المرافعة 2

المرافعة 2

المغرب اليوم -

المرافعة 2

بقلم - توفيق بو عشرين

عندما تدخل إلى القاعة 7 المخصصة لمحاكمة الصحافيين في محكمة عين السبع، تصادف لوحة كبيرة مكتوب عليها: «إن اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إلىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ» (الآية) فتقول في نفسك: الحمد لله، مازال العدل عملة رائجة في المحكمة، ولو إلى جانب عملات أخرى.

نستأنف رواية ما جرى في محاكمة «قوالب الوزراء»، ونعرض اليوم مرافعة النيابة العامة التي تبنت شكاية الوزيرين أخنوش وبوسعيد، وألبستها رداء الاتهام، ونسيت الالتزام بالتوقيت الذي يفرضه القانون لتحريك الدعاوى القضائية بشأن المادة الصحافية، وهي ستة أشهر، ذلك أن الملف الذي بين أيدينا تقادم، فمن وقت كتابة المقال إلى يوم توجيه الاستدعاء انقضت ستة أشهر، وسقط الملف بالتقادم، لكن سبحان من يحيي العظام وهي رميم.

استمعوا إلى ممثل الحق العام، وكيف يبرر هذا الخطأ الذي وقعت فيه النيابة العامة: «التقادم انقطع منذ يوم وجه وزيرا الفلاحة والمالية طلبا إلى رئيس الحكومة للسماح لهما بمقاضاة جريدة «أخبار اليوم»، وليس من يوم تبليغ الاستدعاء». الدفاع المحترم رد على هذا التأويل للمسطرة الجنائية بما يليق، لكن كاتب هذه السطور سأل ممثل الحق العام سؤالا واحدا: ‘‘بهذا المعنى، السيد نائب وكيل الملك، فقد خلطت بين السلط في المغرب، وجعلت من الوزراء قضاة أو زملاء لك في السلك القضائي. إذا كانت أعمال الوزير التحضيرية جزءا من تحريك الدعوى العمومية، فماذا تقول في المادة السادسة من قانون المسطرة الجنائية التي تنص على: «ينقطع أمد تقادم الدعوى العمومية بكل إجراء من إجراءات التحقيق أو المتابعة تقوم به السلطة القضائية أو تأمر به»؟’’. هذا باب بقي مغلقا طيلة أطوار الدعوى، وسنرى كيف فتحه قاضي الحكم عندما يكتب حكمه.

ممثل النيابة العامة أخذ جملة من كلامي وحاول توظيفها ضدي فقال: «إذا كان رئيس الحكومة يفوض عادة الأمر بالصرف إلى وزرائه في جل الصناديق، فما الداعي إلى افتعال كل هذه الأزمة حول الأمر بالصرف في صندوق تنمية العالم القروي، إذا كان رئيس الحكومة سيفوض الأمر بالصرف إلى أخنوش؟». أخذت الكلمة ونبهته إلى سؤال آخر: «ولماذا نغير الآمر بالصرف في هذا الصندوق إذا كان بنكيران سيفوض إلى أخنوش صرف ملياراته؟ ثم إن التركيز على احترام اختصاصات رئيس الحكومة نابع من الحرص على المشروعية، فوزير الفلاحة لا يمكن أن يصرف ميزانية سبع وزارات وحده دون تفويض من رئيس الحكومة، صاحب السلطة الفعلية، ألا ترى أن أول ما يقوم به رئيس الحكومة بعد تعيينه أنه يصدر مراسيم تفويض سلطاته إلى الوزراء كل في اختصاصه، فالوزير ليس له من سلطة في الدستور إلا ما يعطيه رئيس الحكومة من تفويض. إنها ليست لعبة سياسية. إنه مبدأ دستوري وقانوني». قال ممثل النيابة العامة: «كيف يقول المشتكى به إن رئيس الحكومة لم يكن على علم بتغيير الآمر بالصرف في القانون المالي؟ هذا يسيء إلى الحكومة وطريقة عملها وترتيب شغلها». ردي على هذه الملاحظة كان: «نعم، هذا غير معقول، لكن هل كل شيء غير معقول غير قابل للتحقق؟ أشياء كثيرة حولنا غير معقولة وهي موجودة، ثم إنني باعتباري صحافيا لست معنيا بتجميل وجه الحكومة، والسكوت على ما يسيء إليها. نعم بنكيران اعترف بعظمة لسانه بأنه لم يعلم بتغيير الآمر بالصرف إلا من خلال الصحافة، والأمر كله دار بهذا الشكل: لم يجتمع المجلس الوزاري الذي يقرر في التوجهات العامة لقانون المالية سوى يوم الثلاثاء في طنجة، ويوم الأربعاء عاد الوزراء إلى الرباط، وشرع وزير المالية في طباعة مشروع القانون المالي الذي سيعرض يوم الخميس، ويوضع يوم الاثنين في البرلمان كما يوجب الدستور ذلك، حتى إن بعض الوزراء توصلوا بمشروع القانون المالي في منازلهم ليلة الأربعاء، وفي الصباح ذهبوا إلى المجلس الحكومي، ومرت الأمور بسرعة، ولم يكتشف أمر المادة 30 سوى يوم الاثنين 20 أكتوبر».

السيد ممثل النيابة العامة اخترع لي تهمة جديدة لم يقل بها حتى من اعتبر نفسه متضررا من نشر التحقيق والتعليق عليه، فعندما قلت إن الموضوع أصبح قضية رأي عام، أجابني بالقول: «كادت مقالاتك أن تحدث الفتنة في المغرب، وتزرع الفرقة وسط الحكومة، والدليل هو حجم المقالات والسجالات التي أعقبت افتتاحيتك حول الموضوع». أجبته بالقول: «لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص، وفي حدود علمي المتواضع، ليست هناك جريمة في قانون الصحافة اسمها «إثارة الفتنة» أو «زرع الفرقة وسط العائلة الحكومية». الصحافي عندما يتناول موضوعه لا يضع أمامه ميثاق الأغلبية الحكومية، ولا الأدب السلطاني، الذي يقول: ‘‘ظلم غشوم أهون من فتنة تدوم’’. الصحافي يضع أمامه الحقيقة وطرق الوصول إليها، وحق الناس في معرفتها، حتى وإن حرصت السلطة على تغطيتها بألف جلباب. هذا هو جوهر العمل الصحافي. الباقي يدخل في العلاقات العامة، وهو كثير أمامنا، للأسف الشديد، في جرائد ومجلات وإذاعات وتلفزات…».

أوقف القاضي المناقشات، وأعطى الكلمة للدفاع الذي كان مكونا من الأستاذ الجليل الطيب الأزرق، والأستاذ المقتدر مولاي الحسن العلاوي، اللذين قدما مرافعة تصلح درسا لطلبة المعهد العالي للقضاء (سننشرها كاملة). بعدها أعطاني القاضي الكلمة الأخيرة، فقلت: «إنني لا أطلب البراءة، كما اعتاد الواقفون في قفص الاتهام فعله، بل أطلب العدالة، ولكم واسع النظر، لكنني فقط أثير انتباه المحكمة إلى أن لهذا الملف بابين ظلا مغلقين؛ الأول هو تقادم الدعوى، والثاني هو صحة واقعة جهل بنكيران بتغيير الآمر بالصرف. الباقي تعليق فيه نقد وليس فيه قذفا، بنص القانون، والمحكمة تطبق القانون».
خرجت من المحكمة وفي ذهني قصة تلك المرأة التي وقفت في المحكمة الفدرالية الأمريكية تقول لكبير القضاة: «احكم يا سيدي بالحق»، فرد عليها بالقول: «المحكمة، يا سيدتي، لا تحكم بالحق، بل تحكم بالقانون».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المرافعة 2 المرافعة 2



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 21:14 2019 الجمعة ,06 أيلول / سبتمبر

تجنب اتخاذ القرارات المصيرية أو الحاسمة

GMT 19:24 2020 الأحد ,02 شباط / فبراير

اتيكيت التعامل مع كبار السن

GMT 05:33 2020 الخميس ,16 كانون الثاني / يناير

اتيكيت العريس عند التقدم للخطبه

GMT 18:30 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

وفاة الفنان المصري الكبير محمد خيري بعد صراع مع المرض

GMT 09:37 2019 الثلاثاء ,22 كانون الثاني / يناير

المسماري يطالب لبنان بالاعتذار عن حادث العلم الليبي

GMT 14:54 2019 الإثنين ,14 كانون الثاني / يناير

افضل عطور "جيفنشي" للتمتع بسحر وجاذبية في امسياتك الراقية

GMT 11:50 2019 الثلاثاء ,01 كانون الثاني / يناير

حاكم الفجيرة يستقبل أعضاء الاتحاد الإماراتي للرماية

GMT 00:49 2017 الجمعة ,29 كانون الأول / ديسمبر

مجلس المرأة العربية يجدد دعوته لدعم ذوي الحاجات الخاصة

GMT 05:19 2017 الثلاثاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

84,001 عدد الأجانب المقيمين في المغرب

GMT 04:01 2017 الثلاثاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

خليفة حفتر يعلن انتهاء اتفاق "الصخيرات" ويواجه دول الجوار

GMT 15:39 2017 الخميس ,14 كانون الأول / ديسمبر

خلال ختام مهرجان دبي السينمائي في نسخته الرابعة

GMT 18:37 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

رياض محرز يوجّه رسالة للاعبين الشباب ويروي تجربته

GMT 16:24 2017 الأحد ,03 كانون الأول / ديسمبر

وفاة شخصين في حادث سير على طريق الخميسات -الرباط

GMT 03:47 2017 الخميس ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يستضيف رئيس الوزراء الليبي فائز السراج يوم الجمعة

GMT 07:59 2017 الثلاثاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

لاعبان في النادي القنيطري مهددان بالطرد من شقتهما

GMT 18:15 2017 الإثنين ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل طفلين وإصابة امرأة بجروح خطيرة بحادث سير في تيفلت
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
Libya Today News
Libya Today
Salah Eldain Street
Hay Al-Zouhour
Tripoli
Tripoli, Tripoli District, 218 Libya