العثماني والحكومة المنعم عليها

العثماني والحكومة المنعم عليها

المغرب اليوم -

العثماني والحكومة المنعم عليها

بقلم : توفيق بو عشرين

كان الطبيب النفسي منسجما مع نفسه ومع المرحلة الراهنة ومع وضعه حين قال، في مستهل أول كلمة له أمام وزراء حكومته في المشور السعيد: «إننا معتزون بالثقة التي وضعها جلالة الملك في هذه الحكومة»، ولم يشر إلى الثقة التي وضعها الناخب في هذه الحكومة، ولا شكر المواطنين الذين أعطوا أصواتهم التي حملت أحزابا كبيرة وصغيرة إلى السلطة حتى جلس وزراؤها حول طاولة المجلس الحكومي. وأنا شخصيا لا ألوم الدكتور على هذا «النسيان» أو هذا «السهو». فعلا، العثماني ليس في عنقه أي التزام للناخبين، والحكومة الحالية خرجت مفصولة عن نتائج الاقتراع، والناخبون لم يعاقبوا الاتحاد الاشتراكي والأحرار والحركة الشعبية والاتحاد الدستوري ليشاهدوهم جالسين حول كعكة الحكومة، ولهذا فعل العثماني الصواب عندما لم تشكر مليوني مواطن أعطوا حزبه أصواتهم ليدخل إلى مجلس النواب بـ125 نائبا، فالحكومة حكومة «القوة القاهرة»، وليست حكومة صناديق الاقتراع.

في أول كلمة يلقيها الدكتور العثماني على أسماع وزرائه، أوصاهم بالانسجام والتنسيق في ما بينهم، وحثهم على تحمل مسؤوليتهم السياسية باعتبارهم وزراء وليسوا موظفين كبارا، ووعد بالاستمرار في الأوراش الإصلاحية المفتوحة والزيادة في أخرى.

هذا كلام جميل يا دكتور، لكن، كيف تطلب من الوزراء أن يتصرفوا كمسؤولين سياسيين وأنت أولهم لم تتصرف كرئيس حكومة مسؤول من حقه اختيار الأغلبية التي يراها منسجمة وتخدم برنامجا وتوجها عاما، وقبلت بتركيبة حكومية هجينة لا يجمع بين أحزابها سوى كراسي الحكومة. الوزراء الذين يجلسون أمامك يعرفون أنك لم تكن تريد الاتحاد الاشتراكي في حكومتك، ويعرفون أنك لم تكن تريد وزير الداخلية، عبد الوافي الفتيت، على يسارك، ويعرفون أنك أعطيت النواة الصلبة لوزارات القطاع الاقتصادي كرها لأخنوش، وليس طوعا، وأن، وأن، وأن… إذن، إذا كانت الصفقة الحكومية كلها مبنية على ميزان قوى مختل، وعلى تجاوز للدستور، وعلى إقصاء لإرادة الناخبين، فلماذا سيتصرف الوزراء الباقون كسياسيين وفق توجيهات الرئيس، الذي لم يحترم هو نفسه ما يوصي به الآخرين.

ثم، يا سيادة الرئيس، إذا كنت تريد الالتقائية والتنسيق بين الوزارات، فكيف تصنع حكومة من 39 وزيرا ووزير دولة ووزيرا منتدبا وكاتب دولة؟ وكيف تحشر سبعة أحزاب في حافلة الحكومة ثم تطلب منها أن تسير بسرعة، في حين أن كل واحد من الأحزاب السبعة (حزب التقنوقراط سابعهم) له وجهة مغايرة، وسرعة مغايرة، وطريق مغاير؟ لقد جرى تقطيع أوصال الوزارات لإرضاء الأحزاب الجائعة، وجرى تقسيم القطاعات خارج أي اعتبار للتكامل وللالتقائية، ولهذا، فإن وزراء الحكومة سيتصرفون مثل ملوك الطوائف، وجلهم لن يضرب حسابا لرئيس حكومة يرون أنه محظوظ مثلهم، وجرى الإنعام عليه مثلهم، واختير من قبل السدة العالية مثلهم، ويجري تيسير أموره مثلهم، وجاء ليعوض بنكيران وأسلوبه مثلهم، ولهذا، لا فضل لأحد على أحد إلا بالقرب من الدولة والاستعداد لخدمتها.

أفضل شيء يقوم به رئيس الحكومة الجديد هو عدم رفع سقف انتظارات المغاربة ومخاطبتهم بلغة واقعية، فعندما يجلس شخصان على ظهر الحصان نفسه، فلا بد أن يجلس أحدهما خلف الآخر.

الكرة الآن ليست في ملعب حكومة ولدت مشوهة وضعيفة في عيادة «يدي ويد القابلة».. الكرة الآن في ملعب الأحزاب السياسية الديمقراطية، والمجتمع المدني الحي، والشباب الذي رعى تجربة الربيع المغربي. كل هؤلاء مطالبون باليقظة تجاه موجة تراجعات كبيرة سيشهدها المغرب في كل المجالات، بعدما أعادت السلطوية الانتشار من جديد، وطوت نتائج الاقتراع، وأقفلت قوس 2011، وختمت الدستور الجديد بطابع قديم، وأحالت مرحلة كاملة على كتب التاريخ، فيما الواقع يتخذ وجهة أخرى مغايرة تماما… هذا هو الممكن الآن.. حساب الخسائر ومنع الأسوأ، أما تخدير الناس بجرعات أمل غير حقيقية، فهذا اسمه عمل من أعمال السحر.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العثماني والحكومة المنعم عليها العثماني والحكومة المنعم عليها



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 17:14 2018 الأحد ,21 كانون الثاني / يناير

اتحاد كرة القدم يكشف رغبة ريال مدريد في ضم محمد صلاح

GMT 04:38 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

فساتين سهرة للمحجبات من أحدث صيحات موضة الشتاء

GMT 01:05 2012 الإثنين ,29 تشرين الأول / أكتوبر

حناج عيين با بنيه - نقوش بحرينية يتناول انواع نقوش الحناء

GMT 13:28 2015 الأربعاء ,18 شباط / فبراير

أفضل ستة فنادق في مراكش للاستمتاع بالرفاهية

GMT 03:24 2017 الجمعة ,27 تشرين الأول / أكتوبر

قواعد الإتيكيت الخاصة بالتعامل مع زملاء العمل

GMT 00:53 2017 السبت ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد سعد يعود للغناء مرة أخرى بعد ثبوت صحة موقفه
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya