الملك للجميع…

الملك للجميع…

المغرب اليوم -

الملك للجميع…

بقلم - توفيق بو عشرين

كما هنأ العثماني، وقبله البركة، وقبله أخنوش ولشكر والعنصر، على الوصول إلى قيادة أحزابهم، فعل الملك محمد السادس الشيء نفسه مع نبيلة منيب، قائدة الحزب «العنيد»، الذي يطالب بملكية برلمانية يسود فيها الملك ولا يحكم، وبعث محمد السادس رسالة إلى الأمينة العامة للاشتراكي الموحد، يهنئها فيها على إعادة انتخابها أمينة عامة وحيدة لحزب سياسي مغربي، وخاطب الجالس على العرش اليسارية المغربية، التي تناضل من أجل تقليص سلطات حكمه وجعله ملكا يشبه ملكيات أوروبا: «ولنا اليقين أنك لن تدخري أي جهد لمواصلة النهوض بمهامك في قيادة حزبك، من أجل تعزيز مكانته، في إطار مشهد سياسي تعددي، للمساهمة الهادفة، إلى جانب المنظمات السياسية الجادة، في توطيد النموذج الديمقراطي التنموي لبلادنا، وتكريس قيم الممارسة السياسية النبيلة، المبنية على جعل المصالح العليا للوطن والمواطنين تسمو فوق أي اعتبار».

هذه الرسالة ليست من أعمال البروتوكول التي يقوم بها خدام البلاط تقليديا، حتى دون إخبار سيدهم بتفاصيلها، إنها رسالة سياسية من صاحب التاج، يقول فيها ‘‘إنني أقف على المسافة نفسها من كل الأحزاب، وإن الملكية ليس لها أعداء ولا خصوم من الأحزاب السياسية المعترف بها قانونيا، وإن برنامج الرفاق في اليسار الاشتراكي الموحد برنامج يعكس مبدأ التعددية السياسية في البلاد، وحرية الاختيار، وحق كل حزب في النضال من أجل توزيع السلط في المعمار الدستوري المغربي كما يراه، وليس بالضرورة كما أراه أنا، وإن أنصار الملكية البرلمانية ليسوا أعداء ولا ثوارا ولا خوارج، ولا خارجين عن الملة والدين وطاعة ولي الأمر’’.

الذين يطالبون بالملكية البرلمانية مواطنون مغاربة لهم حقوق وعليهم واجبات، وهم ليسوا «بلانكيين» ولا مغامرين، بل هم تيار في الحقل السياسي لا يرى طريقا لتحديث النظام، وربط المسؤولية بالمحاسبة ودمقرطة الحكم، سوى عن طريق الملكية البرلمانية.

كل الملكيات الأوروبية المتقدمة ملكيات برلمانية، وكل الملكيات التنفيذية في العالم ملكيات غير ديمقراطية وبلدانها متعثرة، لذلك، من حق الأحزاب السياسية أن تناضل من داخل النظام القائم لتطوير العرش، وجعله يواكب العصر، ويتناغم مع التطور الحاصل في المجتمع وفي العالم من حولنا، بتدرج نعم، بهدوء نعم، بطرق سلمية نعم، بمراعاة تطور المجتمع ونضجه نعم، لكن دون تجريم هذا المطلب الذي سنصل إليه في يوم من الأيام.

إذا كان الملك يرسل، بين الفينة والأخرى، إشارات عن كونه يقف على «الحياد» بين كل الأحزاب السياسية، وأن سياسة «هذا ولد دار المخزن وهذا خارج الدار» سياسة ماتت مع صاحبها، وأن محمد السادس تعلم من أصول حرفة الملك أن يقبل بالأحزاب جميعها، مهما كان رأيه الخاص فيها، ومهما كانت ميوله الشخصية تجاهها، فإن بعض المحيطين بالقصر مازالوا يتصرفون بالنهج القديم، ومازالوا يتدخلون في الحياة السياسية والحزبية بعقلية «هذا معنا وهذا ضدنا»، والأكثر مدعاة للقلق أن هؤلاء يفعلون ذلك تحت غطاء الدفاع عن الملكية، وتحت غطاء الخوف عليها، فيما الخوف الحقيقي نابع من الزج بها في أتون الحروب السياسية، وفي الحسابات الانتخابية، وفي تفاصيل إدارة الحكم، التي تخلق بطبيعتها أعداء وأصدقاء، خصوما وحلفاء.

الخوف على العرش غريزة تولد مع الملوك، لكن هناك أخطر من هذا الخوف على عروشهم، وهو فقدان الاتصال بالواقع ومتغيراته، وعدم الإحساس بنبض المجتمع، إلا من خلال وسطاء مبرمجين على قول ما يريده الحاكم، وما يخدم البلاط.. وسطاء يقدمون أجوبة ولا يطرحون أسئلة، يقولون للملك ما يستطيع فعله ولا يخبرونه بما يجب فعله. كان كبير مستشاري الملك هنري تيودور (1457-1509) يقول للعاملين في البلاط الملكي الإنجليزي: ‘‘لا تقولوا للملك ماذا يستطيع فعله فهو يستطيع الكثير، لكن قولوا له ما يجب فعله’’.

لما وصلت إليزابيث الثانية، ملكة بريطانيا، إلى العرش بعد الحرب العالمية الثانية، وصادف وصولها عودة تشرشل إلى الحكومة بعد انتخابات 1951، جاء بعض أقطاب المحافظين ينصحون الملكة بإقناع الشيخ تشرشل بالتنحي عن رئاسة الحزب، والتي تعني أوتوماتيكيا التنحي عن رئاسة الحكومة، وذلك بمبرر نزول شعبيته، وكبره في السن، وتغير العالم من حول بريطانيا. ولأن تشرشل يقدر الملكية كثيرا، وخدمها كما لم يفعل أحد قبله في العصر الحديث، فإنه لن يرد للملكة طلبا، خاصة أنها شابة، وتفضل أن تتعامل مع رئيس وزراء شاب أو كهل على الأقل، فسألت صاحبة التاج زوارها بوضوح: «هل يسمح لي الدستور بذلك؟»، فرد عليها خصوم تشرشل: «يسمح لك حب البريطانيين وخوفك على مصلحة البلاد بذلك»، فردت عليهم مرة أخرى: «هل يسمح لي الدستور بذلك؟»، فران الصمت على الجميع، وإذا بها تضغط على زر الخدمة في قاعة العرش إيذانا بنهاية المقابلة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الملك للجميع… الملك للجميع…



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 15:03 2014 الخميس ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فوائد الجوز " عين الجمل " لا يعلمها إلا القليلون

GMT 12:28 2018 الجمعة ,26 تشرين الأول / أكتوبر

الفرسان يتطلعون للفوز بثاني جولات بطولة "هذاب"

GMT 06:07 2017 الإثنين ,18 كانون الأول / ديسمبر

سيت الأفضل لقضاء شهر عسل لتميزها بالمناظر الجذابة

GMT 03:45 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

مديرة الأزياء جين ماكفارلاند تستعرض مجموعة كافالي

GMT 06:22 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل تصنف المغرب أبرز مُصدّري اليهود منذ استقلال المملكة

GMT 00:00 2014 الجمعة ,12 كانون الأول / ديسمبر

" أوراق بوكافر السرية " جديد الكاتب ميمون أم العيد

GMT 23:10 2017 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رشيد غفلاوي سعيد بانضمامه إلى فريق الساحل النيجيري

GMT 23:08 2017 السبت ,14 تشرين الأول / أكتوبر

المهاجم فيصل عجب يثبت جدارته مع نادي التضامن

GMT 17:14 2016 الجمعة ,01 إبريل / نيسان

سر إغماض العيون أثناء تبادل القبل على الشفاه

GMT 10:51 2017 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الفنان أمير كرارة يفاجئ المعجبين بإطلالة مختلفة تمامًا

GMT 17:38 2015 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

عبدالفتاح الجريني يحضر لديو غنائي مع العالمي مساري

GMT 03:16 2015 الجمعة ,22 أيار / مايو

شاطئ مرتيل يلفظ أحد ضحايا موسم الاصطياف

GMT 08:17 2017 الأربعاء ,30 آب / أغسطس

إخلاء السفارة الكندية في برلين
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya