ها هي الثروة وماذا بعد

ها هي الثروة وماذا بعد؟

المغرب اليوم -

ها هي الثروة وماذا بعد

بقلم - توفيق بو عشرين

وأخيرا جاء الجواب عن السؤال اللغز: أين الثروة؟ الخبر السار أن الثروة الموجودة في المغرب تقدر بـ13000 مليار درهم، أي إننا إذا «بعنا» المغرب، بشرا وحجرا وماء وطبيعة وتراثا وتاريخا، غدا لشركة أو دولة أو بنك، فإننا سنضع في جيبنا 13 ألف مليار درهم (حوالي 1300 مليار أورو).. لحسن الحظ أن الأوطان لها قيمة وليس لها ثمن.
الخبر غير السار أن 70% من هذه الثروة غير مادية، والأكثر سوءا أن توزيع هذه الثروة غير عادل تماما، أي أن قلة قليلة تتمتع بخيرات المغرب، والأغلبية المحرومة إما تتفرج، أو تشحذ، أو تنتج خطاب الحقد الطبقي، أو ترفع أكف الدعاء إلى السماء يأسا من الأرض.
هذا ما خلصت إليه آخر دراسة قام بها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي مع بنك المغرب، امتثالا للأمر الملكي الذي طلب من هاتين المؤسستين أن تقوما بالبحث عن الثروة المغربية، وعرضها على عموم المغاربة، الذين يشغلهم هذا السؤال منذ عقود، ويتساءلون، كلما ضاقت بهم السبل، عن مصير ثروات البر والبحر والشمس والسماء والإنسان.
لما أطلق الملك نداء ‘‘أين الثروة’’ قبل ثلاث سنوات، خرجت مئات التعليقات والنكت والقفشات على مواقع التواصل الاجتماعي. كل واحد أجاب بطريقته عن هذا السؤال الذي لم يسبق لملك أن طرحه على شعبه؟
الآن نحن أمام جواب يخبر للمغاربة بقيمة بلدهم المادية والرمزية، وينبههم إلى ثلاث حقائق على الأقل:
أولا: أن هذه الثروة ازدادت في عهد محمد السادس (من 1999 إلى 2013) بحوالي الضعفين، فقد ورث الملك الحالي عن والده مغربا بقيمة 5904 ملايير درهم، وهو الآن يساوي أكثر من 13000 مليار درهم، بمعدل زيادة 5% سنويا (لا يعطينا التقرير أرقام بلدان في مستوانا تمكننا من المقارنة والاستنتاج)، لكن يبقى هذا التقدم معتبرا بالنظر إلى المجهودات التي قام بها الملك ونخبة من مساعديه وبعض الوزراء الأكفاء في الحكومات المتعاقبة، حتى وإن جرى هذا التقدم دون اعتبار لقواعد الحكامة الجيدة، ودون مشاركة المؤسسات المنتخبة، وهو ما استنكره الملك نفسه عندما هدد بالزلزال السياسي.
ثانيا: يقول لنا تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي وبنك المغرب إن 73% من هذه الثروة التي توجد في المغرب هي عبارة عن ثروة غير مادية، وإن 27% فقط من هذه الثروة هي المادية، التي يمكن لمسها بالأصابع، وإن الباقي هو تقييم نسبي للرأسمال البشري والاجتماعي والمؤسساتي والثقافي والرمزي، وهو وإن كان له ثمن، فإن قيمته لا ثمن لها، لكن الأكثر مدعاة للحزن أن هذه الثروة غير المادية، في مجملها، غير مستغلة على الوجه المطلوب، وهي معرضة للانخفاض وحتى الزوال، وهنا تقدم الدراسة، على سبيل المثال، إشكالية تثمين الموارد البشرية في بلاد تعليمها معطوب يخرج أفواجا شبه أمية تلتحق بمقاعد البطالة أو بقوارب الهجرة السرية والعلنية إلى الخارج.
ثالثا: تقول لنا الدراسة إن توزيع هذه الثروة، التي ازدادت بحوالي الضعف منذ أن توفي الحسن الثاني إلى تاريخ الشروع في هذه الدراسة (2013)، يعرف اختلالات كبيرة، وإن 10% من الأغنياء يستهلكون أكثر من 33% من خيرات المغرب، أي أن هناك وفرة نسبية في إنتاج الثروة، وفقرا مدقعا في التوزيع، والحاصل أن ثمار هذا النمو لا تصل إلى كل بيوت المغاربة، بل إن الغني يزداد غنى والفقير يزداد فقرا، بحساب تطور مستوى العيش ومستوى حاجيات الأفراد ومستوى الوعي بالحقوق، خاصة في المدن المتوسطة والكبرى.
الدراسة ورغم أنها صادرة عن مؤسستين عموميتين محكومتين بسقف سياسي لا يمكن تجاوزه، فإن بها أرقاما مهمة، وحقائق صادمة، وتوصيات مفيدة، تفسر العطب المغربي، وعلى رأسها فشل السياسات العمومية في قيادة البلد نحو الخروج من خانة الدول الفقيرة إلى الدول الصاعدة، والتنبيه إلى معضلة الفساد الذي لم تجرؤ أي حكومة، منذ الاستقلال إلى اليوم، على التصدي له فعلا، لا قولا، وكذا فشل منظومة التعليم الذي تحول إلى حجر ثقيل في رجل مملكة المغرب… مهم أن ندخل الأرقام والإحصائيات إلى ساحة النقاش العمومي، وأن نسائل حصيلة كل عهد بالأرقام التي لا تكذب، في الغالب، إلا إذا حولنا الأكاذيب إلى أرقام، لكن، لا بد من التنبيه إلى أن تقييم السياسات العمومية وحصيلة المشاريع الكبرى، وشكل الحاضر وملامح المستقبل، لا يتم بعيدا عن تقييم الاختيارات السياسية ونمط الحكم، ومدى التقيد بالمعايير الدولية في الإدارة والسياسة والاقتصاد والاجتماع. إن القراءة «التقنوقراطية» للأزمة تبقى ناقصة دون قراءة سياسية وتاريخية وسوسيولوجية لمشاكل البلاد الحقيقية بشجاعة وتجرد ونزاهة فكرية… لكن، مع كل التحفظات التي يمكن للباحث الموضوعي أن يضعها على هذه الدراسة ومثيلاتها، فإنها تبقى مفيدة، وتحرض على فتح العقول على نقاش أبعاد العطب المغربي قديما وحديثا.
يقول المثل الفرنسي: «حتى الأرقام الخاطئة تعطيك مؤشرات دقيقة عن الوضع الذي توجد فيه».

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ها هي الثروة وماذا بعد ها هي الثروة وماذا بعد



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 11:14 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم الإثنين 9 تشرين الثاني / نوفمير لبرج القوس

GMT 15:51 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج العذراء

GMT 11:04 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم الإثنين 9 تشرين الثاني / نوفمير لبرج العذراء

GMT 00:58 2020 الثلاثاء ,28 كانون الثاني / يناير

دراسة تحدّد الأطفال الأكثر عرضة لخطر السكري من النوع الثاني

GMT 19:55 2019 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

رشيد دلال مساعدا للكيسر في تدريب أولمبيك آسفي

GMT 05:10 2016 السبت ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران تستضيف أعمال الفن العربي الحديث في متاحفها

GMT 07:35 2020 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

غوايدو يدعو الفنزويليين للاحتجاجات ضد مادورو

GMT 17:50 2019 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وهبي يراسل وزير الصحة بشأن غياب دواء مرضى السرطان

GMT 01:40 2018 السبت ,10 آذار/ مارس

رجل يشكو زوجته لسوء سلوكها في طنجة
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya