الأمير المنبوذ

الأمير المنبوذ

المغرب اليوم -

الأمير المنبوذ

بقلم : توفيق بوعشرين

صيف الخليج هذا العام أكثر سخونة من باقي الأعوام، لأن ترامب مر من هناك، فبمجرد أن أقلعت طائرته من الرياض محملة بأكثر من 460 مليار دولار ثمن فتح صفحة جديدة من التحالف بين واشنطن والمملكة الوهابية، حتى اشتعلت النار في بيت مجلس التعاون الخليجي، حيث أعلنت السعودية والإمارات والبحرين ومعهما مصر قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر، وإغلاق الحدود البرية والبحرية معها وإقفال المجال الجوي أمام طائراتها عقابا لها على دعم الإرهاب المتمثل في مساندة حركة حماس، واستضافة الإخوان المسلمين المطاردين من قبل الجنيرال السيسي … قطر ردت على التصعيد غير المسبوق في الخليج برفض تهمة دعم الإرهاب، ورفض الوصاية على اختياراتها الدبلوماسية، باعتبارها دولة ذات سيادة وقالت حكومتها إنها لن ترضخ لضغوط الإخوة الأعداء…

ماذا كان موقف الإدارة الأمريكية من هذه الأزمة التي انفجرت في شرق لا تنقصه الفوضى؟ الرئيس الأمريكي ترامب بارك الحملة السعودية الإماراتية البحرينية ضد قطر، وألمح في تغريدة على التويتر إلى أن عزل قطر بداية جيدة لتجفيف منابع الإرهاب في المنطقة، لكن وزارة الخارجية الأمريكية أمسكت العصا من الوسط وأوصت بحل الخلاف بالوسائل الدبلوماسية. أما وزارة الدفاع (البنتاغون)، فقد أثنت على تعاون قطر مع الجيش الأمريكي في محاربة الإرهاب، وعن عدم وجود أي نية لها لنقل القاعدة العسكرية “العيديد” الموجودة في قطر إلى مكان ثان.. هكذا تعزف القوة الأكبر في العالم على ثلاثة ألحان مختلفة، بل ومتناقضة إزاء أزمة واحدة، وهذا لا يعكس فوضى غير خلاقة في واشنطن، لكنه يظهر حجم احتقار أمريكا لعرب الخليج، وسعي واشنطن إلى إرضاء الجميع وعدم إرضاء أحد في الوقت نفسه، لأن الأهم بالنسبة إليها المصالح، ولا شيء غير المصالح.

دول الخليج المتصارعة اليوم فيما بينها كلها أنظمة وراثية، وكلها اقتصادات طاقية، وكلها دول ريعية، وكلها أنظمة سلطوية، وكل دولها أعضاء في النادي الأمريكي، وكلها دول إسلامية يغلب الطابع السني على فقهها، فما الذي يجعلها تتصارع فيما بينها وتصرف ملايين الدولارات على اللوبيات النشيطة في أمريكا لكي تفسد علاقات بعضها البعض مع واشنطن، كما أظهرت تسريبات السفير الإماراتي في أمريكا الذي يشتغل بهمة عالية لتلويث صورة شقيقه القطري في بلاد العم سام…

جوهر الخلاف بين قطر والرياض ينصب حول وصاية السعودية على الخليج، فالأمير المنبوذ اليوم من عشيرة الخليج تميم بن حمد كما والده لا يسلمان بزعامة الرياض على الخليج، ومنذ 1996 وقطر تسعى ليكون لها صوت مغاير في الخليج، ولهذا سعت إلى اكتساب كل عناصر القوة الناعمة لكي تخرج من تحت عباءة الأخ الأكبر، حيث استثمرت في الإعلام ( الجزيرة وما جاورها)، وفي الرياضة وفي القضية الفلسطينية وفي شبكات ومراكز التأثير في القرار العالمي مستعينة بمداخيل الغاز الوفيرة، وبالتحالف مع أمريكا، وبحمل راية الدفاع عن الشعوب العربية وحقها في الحرية والديمقراطية والتغيير، وإن كانت هي نفسها تستثني شعبها من هذا التوجه الليبرالي جدا …

السعودية لم تعط لترامب 460 مليار دولار عقود سلاح وتجارة واستثمارات من أجل أن تجد الأخ الأصغر قطر يلعب خارج مضارب القبيلة، ويفسد خطة عزل إيران بالحديث عن الحوار مع طهران، والدعوة إلى حل الخلافات معها في سوريا واليمن ولبنان والعراق بالتي هي أحسن، وإلا ما فائدة الجزية التي دفعها خادم الحرمين الشريفين إلى آل ترامب… ولهذا بمجرد أن تأكدت الرياض أن الولايات المتحدة ملتزمة ببنود الصفقة السياسية الجديدة، حتى تحركت مع حلفائها لإنهاء تمرد قطر، عن طريق خنقها برا وبحرا وجوا وطرد مواطنيها من الرياض وأبوظبي والمنامة، وقطع أي صلة لاقتصادها مع اقتصاديات البلدان الثلاثة ومحاولة تأليب الدول العربية الحليفة للرياض ضد الدوحة، وكل هذا من أجل أن تغير القياد القطرية من توجهها السياسي والدبلوماسي، وأن تدخل إلى خيمة شيخ القبيلة، وأن تطرد حركة حماس من أرضها، ومعها رموز الإخوان المسلمين المقيمين في قطر، وأن تغير خط تحرير قناة الجزيرة، وأن تلغي من قاموس الأخيرة اسم انقلاب السيسي عن الحكم الشرعي لمرسي، وألا تتكلم الفارسية مع الإيراني، وأن تضع حدا لنشاط مركز عزمي بشارة الذي يوفر المادة الفكرية والنظرية للثورات والإصلاح الديمقراطي!

الديمقراطية لا تكفل فقط، لمواطني الدول أن يعيشوا كما يستحقون، الديمقراطية تكفل السلم والأمن والتعاون في مجتمع الدول، ولهذا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية سنة 1945 لم نر أي دولة ديمقراطية تدخل في حرب مع دولة ديمقراطية أخرى. لماذا؟ ببساطة لأن الشعوب هي التي تحكم في البلدان الديمقراطية، والشعوب اليوم، لا تقاتل بعضها البعض مهما حصل من خلاف وتباين في وجهات النظر…

آخر تحذير أطلقته تغريدات التويتر التي تسخر من صراع شيوخ القبيلة (حديثي الدولة)، تقول إن السعودية والإمارات والبحرين حذرت قطر من مغبة أن تسقط في أراضيها أية كرة قدم إبان مونديال 2022، الذي تحتضنه الدوحة، وإلا فإن كل الكرات التي ستسقط خارج حدود الإمارة ستتعرض للتمزيق الفوري ….

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأمير المنبوذ الأمير المنبوذ



GMT 08:07 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أخبار مهمة أمام القارئ

GMT 08:04 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الإمارات والأردن.. توافق لأمن المنطقة

GMT 08:01 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أسوأ عقاب أوروبى لأردوغان

GMT 07:59 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لهذا تقود أمريكا العالم!

GMT 07:57 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كسر الحلقة المقفلة في اليمن

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 11:14 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم الإثنين 9 تشرين الثاني / نوفمير لبرج القوس

GMT 15:51 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج العذراء

GMT 11:04 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم الإثنين 9 تشرين الثاني / نوفمير لبرج العذراء

GMT 00:58 2020 الثلاثاء ,28 كانون الثاني / يناير

دراسة تحدّد الأطفال الأكثر عرضة لخطر السكري من النوع الثاني

GMT 19:55 2019 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

رشيد دلال مساعدا للكيسر في تدريب أولمبيك آسفي

GMT 05:10 2016 السبت ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران تستضيف أعمال الفن العربي الحديث في متاحفها

GMT 07:35 2020 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

غوايدو يدعو الفنزويليين للاحتجاجات ضد مادورو

GMT 17:50 2019 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وهبي يراسل وزير الصحة بشأن غياب دواء مرضى السرطان

GMT 01:40 2018 السبت ,10 آذار/ مارس

رجل يشكو زوجته لسوء سلوكها في طنجة
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya