عياش من درجة وزير

عياش من درجة وزير..

المغرب اليوم -

عياش من درجة وزير

بقلم : توفيق بوعشرين

تحول، بين عشية وضحاها، وزير الطاقة والمعادن، عزيز الرباح، إلى مناضل ليبرالي وديمقراطي عريق، غيور جدا على القانون الداخلي للحزب، الذي يحدد عمر الأمين العام للحزب في ولايتين غير قابلتين للتمديد. ولأن الرباح رجل مؤمن بالتداول على السلطة في الحزب، فقد صرح لوسائل الإعلام، قبل أن يدخل إلى قاعة المجلس الوطني، بالقول : «لسنا عبدة أصنام، ونحن حزب المؤسسات، ولدينا قيادات من الطراز الرفيع». طبعا هذا الكلام «الغليظ» موجه كله ضد بنكيران، الذي أزيح عن منصب رئاسة الحكومة بطريقة غير ديمقراطية، وموجه إلى رأي في الحزب يريد الحفاظ على استقلالية القرار الحزبي، ويريد أن يحصن هوية الحزب الإصلاحية حتى لا يتحول المصباح إلى سلم يصعد عليه المتسلقون إلى الكراسي الوزارية، ثم يتنكرون له عندما يصيرون جزءا من بطانة السلطة.

الرباح لا يريد أن يعبد صنم بنكيران، لكن لا مانع لديه من أن يخر ساجدا كل صباح لأصنام السلطة وآلهة الحكم، والرباح متحمس جدا للحفاظ على بنود القانون الداخلي للحزب، لكن خرق دستور البلاد كل يوم لا يهز شعرة في رأسه، بل، بالعكس، هو ومن يدور في فلكه يجدون آلاف تبريرات لعودة السلطوية إلى البلاد، فقط من أجل أن يظلوا قريبين من معبد الحكم، حتى وإن كانوا يؤدون أدوارا صغيرة جدا، وحتى وإن كانوا أجراء لا شركاء، فالرباح، ومن على شاكلته في الأحزاب السياسية، يعتبرون أن السلطة هي الأصل، والباقي كله فروع، بما في ذلك الشعب الذي أوصلهم إلى ما هم فيه الآن.

«أنا رجل المشروعية»، يقول الرباح، الذي كاد يجن خلال الخمسة أشهر التي كان فيها بنكيران يصارع من أجل ولادة حكومة قوية ووفية لروح السابع من أكتوبر، وكان يردد في كواليس الحزب انتقادات لاذعة لتصلب بنكيران مع أخنوش، ومع المفاوضين الذين يقفون خلف أخنوش، وكان رأي الرباح، منذ الأسابيع الأولى، أن يدخل الاتحاد الاشتراكي إلى الأغلبية، وأن ينحني بنكيران للعاصفة، وأن يبتعد عن حزب الاستقلال، وأن يصير المصباح عبدا مشرط الحناك بدعوى الخوف من القطيعة مع القصر، وتفويت الفرصة على الذين يريدون إفساد الود بين الإخوان والدولة! والرباح يصير مع المشروعية فقط عندما توافق هوى المخزن، الذي يعبده ويذبح له القرابين في كل مناسبة يتعرض الحزب فيها لاختبار الاستقلالية والمصداقية… مرة قال بنكيران لأحد مبعوثي القصر، بطريقة تجمع بين الجد والهزل على طريقة زعيم العدالة والتنمية: «كنت أسعى دائما إلى أن أجعل من قادة حزب العدالة والتنمية ملكيين، لكن يبدو أن بعضهم أصبحوا مخزنيين وليس فقط ملكيين!».

الرباح لا يخترع العجلة، هو فقط يمشي على درب من سبقه من أعضاء «النخبة المولوية» في الأحزاب السياسية، الذين جعلوا من أنفسهم جسرا يعبر منه الاستبداد إلى الأحزاب السياسية، بدافع الخوف أو الطمع، أو كليهما، وهذه النخبة تقوم بتجارة مزدوجة، تبيع حزبها للمخزن، وتبيع المخزن لحزبها، وتتصور أنها ذكية و«شاطرة»، وأنها ستربح على الواجهتين، وفي النهاية فهي لا تخدم حزبها ولا الدولة، بل تعمق عزلة الأحزاب والدولة عن المجتمع، وتعرض البلاد لعدم الاستقرار، وتضعف مسار التحول الديمقراطي.

أنا أفهم وأقدر رأي أحمد الريسوني الذي يعارض ولاية جديدة لبنكيران من منطلق فهمه للسياسة وتقديره للمرحلة، لكني لا أفهم رأي الرباح، الذي لم تعرف له سابقة في الدفاع عن الديمقراطية ولا عن دولة الحق والقانون، ولا أفهم موقف الوزير الداودي، الذي قبل الاستوزار من قناة غير حزبية (لم يقترحه رئيس الحكومة سعد الدين العثماني في اللائحة الأولى للوزراء حتى جرى تنبيهه، وأغلب الظن أن الإصرار على دخوله إلى الحكومة جاء لإغاظة بنكيران، وعزله في الأمانة العامة للحزب). كيف يقبل مناضل في الحزب الاستوزار من خارج الدستور، بعيدا عن اقتراح رئيس الحكومة، ولا يقبل تغيير قانون داخلي للحزب يحدد عدد ولايات الأمين العام، الذي كان الرباح والداودي يؤاخذان كاتب هذه السطور عندما كان ينتقد سياسته وقراراته عندما كان رئيسا للحكومة، وكانوا يعتبرونه فوق نقد الصحافة. الآن صار صنما وجب تحطيمه، فقط لأن الدولة نفضت يدها منه، ولو كتب لبنكيران أن يشكل الحكومة الثانية لدخل الذين يرفعون عقيرتهم بالدفاع عن المشروعية جميعا إلى الصف، كما قال بنكيران يوما للرباح في إهانة علنية أمام الآلاف من الناس، ولم يجرؤ سعادة الوزير على الرد لأنه يعرف من أي طينة سياسية هو.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عياش من درجة وزير عياش من درجة وزير



GMT 08:07 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أخبار مهمة أمام القارئ

GMT 08:04 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الإمارات والأردن.. توافق لأمن المنطقة

GMT 08:01 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أسوأ عقاب أوروبى لأردوغان

GMT 07:59 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لهذا تقود أمريكا العالم!

GMT 07:57 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كسر الحلقة المقفلة في اليمن

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 11:14 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم الإثنين 9 تشرين الثاني / نوفمير لبرج القوس

GMT 15:51 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج العذراء

GMT 11:04 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم الإثنين 9 تشرين الثاني / نوفمير لبرج العذراء

GMT 00:58 2020 الثلاثاء ,28 كانون الثاني / يناير

دراسة تحدّد الأطفال الأكثر عرضة لخطر السكري من النوع الثاني

GMT 19:55 2019 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

رشيد دلال مساعدا للكيسر في تدريب أولمبيك آسفي

GMT 05:10 2016 السبت ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران تستضيف أعمال الفن العربي الحديث في متاحفها

GMT 07:35 2020 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

غوايدو يدعو الفنزويليين للاحتجاجات ضد مادورو

GMT 17:50 2019 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وهبي يراسل وزير الصحة بشأن غياب دواء مرضى السرطان

GMT 01:40 2018 السبت ,10 آذار/ مارس

رجل يشكو زوجته لسوء سلوكها في طنجة
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya