الحقاوي تغطي رأسها والذهبي يغطي عقله

الحقاوي تغطي رأسها.. والذهبي يغطي عقله

المغرب اليوم -

الحقاوي تغطي رأسها والذهبي يغطي عقله

بقلم - توفيق بو عشرين

صباح الخير زميلي عمر الذهبي.. أعرف أننا لا نشترك في كثير من القناعات، وأن القاسم الوحيد الذي يجمعنا هو بطاقة الصحافة التي توزعها وزارة الاتصال على محترفي هذه المهنة كل سنة، وأننا لا نلتقي حتى داخل خيمة الصحافة الواسعة، لأن كل واحد منا يحمل لها مفهوما وقيمة وأسلوبا ووظيفة.

لكن هذا لا يمنع أن نتحاور حول ما يكتبه كل واحد منا، وقد سبق لك أن علقت على جملة كتبتها حول علاقة النخب الحزبية والوزارية بالقصر الملكي، حيث ختمت إحدى مقالاتي، التي تتحدث عن العلاقات غير الصحية بين الدولة والنخبة المولوية، بالاستشهاد بمثل إنجليزي قديم يقول: «إن الخادم الجيد لا ينفذ كل التعليمات»، دلالة على أن العقل يجب أن يبقى في حالة اشتغال، حتى داخل رأس الخادم، فما بالك بالسياسي المفروض فيه أن يكون حرا ومستقلا وشريكا، في حين أنك رأيت أن هذا الكلام دعوة صريحة إلى التمرد على سلطة الدولة. لم أناقشك ساعتها في الأمر، لأني اعتبرت أنك واحد من اثنين، إما أنك لم تفهم مدلول ما كتبته، وإما أنك تقرأ الصحافة بنظارات الشرطة القضائية، والنيابة العامة التي تحمل مسبقا نية التجريم إزاء الأقلام التي تراها خارج السرب، وفِي كل الأحوال، فإن عدم الفهم أو التحامل لا ينتجان حوارا، بل يقودان إما إلى سوء فهم، وإما إلى وشاية مقصودة أو غير مقصودة.

اليوم أعود لأناقشك بشأن تدوينة لك على الفايسبوك، تحولت إلى نقاش وسجال إعلامي وسياسي حول حجاب الوزيرة، بسيمة الحقاوي. دعني، أولا وانسجاما مع قناعاتي، أعبر عن تضامني معك بخصوص الشكاية التي قدمها ضدك رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، لدى المدير العام للقناة التي تشتغل بها مسؤولا عن التحرير، وأن أقول إن تدخل المجلس الحكومي في سجال إعلامي، أو حتى بولميك سياسي، ليس من اختصاص مجلس الحكومة، وليس من الحكمة السياسية، فالذهبي عبر عن رأي شخصي في مكان خاص، وحتى عندما خانه الذوق والأسلوب ولم ينتبه إلى قيمة الاحترام الواجب للمرأة، سواء كانت محجبة أم غير محجبة، فإن هذا لم يكن يستدعي تدخل الحكومة بكامل وزرائها، ورئيسها بكل ما لديه من ثقل سياسي ودستوري… كان يكفي أن ترد الوزيرة على رأي الذهبي برأي، أو أن تذهب إلى المحكمة لرد الاعتبار إليها إن رأت ضرورة لذلك، أما إدخال «الآراء»، مهما كانت متهورة، ومهما كان موقع أصحابها، إلى المجلس الحكومي، فهذا لا يليق بدولة الحق والقانون، فالحكومة هيئة دستورية، وليست قبيلة تنصر أعضاءها ظالمين ومظلومين.

الآن، لنمر إلى جوهر تدوينة صحافي مفروض أن يكون أول المتشبعين بثقافة حقوق الإنسان، والحق في الاختلاف، وعدم التمييز بين البشر على أساس دينهم أو لونهم أو عرقهم أو جنسهم أو لباسهم أو اختياراتهم السياسية أو الإيديولوجية، وهو ما يفضح ثقافة «إعلاميي السلطة» الذين يعتبرون أن أوراق اعتمادهم الأولى والأخيرة، في المهنة وخارجها، هي «الولاء لمن يحكم»، والطاعة لمن يمول، والخضوع لمن يسود.. والباقي مجرد تفاصيل.

«ليس طبيعيا أن تكون لنا وزيرة هي نفسها لا تستطيع أن تتحرر، ولاتزال منغلقة داخل غطاء رأسها»، يقول الذهبي الذي لم يعرف له رأي في وزير من الوزراء الذين يبثون الخوف في نفوس بعض الصحافيين.

هذا ليس فقط اعتداء على حرية امرأة في اختيار لباسها، يا زميلي، بل هو تعريض بامرأة قبل أن تكون وزيرة، ومس باختياراتها الفردية، ومحاولة للتنقيص منها أمام المجتمع، ليس بسبب سياستها أو فكرها أو قرارها أو برنامجها، ولكن، فقط، بسبب لباسها، أو، بالأحرى، غطاء رأسها. هذه تسمى عنصرية، والغريب أن الذهبي، وبعد ثلاثة أيام من دخوله العاصفة، لم يعتذر، ولم يسحب هذه التدوينة المشؤومة، كما يفعل المتحضرون.

الآن، لنوسع زاوية النظر إزاء فئة من النخبة المغربية تعيش في مفارقات عجيبة دون أن تثير لديها أدنى إشكال. هؤلاء أسميهم ليبراليين دون ليبرالية، وعلمانيين دون علمانية، ويساريين دون قيم يسارية، بل هم أقرب إلى مقاولين في الحقل الإعلامي والسياسي والثقافي، يبيعون كل يوم بثمن، حسب سعر صرف الدرهم أو الدولار أو الأورو، وكل يوم يتاجرون في سلعة وعينهم ثابتة على شيء واحد، هو الربح والمصلحة الشخصية واللعب في صفوف الفريق الغالب ولا يهمهم لا ديمقراطية ولا حقوق الإنسان ولا تعددية ولا حداثة نظام الحكم بل منهم من يبرر حتى التعذيب والمعاملات القاسية في حق المعتقلين.

الزميل الذهبي يحتج فيقول: ‘‘ليس طبيعيا أن تكون لنا وزيرة هي نفسها لا تستطيع أن تتحرر من غطاء رأسها،’’ لكنه لا يتساءل: هل من الطبيعي أن تكون لنا تلفزة أو جريدة أو إذاعة هي نفسها لم تتحرر من قيود السلطوية؟ ولم يتساءل: هل من الطبيعي أن تكون لنا تلفزة لا تملك ذرة من الاستقلالية ولا من المهنية، وهي تعتبر نفسها في خدمة السلطة وليس في خدمة المشاهدين؟ ولا يتساءل: هل من المعقول أن تحجز القناة في بلاطوهاتها محللي آخر ساعة الذين يبررون ما لا يبرر، حتى أضحوا أضحوكة المغرب كله؟ هل من المعقول أن تسهم دولة يعود نظامها إلى القرون الوسطى (الإمارات العربية المتحدة) في رأسمال قناة في طنجة، وهي (الدولة) المجندة لمحاربة الإعلام الحر والديمقراطية والتعددية وحق الشعوب في الاختيار؟ ثم يأتي الذهبي، الذي يشتغل وفق أجندتها، ليعطي دروسا في الحرية والمساواة للحقاوي… العيب ليس في امرأة اختارت أن تغطي رأسها.. العيب في رجل قرر أن يغطي عقله.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحقاوي تغطي رأسها والذهبي يغطي عقله الحقاوي تغطي رأسها والذهبي يغطي عقله



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 19:06 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الأسد

GMT 10:35 2016 الأحد ,02 تشرين الأول / أكتوبر

ندوة حول "أطفال الشوارع" في مركز "عدالة ومساندة" الأحد

GMT 19:42 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

باتشوكا المكسيكي يقصي الوداد من كأس العالم للأندية

GMT 20:05 2017 الإثنين ,30 كانون الثاني / يناير

إيسكو يلعب عددًا بسيطًا من المباريات مع ريال مدريد

GMT 04:56 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

عطيل عويج يُبيّن سبب تعاقده مع فريق الفتح المغربي

GMT 03:00 2015 الأربعاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

مطاعم مراكش بديكوراتها الجديدة تستقبل العام الجديد 2016

GMT 07:25 2015 الإثنين ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

عصابة مدججة بالسيوف تحاول اغتصاب فتاة وسط الناظور

GMT 02:13 2018 الخميس ,19 إبريل / نيسان

الصين تكشف عن دورات مياه جديدة ذات تقنية عالية

GMT 09:34 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

"المرسيدس" من أغرب الفنادق في ألمانيا

GMT 04:02 2017 السبت ,23 كانون الأول / ديسمبر

وائل جسار يستقبل العام الجديد بأغنية "سنين الذكريات"

GMT 17:34 2017 الأربعاء ,06 كانون الأول / ديسمبر

إيران تواجه الجزائر استعدادًا لمباراة المغرب

GMT 05:34 2017 الأربعاء ,06 كانون الأول / ديسمبر

بغداد صباح الجمعة
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya