ليست لنا أوهام…

ليست لنا أوهام…

المغرب اليوم -

ليست لنا أوهام…

بقلم ـ توفيق بو عشرين

متابعة مشروع القانون المالي لهذا العام تشبه مشاهدة فيلم سبق لك مشاهدته. الأهداف نفسها.. الوعود نفسها.. الجمل نفسها… كل عام تدبج وزارة المالية نصا طويلا وترمي به إلى البرلمان، حيث 80% من أعضائها لا يقرؤونه، ومن يكابد عناء قراءته لا يفهمه، ومن يفهمه لا يقدر على تغيير أشياء مهمة فيه.
لا عتاب شخصي على أحد منذ عقود، والبلد يصب الماء في الطاحونة.. الكعكة صغيرة، وكيفما قسمتها فلن ترضي أحدا، لأن المغرب يدبر الندرة ولا يوزع الوفرة، يدير الأزمة ولا يحلها. نسبة النمو رهينة بسقوط المطر وسعر البترول وتحويلات المهاجرين، وعدد السياح الأجانب الذين يختارون الشمس المغربية كل سنة. الباقي لا يهم في بلاد لا تصدر إلى الخارج سوى الفوسفاط، وهو نعمة من الله لا دخل للبشر فيها، وسيارات مصنوعة في فرنسا ومركبة في طنجة بلا قيمة مضافة تذكر، وبعض المنتجات الفلاحية، وشيء من السمك إلى الاتحاد الأوروبي. هذا هو المغرب، لا صناعة جديدة أو قديمة، ولا خدمات متطورة، ولا تكنولوجيا حديثة، ولا اقتصاد رقمي، ولا ابتكار ولا إبداع لنفهم تطور الاقتصاد الحديث. نعطي نموذجين؛ الأول هو تطبيق RBNB الخاص بكراء المنازل الخاصة في العالم، والذي يوفر خدمة مباشرة بين الزبناء وأصحاب المنازل دون المرور إلى أي وسيط، ودون الذهاب إلى الفنادق. الشركة التي تملك هذا التطبيق تساوي اليوم في البورصة 34 مليار دولار، في حين أن أكبر مجموعة فندقية في فرنسا Groupe Accor، والسادسة عالميا، المنتشرة فنادقها في كل العالم، لا تساوي سوى 11 مليار دولار، في حين تملك هذه المجموعة 4100 فندق، وتشغل لحسابها 240 ألف موظف في 95 بلدا حول العالم، فيما لا تملك شركة RBNB حائطا واحدا في فندق، ولا تشغل سوى العشرات من الذين يطورون التطبيق العجيب الذي يربط ملايين البشر حول العالم… هذا نموذج لاقتصاد الغد، وهو اقتصاد مبني على ثلاث دعائم أساسية؛ الأولى هي الابتكار غير المحدود المعتمد على المادة الرمادية في الرؤوس الآتية من التعليم، ومناخ مساعد على الإبداع، والثانية هي السوق العالمية المفتوحة في وجه المنتجات الجديدة العابرة للحدود دون إذن، والتي تحطم كل الوسائط التقليدية للسوق، ومنها الجغرافيا والحدود وسيادة الدول ومنظومة القوانين المحلية، وشبكة الوسطاء بين المنتج والمستهلك، والثالثة هي أنترنت الأشياء internet des objets، الذي أصبح ليس فقط أداة من أدوات التواصل عبر الويب، بل أضحى شرطا لازما للتطور الاقتصادي والثقافي والإداري للمجتمعات الحديثة.
لقد ضيعنا فرصا كثيرة عندما لم نستثمر في الإنسان، تعليما وحرية ومواطنة، والآن ندفع الثمن، والمشكل أن لا أحد يمكن أن يزعم بأن له حلا واقعيا لمشاكل اقتصادنا الآتية من مشاكل سياستنا وتعليمنا وثقافتنا وذهنيتنا. تأملوا مصدر ثروة أغنى رجل في المغرب، تجدوها من السكن الاجتماعي المبني على الهدايا الضريبية، والعقار العمومي الذي لا حارس له. قبل أن يذهب وزير الداخلية السابق، محمد حصاد، إلى بيته بأشهر، استدعى أنس الصفريوي إلى مكتبه بالرباط، وقال له جملة واحدة: “توقف عن توظيف اسم صاحب الجلالة في أعمالك”… بدون تعليق.
ماذا ستفعل حكومة مثل حكومتنا، بميزانية قدرها 30 مليار دولار سنويا، يصرف ثلثها على كتلة الأجور في الوظيفة العمومية، وثلثها في الاستثمار العمومي الذي لا يدر ما يكفي من فرص الشغل ومن قيمة مضافة، ويصرف الثلث الباقي على التسيير وخدمة الدين، وفوق هذا تكبل الإدارة العتيقة والفاسدة والمتخلفة أرجل البلد، وتجعل حياة المواطن والمستثمر أصعب كل يوم.
ليست لدي أوهام، ولا يجب أن تداعبنا الأحلام في بلاد يقول رئيس الدولة فيها إن النموذج الاقتصادي الذي كنا نمشي في طريقه مفلس، ولا يؤدي إلى خلق مناصب الشغل، ولا إلى تقريب الفجوة بين الأغنياء والفقراء، حيث مازال يعيش في بلدنا 12 مليون إنسان تحت خط الفقر.
العثماني يبحث عن مئات الآلاف من مناصب شغل غير موجودة. إنه مثل فلاح يبحث عن فاكهة الصيف في الشتاء، إنه يتعب نفسه، في حين كانت أمامه مهام صغيرة وواقعية كان يمكن أن يحققها، وأولاها إخراج مجلس المنافسة إلى الوجود في ثلاث سنوات. هذا المجلس معطل، وهو مثل رجل شرطة في الطريق مكلف بتنظيم المرور واحترام قانون السير وتجنب الحوادث، دون منافسة حقيقية بين الشركات، لا وجود للاستثمار ولا للتشغيل ولا للابتكار. هذه بديهية يعرفها الجميع… ثانيا، مطلوب من العثماني وفريقه، اليوم قبل الغد، إلغاء 80% من المؤسسات العمومية التي تستهلك المليارات ولا تنتج شيئا. المطلوب حل بعضها وخوصصة بعضها، وإدماج الباقي في مؤسسات عمومية بإطار قانوني واضح ودفتر تحملات جلي. ثالثا، لا بد من إنهاء سياسة الدعم التي تزيد الشحم في ظهر المعلوف، وتخصيص 14 مليار درهم، التي تذهب إلى الغاز، لصرف إعانات للفقراء مباشرة، وإلزامهم بتعليم أبنائهم والانتباه إلى صحتهم. رابعا، لا بد من إصلاح الإدارة والمحاكم التجارية لتشجيع الرأسمال الداخلي والخارجي على المغامرة في الاستثمار في المغرب دون هامش مخاطرة كبير.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ليست لنا أوهام… ليست لنا أوهام…



GMT 06:47 2016 الأربعاء ,05 تشرين الأول / أكتوبر

لأي شيء تصلح البرامج الانتخابية

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 04:36 2015 الأربعاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

انهيار امرأة إندونيسية أثناء تطبيق حُكم الجلد عليها بالعصا

GMT 11:45 2019 الإثنين ,30 كانون الأول / ديسمبر

تمويل "صندوق الكوارث" يثير غضب أصحاب المركبات في المملكة

GMT 15:37 2019 الأحد ,08 كانون الأول / ديسمبر

الكرة الطائرة بطولة الأكابر الكلاسيكو يستقطب الاهتمام

GMT 17:16 2019 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

البرازيلي أليسون أفضل حارس في استفتاء الكرة الذهبية 2019

GMT 09:21 2019 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

الوداد يعترض تقنيا على إشراك مالانغو

GMT 22:02 2019 السبت ,26 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على مجوهرات المرأة الرومانسية والقوية لخريف 2019

GMT 08:43 2019 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة إعداد فتة الحمص اللذيذة بأسلوب سهل

GMT 03:11 2019 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

6 علامات رئيسية يرتبط وجودها بفقر الدم الخبيث

GMT 01:10 2019 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

إطلالة مُثيرة لـ "سكارليت جوهانسون" بفستان أحمر

GMT 19:50 2019 الأربعاء ,19 حزيران / يونيو

الكاس يجدد عقده مع نهضة بركان لموسمين

GMT 20:28 2018 السبت ,29 كانون الأول / ديسمبر

توقيف قطار من أجل مواطنة روسية في محطة فاس

GMT 15:33 2018 الإثنين ,17 كانون الأول / ديسمبر

احتجاجات في المغرب بارتداء السترات الصفراء على غرار فرنسا

GMT 07:21 2018 السبت ,15 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على أبرز وجهات شهر العسل في كانون الأول

GMT 17:17 2018 الأربعاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

تأجيل محاكمة راقي بركان إلى غاية كانون الثاني المقبل

GMT 09:08 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف على Amilla"" أفضل منتجع في جزر المالديف الخلابة

GMT 02:41 2018 الإثنين ,15 تشرين الأول / أكتوبر

استخدمي مكياج خريفي سريع في ثلاثة خطوات

GMT 22:19 2018 السبت ,29 أيلول / سبتمبر

"شاومي" تكشف عن هاتفها "Redmi Note 6 Pro"
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya