراغ السياسي القاتل… لكن الخطاب الملكي اختار منحى «تكتيكيا» للجواب فقط عن أعراض المرض، وليس عن مسبباته، على الأقل في المرحلة الراهنة.

لكن خطاب العرش الـ18 لم يخل من فوائد، حيث قدم تشخيصا جريئا لبنيتين أساسيتين في تكوين الدولة وفي مستقبلها؛ الإدارة والأحزاب، وكلتاهما، برأي الجالس على العرش، مريضتان ومتخلفتان ولا تحظيان بثقته ولا برضاه، فكيف ستقنع الشباب بالانخراط في العمل السياسي؟! وليعطي الملك أمثلة على ذلك، قدم أزمة الريف نموذجا، حيث وصل الصراع بين حزبي العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة إلى حد تعطيل مشروع الحسيمة منارة المتوسط. فما العمل إذن؟ الملك اختار أمام شعبه أن يتحدث لغة الحقيقة، وأن يطالب هؤلاء بالانسحاب، أو أنه سيعمل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة على جرائم سياسية تصل إلى حد الخيانة… هذا جواب أخلاقي وقانوني، قد يفيد وقد لا يفيد، لكن ماذا عن الجواب السياسي، أي خلق شروط أفضل لنمو أحزاب أحسن، وممارسات أجدى للمصلحة الوطنية؟ الملك لم يعط جوابا سوى أنه في حال عجز المؤسسات، من حكومة وبرلمان ومجالس منتخبة، فإنه سيمسك الأمور بيده، أي العودة الصريحة إلى الملكية التنفيذية، التي لم تغب طوال السنوات الست الماضية.

إذا أرادت الدولة إصلاح البنية الحزبية، وطرد العناصر الفاسدة من وسطها، وتطهير التعددية السياسية من الطفيليات التي صارت تملأ الحقل الحزبي، فالأمر رهين بجملة تدابير سياسية وقانونية وثقافية أهمها:

1 – أن ترفع الدولة يدها عن الأحزاب، وتتركها لقانون السوق الانتخابي، ولا تتدخل في نشأتها ولا في تربيتها ولا في رعايتها ولا في تأديبها ولا في انشقاقها ولا في اختياراتها… «يدي ويد القابلة» هي التي أفسدت الحقل الحزبي، الذي صار اليوم موبوءا، ولا ينتج، في الغالب، سوى أعيان مصالح، ونخب انتهازية، وقيادات ليس لها تأثير على المجتمع، وكل ما في جعبتها أنها تفسد المنافسة الشريفة يوم الاقتراع، في الوقت الذي تتعرض الأحزاب القوية، والتي لها شرعية التمثيل، لحرب تجريف قاسية.

2- لا بد من تغيير نمط الاقتراع، وشكل تقسيم الدوائر الانتخابية، ومستوى العتبة، ومنع المال والسلطة من التدخل في الانتخابات. بهذه الطريقة ستنقرض الأحزاب التي لا تمثل إلا نفسها، وستولد أحزاب جديدة تعبر عن أفكار ومصالح مشروعة وبرامج مجتمعية واختيارات سياسية واقتصادية. الحاصل اليوم أن العملة السيئة في الحقل الحزبي تطرد العملة الجيدة، لذلك، لا غرابة أن يعلن الملك إفلاس السوق الحزبي.

3 – إذا أردنا أن نجعل المواطنين حكما بين الأحزاب وعاملا للفرز بينها، لا بد من تشجيع المشاركة السياسية، وإزالة العقبات الكثيرة أمام ارتفاع نسبة المشاركة في الانتخابات التي لا يشارك فيها سوى أقل من ربع من يحق لهم التصويت، فيما تبقى الثلاثة أرباع خارج العملية السياسية، كأن نزيل عائق اللوائح الانتخابية المخدومة، وأن نخرج وزارة الداخلية من اختصاص تنظيم الانتخابات، وأن نوسع الرقابة القضائية لتشمل استعمال المال الذي يشوه الخريطة الانتخابية ويبلقنها.

4 – لا بد من تغيير قانون الأحزاب، وإعطاء الأخيرة الإمكانات المالية واللوجستية الكافية لتأطير المواطنين وتمثيلهم، مع ربط المسؤولية بالمحاسبة، فلو كان القضاء، الجالس والواقف، يقوم بمهمته في تحريك الدعوى العمومية، بناء على تقارير المجلس الأعلى للحسابات، والمفتشية العامة للمالية، وتقارير الصحافة، التي تتحدث طوال السنة عن فساد الوزراء والمنتخبين ورجال السلطة، لما تحول التدبير الوزاري والجهوي والجماعي والترابي إلى ما هو عليه اليوم.

الديمقراطية، بالتعريف، هي دولة الأحزاب، وإعلان إفلاس الأحزاب المغربية هو أخطر مؤشر على اختلال نموذجنا السياسي والدستوري والمؤسساتي والتمثيلي. إن الجميع في ورطة، حاكما ومحكوما.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

خطاب الصراحة لكن بدون حلول خطاب الصراحة لكن بدون حلول



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 11:14 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم الإثنين 9 تشرين الثاني / نوفمير لبرج القوس

GMT 15:51 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج العذراء

GMT 11:04 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم الإثنين 9 تشرين الثاني / نوفمير لبرج العذراء

GMT 00:58 2020 الثلاثاء ,28 كانون الثاني / يناير

دراسة تحدّد الأطفال الأكثر عرضة لخطر السكري من النوع الثاني

GMT 19:55 2019 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

رشيد دلال مساعدا للكيسر في تدريب أولمبيك آسفي

GMT 05:10 2016 السبت ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران تستضيف أعمال الفن العربي الحديث في متاحفها

GMT 07:35 2020 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

غوايدو يدعو الفنزويليين للاحتجاجات ضد مادورو

GMT 17:50 2019 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وهبي يراسل وزير الصحة بشأن غياب دواء مرضى السرطان

GMT 01:40 2018 السبت ,10 آذار/ مارس

رجل يشكو زوجته لسوء سلوكها في طنجة
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya