الشعب لا يوقع شيكات على بياض

الشعب لا يوقع شيكات على بياض

المغرب اليوم -

الشعب لا يوقع شيكات على بياض

بقلم : توفيق بو عشرين

يتوهم بعض قادة حزب العدالة والتنمية أن الناخب المغربي سيوقع لهم شيكا على بياض اليوم وغدا، وأنه، مهما كان سلوكهم السياسي وطريقة تدبيرهم المشاركة في الحكومة، فإن في جيبهم تـأمينا من كل المخاطر الانتخابية، وأن الشعب سيعود وسيصوت لصالحهم لأنه مغرم بمصباحهم وواقع في حبهم، وهذا، لعمري، وهم ما بعده وهم، وهذا ما أغوى عزيز الرباح، وزير الطاقة والمعادن في حكومة العثماني، ودفعه إلى القول في تجمع فاتح ماي بأكادير: «لن يتخلى الشعب عن حزب العدالة والتنمية رغم ذهاب عبد الإله بنكيران»، وأضاف: «أهل سوس أعطوا حزب العدالة والتنمية أصواتهم، ولن يتخلّوا عنه، لأنه لا يسرق ثرواتهم، ويبقى دائما قريبا منهم». هذا كلام تعبوي يقال في المهرجانات الخطابية، ولا يحمل أي قيمة سياسية، ولا جدوى تحليلية، لكن، مع ذلك، لا بد من تفكيك أوهامه، والوقوف على ديماغوجيته. الرباح ومن معه يظنون أن الأصوات التي تختار المصباح في مكاتب الاقتراع تفعل ذلك، فقط، لأن قادة الحزب أياديهم بيضاء، ولأنهم قريبون من الشعب، ويتواصلون مع الجماهير، ويبشرون بالخير والصلاح، وهذا، في ظني، أمر غير صحيح أو، على الأقل، غير دقيق. الناس يصوتون للعدالة والتنمية لاعتبارات كثيرة، أهمها أنه يدعي أن بحوزته وصفة للإصلاح الديمقراطي في بلاد تعيش خارج نادي الديمقراطيات الحديثة، وعنوان هذه الوصفة هو: ‘‘صوتك فرصتك لمحاربة الفساد والاستبداد’’، والطريق إلى هذا الهدف هو التوافق مع الملكية دون انبطاح، والتدرج في الإصلاح دون تطبيع مع التحكم، ومصالحة الشعب مع السياسة، والوضوح والشفافية في إدارة المعركة، وتحصين النخب الحزبية من السقوط في الفساد، أو التحالف مع رموز الاستبداد، والحفاظ على استقلالية الحزب وديمقراطيته الداخلية.

هذه هي الوصفة التي اقترحها الحزب زمن بنكيران على الشعب، ولهذا حصل على نصر انتخابي كبير في ثلاثة استحقاقات متتالية (2011 و2015 و2016)، لكن، اليوم الحزب ومشروعه ومصداقيته وصورته في مفترق طرق، بعدما ضيع العثماني ومن معه مليوني صوت، وقبلوا الدخول في حكومة أخنوش التي يقودها العثماني بدون بوصلة سياسية، ولا رؤية إصلاحية، حيث تحول نصر العدالة والتنمية في الانتخابات إلى هزيمة في المفاوضات.

لحزب العدالة والتنمية ثلاث نقاط قوة كانت تشكل عوامل جذب قوية للتصويت السياسي لصالح مرشحيه:

النقطة الأولى تتمثل في صلابة التنظيم الممتد أفقيا إلى شرائح اجتماعية متنوعة، تقع الطبقة الوسطى في قاعدتها العريضة، واهتمام قيادة الحزب بحيوية التنظيم رغم مشاغلها في رئاسة الحكومة، علاوة على وجود قدر كبير من الديمقراطية الداخلية، والثقة بين القيادة والقاعدة، والانضباط الذي يمليه وضوح الرؤية، ومشروعية الهدف، وكاريزمية القيادة… الآن، الحزب تعرض لزلزال سياسي، كما قال بنكيران، وما نراه من تراشق إعلامي بين قادة الحزب ما هو إلا ارتدادات هذا الزلزال، لاعتقاد فئة واسعة من أعضاء الحزب أن بنكيران تعرض لظلم كبير وتنكر من قبل إخوانه، وأن العثماني «دلس على الحزب»، ولم يقدم لهم كل الحقائق التي أحاطت بتشكيل الحكومة، ودخول الاتحاد الاشتراكي، وتوزيع الحقائب، وغيرها من المشاكل التي تشكل اليوم تهديدا لوحدة الحزب وقوته وانسجامه.

النقطة الثانية من نقاط قوة العدالة والتنمية كانت هي شخصية بنكيران الذي نجح في أن ينحت اسمه في القائمة القصيرة للزعماء في المغرب، من خلال سلوكه وصراحته وشجاعته، وأسلوب تواصله الفعّال مع فئات عريضة من الشعب، لم يكن الخطاب «الفئوي» للإسلاميين يصل إليها. ومع إبعاد بنكيران عن رئاسة الحكومة، سيخسر الحزب آلة سياسية وتواصلية فعالة، كانت تدر عليه شعبية كبيرة، ولهذا، فإن الرباح الذي لا يكن الكثير من «الود» لبنكيران، الذي صدمه أمام الجمهور حينما قال له: «شد الصف ألرباح راه قضيتك حماضت»، مخطئ في تقدير وزن بنكيران السياسي في الحزب وخارجه.

أما ثالث نقطة قوة كانت لحزب العدالة والتنمية في استقطاب أصوات الطبقة المتوسطة، فهي خطه السياسي الذي ظل نقديا حتى وهو في الحكومة، ودفاعه عن تخليق الحياة السياسية، وفصل الريع عن المناصب، وعدم التشبث بالكراسي من أجل الكراسي، وهو ما دفع بنكيران إلى التضحية برئاسة الحكومة طيلة ستة أشهر، على قبول شروط المخزن لتشكيل الحكومة بعيدا عن نتائج الاقتراع، أما وإن الحزب الآن تخلى عن هذه الأخلاقيات، وهذا المسلك في السياسة، وهذه الصورة، وصار مثله مثل باقي الأحزاب التي تطارد المناصب وتقبل بالفتات، فإنه سيخسر، والحالة هذه، أصواتا كثيرة، خاصة أنه حزب أطره قليلة جدا، وكفاءة تدبيره محدودة جدا، وقدرته على الصمود هشة جدا.. المصباح مثل امرأة لا هي جميلة ولا هي غنية ولا هي من أسرة عريقة، لكنها عفيفة، ولهذا يحبها الناس ويقدرونها، فإذا فقدت عفتها، فماذا بقي لديها؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الشعب لا يوقع شيكات على بياض الشعب لا يوقع شيكات على بياض



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 19:20 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الجدي

GMT 06:36 2018 السبت ,08 أيلول / سبتمبر

تمتع بمغامرة فريدة في أجمل مدن "مولدوفا"

GMT 11:44 2017 الثلاثاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

المؤجلات… موت التشويق

GMT 22:25 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

المانجو فاكهة النشاط والتفاؤل

GMT 15:47 2018 الثلاثاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

أفكار مميزة لتجديد حديقة منزلك بدون تكاليف في الشتاء

GMT 18:25 2018 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

لمسات بسيطة تضفي مزيدًا من الجمال على شرفات منزلك

GMT 05:02 2017 الجمعة ,29 كانون الأول / ديسمبر

شخص يضرم النار داخل مسجد أثناء صلاة العشاءفي شيشاوة

GMT 23:52 2017 الأربعاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

متصرفو المغرب يعتصمون أمام وزارة المال في الرباط

GMT 14:10 2017 الأحد ,24 كانون الأول / ديسمبر

جريمة قتل بشعة تهزّ حي التقدم في الرباط

GMT 21:47 2017 الأحد ,17 كانون الأول / ديسمبر

إيقاف عداء مغربي لأربعة أعوام بسبب المنشطات

GMT 18:28 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

الرجاء يواجه الدفاع الجديدي في الرباط رسميًا

GMT 21:04 2017 الجمعة ,08 كانون الأول / ديسمبر

أولمبيك خريبكة يستعيد نغمة الانتصارات ويؤزم وضعية تطوان

GMT 20:54 2016 الإثنين ,14 آذار/ مارس

إنشاء 3 شواطئ صناعية في كورنيش مدينة الناظور
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya