بقلم : توفيق بو عشرين
كم ستكتب وزارة الداخلية من بيان ضد حزب العدالة والتنمية من هنا إلى يوم الاقتراع في أكتوبر المقبل؟ هذا ليس سؤالا استفساريا، هذا سؤال استنكاري للطريقة البدائية التي تعتقد أم الوزارات أنها طريقة ناجعة لتصريف مواقف مناهضة لحزب رئيس الحكومة، ففي ظرف أسبوعين أصدرت وزارة الداخلية بيانين؛ واحد عن خدام الدولة الذي صار نكتة لدى الرأي العام، خاصة عندما وجد المواطنون اسمي حصاد وبوسعيد في قائمة المستفيدين من ريع البقع بأثمنة رمزية لا تعادل حتى ثمن تجهيز الأرض في طريق زعير بالرباط، ولم تقف وزارتا المالية والداخلية في هذا البيان عند تبرئة الوالي الفتيت من تهمة الاستفادة من ريع الدولة، بل عمدتا إلى رمي الكرة في ملعب العدالة والتنمية، بتوجيه التهمة إليه بتوظيف القضية انتخابيا، مع أن الوثائق خرجت من المحافظة العقارية، والجهات التي نشرتها لا علاقة لها بحزب المصباح… الآن، ومع مطالبة عائلة الراحلين الحبيب الشاوي وابنه بإعادة تشريح جثتيهما، بعدما هلكا في حادثة غامضة، خرجت وزارة الداخلية، مرة أخرى، ببيان ناري يحمِّل حزب المصباح مسؤولية الضجة التي وقعت، متهما إياه بتوظيف دم الراحلين في الانتخابات بطريقة سياسوية، مع أن الناطق الرسمي باسم الحزب (عبد الإله بنكيران)، وبيانات الأمانة العامة للحزب، لم يتحدثا إطلاقا عن الموضوع، ولم يقتربا منه، وبالرغم من ذلك اختار حصاد أن يرمي ببيانه الحربي الثاني في وجه رئيسه الافتراضي عبد الإله بنكيران، مع أن موضوع التشريح لا يعنيه، بل يخص النيابة العامة ووزارة العدل والحريات، وهذه الأخيرة استجابت لمطلب العائلة بإجراء تشريح طبي مضاد لمعرفة الأسباب الحقيقية التي كانت وراء غرق أب وابنه، وهذا أمر طبيعي وقانوني، ولا أحد اتهم، إلى الآن، أي جهة بالوقوف وراء فاجعة هذه العائلة، فقد يكون القدر هو الذي أنهى حياة الأب وابنه في الساقية، وقد تكون صراعات السكان حول الماء هي السبب.
حال وزارة الداخلية اليوم شبيه بحكم يستعد للتحكيم في مباراة كبيرة لكرة القدم.. مباراة مصيرية سيتابعها الملايين، وعوض أن يبقي هذا الحكم فمه مغلقا، وأن يلتزم بواجب التحفظ إزاء أي تعليق أو رأي قد يفهم منه، عن قصد أو غير قصد، أنه مع جهة ضد أخرى، راح صاحبنا يعطي مقابلات صحافية، ويبدي امتعاضه من أحد الفريقين، وحتى ضيقه من لاعبيه، وهو المعول عليه لكي يلعب دور قاضي المباراة الذي يقف على الحياد، فكيف سيقنع هذا الحكم المتفرجين يوم المباراة بأنه حكم وليس طرفا، وأنه قاضٍ وليس خصما. وزارة الداخلية، ببياناتها المسترسلة، تجرح في نفسها، وتعطي الرأي العام الانطباع بأنها لا تقف على مسافة واحدة من كل الأطراف المتصارعة في الانتخابات المقبلة، وإذا شك وزير الداخلية في هذه الملاحظة، فما عليه إلا أن يطل على التعليقات المنشورة في وسائل التواصل الاجتماعي حول بياناته، حتى إن أحد هذه التعليقات قال: «بيان الداخلية الأخير لا ينقصه إلا طابع التراكتور».
مع كل «الدراما» التي تثيرها مثل هذه السلوكات البائدة في دار اليوطي القديمة، والتي لا تزيد العدالة والتنمية إلا قوة، لأنها تصوره في عيون الناس ضحية، والضحية دائما تثير التعاطف بغض النظر عن التفاصيل والحيثيات في صراعاتها.. مع كل هذا «اللعب الصغير» من وزارة كانت دائما في مرمى الاتهام بعدم الحياد في الانتخابات، فإن اختيار البيانات طريقة لإظهار الغضب والضيق، وحتى الخوف من شعبية بنكيران، هو أمر يدعو إلى الارتياح النسبي، فلو كان في نية الدولة العميقة أن تضرب تحت الحزام فما كانت ستصدر بيانات ولا بلاغات، بل كانت ستمر إلى الأساليب الخشنة الأخرى، والتي تختبئ عادة في ثوب حريري ناعم.. فالمثل يقول: «احذر الكلب الذي لا ينبح» (méfie-toi du chien qui n’aboie pas).
نصيحة فقط لوزير الداخلية محمد حصاد: المرجو أن تعمد إلى ترقيم بياناتك المقبلة، كما يفعل العسكريون عندما يستولون على السلطة، ويشرعون في إصدار الأوامر العسكرية في شكل بيان أول وثانٍ وثالث ورابع… وهكذا، حتى نتابع معك بتركيز، فبهذه الطريقة «غادي نشدو معاك الحساب» من هنا إلى يوم السبت الثامن من أكتوبر.