هدية نهاية الخدمة

هدية نهاية الخدمة

المغرب اليوم -

هدية نهاية الخدمة

بقلم : توفيق بو عشرين

منحت منظمة مراسلون بلا حدود، التي تعنى بتتبع خنق الأصوات الصحافية عبر العالم، هدية نهاية الخدمة لكل من رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران، ووزير الاتصال السابق مصطفى الخلفي، ووزير العدل والحريات السابق مصطفى الرميد، فوضعت المنظمة، التي يقع مقرها في باريس، المغرب في المرتبة 133 على قائمة حرية الصحافة، التي تضم 180 دولة، حيث تراجع المغرب رتبتين إلى الوراء مقارنة بسنة 2015، ولم يعد وراءه من الدول العربية سوى الجزائر والبحرين والعراق والسعودية.

هذا الترتيب المخجل للمملكة على سلم حرية الصحافة جاء في سنة «الإصلاحات الكبرى» التي عرفها قانون الصحافة (في غشت 2016 صدر القانون الجديد للصحافة والنشر)، وكان وزير الاتصال السابق يعتقد أن ترتيب المغرب سيتحسن في أكثر من مؤشر للحرية في أوروبا وأمريكا، فقط لأن المغرب ألغى عدة عقوبات حبسية من قانون الصحافة والنشر الجديد، ومنع الإدارة من مصادرة الصحف، وأوكل هذا الأمر إلى القضاء، وأسس لميلاد مجلس وطني للصحافة سيتكفل بتنظيم فوضى القطاع… لكن السيد الخلفي، ومن كان يشاورهم، لم يضربوا الحساب إلى أن المراقبين لمؤشرات حرية الصحافة يعرفون كيفية قراءة القوانين بدقة، ولا يمكن للحيل التشريعية أن تنطلي عليهم، وأن إبقاء جسور متينة بين قانون الصحافة والنشر والقانون الجنائي لا يمكن أن تخدع أحدا، خاصة بعدما تعرض قانون الصحافة والنشر الجديد لنكسة كبيرة مع أول اختبار، حيث تابعت النيابة العامة وقاضي التحقيق «شباب الفايسبوك» الذين أشادوا بجريمة قتل السفير الروسي في تركيا بقانون الإرهاب، عِوَض قانون الصحافة والنشر، الذي ينص على هذه الجريمة ويعاقب عليها بغرامات مالية، لكنه لا يصل إلى السجن. ليس القانون ما يخشاه المرء، بل القاضي الذي يطبق القانون.

المراقبون الدوليون يعرفون أن رئيس الحكومة السابق كان يعطي موافقته لوزرائه، في الداخلية وفي الفلاحة وفي المالية وفي التجهيز، لجر الصحافيين إلى القضاء، ومطالبتهم بأداء ملايين الدراهم تعويضا لحضرتهم عن اقتراب الصحافيين من ضيعاتهم، وهذا في عرف الحقوقيين يعني «غياب الإرادة السياسية لاحترام حرية التعبير»، في بلاد عدالتها مفتوحة العينين، وتفرق جيدا بين صحافي ووزير، وبين قلم وسيف.

المراقبون الدوليون يعرفون أن حق الوصول إلى المعلومة مصادر في مملكة الكتمان، وأن مشروع القانون الجديد أسس للمنع الرسمي من الوصول إلى المعلومات، وليس العكس… والمراقبون الدوليون أخذوا علما بأن السيد عزيز أخنوش يمارس أفظع أنواع الرقابة على الصحافة، باستعمال سلاح الإشهار للتحكم في خطوط تحرير الجرائد والمجلات والإذاعات، وهذا الاستعمال لا يقتصر، فقط، على إشهارات إمبراطوريته «أكوا»، بل إن السيد الوزير يستعمل حتى إشهارات الوزارة التي يشرف عليها، والقطاعات التي يتحكم فيها، من أجل تركيع الأقلام المنتقدة لسياساته والأدوار التي يلعبها اليوم في الحقل السياسي.

والمراقبون يعرفون أن الصحافيين المغاربة كلهم ركبوا أجهزة رقابة ذاتية في مكاتبهم، وأن الفرق موجود فقط في درجة قوة كل جهاز للرقابة، في بلاد يعترف فيها الصحافيون بأن أفضل جريدة فيها هي تلك التي لا تصدر، ولا تعرض للبيع في الأسواق.. جريدة يقتصر رواجها على ما يتناقله الناس من أخبار وتعاليق وآراء في الصالونات المغلقة والمقاهي البعيدة عن الرقابة.

نحن بلاد لا تقتل الصحافيين، لكنها تقتل الصحافة كل يوم، ونحن بلاد فيها منابر كثيرة، لكن ليس فيها تعددية إعلامية، ونحن بلاد فيها تلفزة واحدة وإذاعة واحدة وشبه جريدة واحدة، وجل الصحافيين يكتبون لقارئ واحد، هو الدولة، ومزاج الدولة، وسياسة الدولة، وقرار الدولة، وحكمة الدولة… وعندما يخرج عازف عن السيمفونية الرسمية يوكل أمره إلى القضاء الذي يعرف المطلوب منه جيدا. وقبل أن يصل «خوارج الصحافة» إلى القضاء، تنهش كلاب «الگورنة» لحومهم، وتستبيح دماءهم لكي يتعظ الآخرون، ويقتنعوا بأن في البلاد حرية للصحافة لكنها حرية مع وقف التنفيذ، وأن وخز إبر الصحافيين مسموح به في جسم المجتمع، لا في جسد الدولة وخدامها وحرسها وميزانياتها وريعها.

طيلة الخمس سنوات الماضية، ظل ملف الحقوق والحريات (حرية التعبير والنشر وتأسيس الجمعيات والتظاهر…) مقفلا على مكتب رئيس الحكومة السابق، الذي أوكل إلى وزارة الداخلية أمر تدبير هذا الملف، وبقي بنكيران يحاول، طيلة ولايته، تقليل الخسائر في هذا المجال الحساس، وعينه على ولاية ثانية يستطيع فيها الاهتمام بالحقوق والحريات، لكن الدولة لم تمهله، وأحالته على التقاعد المبكر عندما أحست بأنه سيرجع إلى رئاسة الحكومة «مسخن كتافو» بنصر انتخابي واضح، وبقية القصة معروفة، ولهذا، عندما صرح إدريس الأزمي، بمناسبة مناقشته البرنامج الحكومي لسعد الدين العثماني، بالقول: «لا تنمية بدون ديمقراطية»، قلت في نفسي إنه اعتراف متأخر بخمس سنوات، فليس على الطاولة الآن ديمقراطية ولا تنمية، والأيام بيننا

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هدية نهاية الخدمة هدية نهاية الخدمة



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 17:14 2018 الأحد ,21 كانون الثاني / يناير

اتحاد كرة القدم يكشف رغبة ريال مدريد في ضم محمد صلاح

GMT 04:38 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

فساتين سهرة للمحجبات من أحدث صيحات موضة الشتاء

GMT 01:05 2012 الإثنين ,29 تشرين الأول / أكتوبر

حناج عيين با بنيه - نقوش بحرينية يتناول انواع نقوش الحناء

GMT 13:28 2015 الأربعاء ,18 شباط / فبراير

أفضل ستة فنادق في مراكش للاستمتاع بالرفاهية

GMT 03:24 2017 الجمعة ,27 تشرين الأول / أكتوبر

قواعد الإتيكيت الخاصة بالتعامل مع زملاء العمل

GMT 00:53 2017 السبت ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد سعد يعود للغناء مرة أخرى بعد ثبوت صحة موقفه
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya