ماذا بعد إقالة العماري

ماذا بعد إقالة العماري؟

المغرب اليوم -

ماذا بعد إقالة العماري

بقلم : توفيق بوعشرين

قبل أن ينتقل الشاب عماد العتابي إلى جوار ربه، بعد إصابته القاتلة في تظاهرة 20 يوليوز بالحسيمة، أخذ معه أشهر سياسي في الريف إلى تقاعد سياسي مبكّر بعد سنتين فقط من تعيينه أمينا عاما لحزب الأصالة والمعاصرة. ليس غريبا أن يشكل الريف رأسمالا سياسيا صعد على ظهره إلياس العماري إلى مواقع السلطة والنفوذ، وأن يشكل في الوقت ذاته القشة التي قصمت ظهر الأمين العام لحزب السلطة، الذي باع للدولة وهم المصالحة مع الريف، ووهم التصدي للإسلاميين، ووهم استقطاب الشباب إلى قاعدة حكم الملك الجديد، ووهم تطبيق توصيات تقرير الخمسينية الذي روجته «النخبة المولوية» باعتباره مانفستو العهد الجديد.

أنا لا أطلق الرصاص على الأموات ولا على سيارات الإسعاف، أو على من في حكمهم، وهذا الكلام قلته منذ اجتمع فواد عالي الهمة وإلياس العماري وحكيم بنشماس ومصطفى الباكوري وحسن بنعدي… وآخرون في كلوب نوتيك على ضفاف نهر أبي رقراق سنة 2008، لإعلان تأسيس حركة لكل الديمقراطيين، وكتبت آنذاك عمودا في جريدة «المساء» تحت عنوان «الفديك Bis»، في إحالة على جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية التي شكلها صديق الحسن الثاني، رضى اكديرة، في الستينات، وقال لي آنذاك فؤاد عالي الهمة إنني مخطئ، وإنني أرتدي نظارات قديمة، ولا أريد أن أرى الواقع الجديد، وإن الديمقراطيين الجدد لا ينوون تشكيل حزب جديد، وإن كل وظيفتهم أن يقدموا عرضا سياسيا جديدا لكل الأحزاب السياسية، علها تواكب ثورة العهد الجديد، وتنفض عن نفسها العباءة القديمة، حيث تختبئ الأحزاب إما خلف الوطنية، وإما خلف الدين… وأحيانا القدير حتى رأينا البام يختبئ خلف القصر، ويدعي أنه جاء لتطبيق المشروع الحداثي الديمقراطي لجلالة الملك، الذي حولوه إلى رأسمال سياسي خاص بفئة دون أخرى، واستعملوا اسمه وهيبته كما لم يحدث في كل تاريخ المغرب الحديث، وفي النهاية، ماذا كانت الحصيلة؟

العدالة والتنمية كان حزبا محافظا ومنغلقا على ذاته، فصار تيارا مجتمعيا واسعا يصوت له حتى من لا يقاسمه الإيديولوجيا نفسها والقيم المجتمعية ذاتها، والأحزاب التقليدية التي جاء البام ليوقظها من سباتها تسبب في إدخالها غرفة الإنعاش، حيث هجرها الرحل الانتهازيون الذين قفزوا إلى الجرار، والشباب الذي جاء البام لدعوته إلى ممارسة السياسة بطريقة أخرى، وتحبيب العهد الجديد إلى قلبه، هو نفسه الذي خرج في 20 فبراير يرفع شعارات ضد الدولة وحزبها ونخبها، ويطالب بالحرية الكرامة والشغل، ودستور لا غالب فيه ولا مغلوب، أما المشروع المجتمعي الحداثي، الذي حمل البام لواءه، فإنه انتهى بين يدي ميلودة حازب والشكايل واللبار… ونخبة من الأعيان والشناقة وسماسرة الانتخابات الذين طافوا على كل الأحزاب وشعارهم ‘‘الله ينصر من أصبح’’… هكذا انتهت مغامرة تأسيس حزب الدولة، وإذا كان الحسن الثاني بكل قوته، واكديرة بكل دهائه، لم ينجحا في نفخ الروح في حزب اصطناعي في زمن غير الزمن ومغرب غير المغرب، فلكم أن تتصوروا النتيجة التي انتهى إليها الجرار الذي قال عنه يوما ولد العروسية في مراكش، مستهزئا بدخوله إلى التنافس الانتخابي في المدن: «التركتور حدو البادية ولا يدخل إلى المدن»، وكذلك كان. لم يحرث ولم يحصد جرّار إلياس العماري غير الجماعات القروية حيث يد المخزن مازالت قوية، والوعي السياسي مازال ضعيفا، لكن البادية اليوم لا تشكل سوى 30% من سكان المدن، في الوقت الذي كانت تشكل في بداية القرن 90%.

إزاحة بقايا التحكم من قيادة البام لن تعطيه شهادة ميلاد شرعية، ولن تجعله يفلت من مدفعية بنكيران الذي أعطب هذا الحزب، وصار يفتخر بذلك، ويطلب من المغاربة أن يعترفوا له بهذا الإنجاز. إزاحة حلقة الوصل الأساسية بين الدولة والحزب ستجعل منه مخلوقا سياسيا بلا هوية، وسرعان ما ستنشب داخله حروب ملوك الطوائف لتقسيم تركة باخرة بلا ربان.

طبعا الذين أزاحوا إلياس عن قيادة الحزب الإداري الأول في المغرب، لم يفعلوا ذلك لأن ضميرهم استيقظ، أو لأنهم اقتنعوا بأن الأحزاب مثل الأشجار لا تكبر ولا تثمر إذا لم تكن لها جذور في الأرض وعروق في التربة… الذين أزاحوا ابن الريف عن قيادة حزبهم، يريدون المرور من خلق بعض الأحزاب إلى قتل كل الأحزاب، ومن التأثير في السلوك الانتخابي للمغربي، إلى قتل السياسة التي جعلت من بنكيران زعيما، ومن العدالة والتنمية وجع رأس، وخلقت شبابا متمردا يدخل إلى الفايسبوك ويخرج إلى الشارع دون خوف ولا وجل ولا شعور بأن في البلاد مخزنا وسلطة وأعرافا وتقاليد… خروج العماري من قيادة الجرار له ما بعده، وانتظروا الضربة المقبلة على رأس من ستنزل.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ماذا بعد إقالة العماري ماذا بعد إقالة العماري



GMT 09:36 2020 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

الغربة أكثر برودة حين تصيبك في حضن الوطن

GMT 04:48 2017 الجمعة ,11 آب / أغسطس

سورية كما عرفتها وأحببتها

GMT 04:39 2017 الجمعة ,11 آب / أغسطس

الناصريون وجمال عبدالناصر

GMT 04:33 2017 الجمعة ,04 آب / أغسطس

مشروع جديد لقتل السياسة

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 17:52 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

جلاب جامون

GMT 13:08 2015 الثلاثاء ,21 إبريل / نيسان

عالجي التواء كاحلك بالكركم

GMT 02:12 2017 الثلاثاء ,31 تشرين الأول / أكتوبر

تناول عصير الكرز يوميًا يساعد على النوم بشكل أفضل

GMT 01:50 2017 الخميس ,06 إبريل / نيسان

ماري لوي تكشف كيفية الارتقاء بالصناعة المصرية

GMT 16:29 2017 الثلاثاء ,22 آب / أغسطس

شخص يدفن ابنته الرضيعة حية في تارودانت

GMT 11:31 2017 الجمعة ,27 تشرين الأول / أكتوبر

شخصية مثلية في مسلسل "ديزني" الجديد تثير جدلاً واسعًا

GMT 13:04 2017 الثلاثاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

بدر كادارين يغيب عن لقاء العودة أمام اتحاد العاصمة

GMT 09:44 2017 الثلاثاء ,11 إبريل / نيسان

ملتقى بغداد السنوي الثاني لشركات السفر والسياحة

GMT 00:24 2016 الإثنين ,30 أيار / مايو

طريقة عمل القرشلة او شابورة الحمص

GMT 10:48 2014 الجمعة ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفنانة مريم حسين تنصح الفتيات باختيار زوج ثريّ

GMT 14:29 2017 الثلاثاء ,31 كانون الثاني / يناير

الفنان محمد عشوب يكشف أسرارا عن الفنانة مريم فخر الدين

GMT 00:07 2014 الأحد ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

سوسيس مشوي

GMT 14:34 2016 الخميس ,11 شباط / فبراير

أسرار وحقائق عن ليلة الدخلة

GMT 10:39 2016 الجمعة ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

حجر الزفير من المجوهرات المطلوبة لفصل الشتاء
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya