العرش خيمة وليس مظلة

العرش خيمة وليس مظلة

المغرب اليوم -

العرش خيمة وليس مظلة

بقلم - توفيق بو عشرين

«أتمنى له فترة حكم صعبة»… كانت هذه واحدة من أمنيات الملك الراحل الحسن الثاني لولي عهده «سمية سيدي» آنذاك. وليشرح أكثر، قال الحسن الثاني في أحد حواراته الصحافية: «لكي يكون للملكية موقع مركزي في البلد، عليها أن تجدد شرعيتها باستمرار»… هذه نصيحة أب لابنه، وحتى وإن لم يأخذ بها الملك الراحل طوال الوقت أثناء فترة حكمه التي وصلت إلى 38 سنة، فقد بقيت مدونة في أدب الـمُلك…

18 سنة مضت على جلوس محمد السادس على العرش، حيث انتصب أمامه تحدٍّ صعب منذ ليلة البيعة، وحتى قبل أن يدفن جثمان والده في ضريح محمد الخامس.. إنه تحدي الجمع بين الاستمرارية والتغيير، بين الحفاظ على التقاليد والانفتاح على التجديد، بين التعايش مع المخزن وتوطيد بعض أركان الممارسة الديمقراطية.

نجح محمد السادس أحيانا في التوفيق بين طرفي هذا التناقض، وفشل أحيانا أخرى، وظلت مملكته، إلى الآن، تتكلم لغتين، ونمطين للحكم، وأسلوبين في الإدارة وقرائتين للدستور واحدة رئاسية والثانية برلمانية واحدة ديموقراطية وأخرى سلطوية. أحيانا يتغلب التقليد على التحديث، وأحيانا يسرق التحديث الأضواء من التقليد، لكن، في كل الأحوال، مازالت المملكة عالقة في منطقة رمادية مكتوب عليها: «المرحلة الانتقالية»، التي أصبحت شبه إيديولوجيا عِوَض أن تكون وصفا زمنيا لمرحلة عابرة… مع مرور السنين وتعاقب الأحداث وتعقد المشاكل، أصبحت الملكية في قلب اختبار ثانٍ، وهو أن تكون ملكية «عمومية» أو «خصوصية». أشرح أكثر بالانتقال إلى كلام زعيم ومؤرخ.

يوم وشح الملك محمد السادس صدر مولاي عبد الله إبراهيم، رئيس أول حكومة لليسار سنة 1958، باعتباره واحدا من الموقعين على عريضة المطالبة بالاستقلال، قال عبد الله إبراهيم في حفل صغير ببيته في مراكش جملة معبرة جدا: «عندما يكون الملك حقا ملكا لكل المغاربة، كل شيء يصبح ممكنا، وكل المشاكل تصبح قابلة للحل، وعندما لا يكون الملك ملك كل المغاربة يصير كل شيء مستحيلا، والمشاكل بلا حل». هذه الجملة يجب أن تحفر على جدران كل القصور الملكية لكي يقرأها الحاكم والمحكوم، ويتمعنا الطرفان في مغزاها العميق.

 المؤرخ عبد الله العروي، في كتابه القيم «مغرب الحسن الثاني» ( Le Maroc de Hassan II)، يقسم فترة حكم الملك الراحل إلى مرحلتين الأولى تبتدئ من يوم تنصيب مولاي الحسن سنة 1961 ملكا على المغرب إلى يوم الانقلاب الفاشل سنة 1972، أما المرحلة الثانية فامتدت من سنة 1973 إلى يوم وفاته في يوليوز 1999. وحسب العروي الذي عاش قريبا من الأحداث في المغرب وعاصر إلى الآن ثلاثة ملوك، فإن الحسن الثاني حكم المغرب في الفترة الأولى باسم جناح أو فريق au nom d’un clan، ضد أجنحة أخرى في مملكته، وهنا لم يكن يختلف عن جمال عبد الناصر في مصر أو هواري بومديان في الجزائر وآخرين. بعد الانقلابين الفاشلين، تحول بصعوبة إلى أن أصبح ملكا فوق صراع الأجنحة.. ملكا لكل المغاربة ملكا عظيما.

مثلما هناك من يريد احتكار الكلام باسم الله، أو باسم الوطن، هناك من يسعى إلى احتكار الكلام باسم الملك ومصلحته وعرشه وسلطته وصورته ومشروعه… وهذا أخطر أنواع الاحتكار، لأن الذي يدعي أنه جزء من مشروع الملك، وجزء من إرادة الملك، لا يفعل ذلك في الكتب والخطب والجرائد والكلام، بل من خلال آلة السلطة والقرار العمومي، فيتحول إلى «كهنوت سياسي» يصادر حق المغاربة أجمعين في أن يكون لهم وجود وحق في خيمة الملك، التي من المفروض أن تكون مفتوحة في وجه كل مغربي، مهما كانت أفكاره ومعتقداته وميوله مواليا كان أو معارضا إسلاميا أو ليبراليا يساريا أو يمينيا… عندما يحول البعض الملكية إلى خصم فإنه يجر العرش إلى خصومات تتعارض مع وظيفتها ودورها ورمزها والقيم التي بنيت عليها. دور الملكية في هذه المرحلة أن تقاوم الخوصصة وأن تبقـى في إطار التأميم الذي يترك كل الطرق سالكة إلى القصر الملكي الذي يضع نفسه في خدمة الشعب والوطن والاستقرار والاحتكام إلى الخيار الديموقراطي  والباقي متروك لصناديق الاقتراع…

يحتفي القصر هذه السنة بالذكرى الـ18 للجلوس على العرش في أجواء خاصة جدا لا تشجع على الفرح، فالريف غاضب، و178 شابا من حراكه وراء القضبان، والصحافة تنتهك حرمتها بالقانون الجنائي، إن كانت لاتزال لها حرمة، والحقل السياسي يتعرض للدمار الشامل، والزعيم بنكيران قاب قوسين أو أدنى من أن يصير معارضا، والحكومة تعرج لأنها خرجت من خيمة أبريل مائلة، وحقوق الإنسان تئن بفعل عودة الانتهاكات الجسيمة… البلاد بحاجة إلى أن تأخذ نفسا عميقا، والملكية في حاجة إلى عهد ثانٍ، لأن شرعية الحكم مياه تجري في نهر متجدد، يشهد على أن أمنية الراحل الحسن الثاني تحققت ولو بعد حين.. ألم يقل ‘‘أتمنى له فترة حكم صعبة’’؟.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العرش خيمة وليس مظلة العرش خيمة وليس مظلة



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 19:20 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الجدي

GMT 06:36 2018 السبت ,08 أيلول / سبتمبر

تمتع بمغامرة فريدة في أجمل مدن "مولدوفا"

GMT 11:44 2017 الثلاثاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

المؤجلات… موت التشويق

GMT 22:25 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

المانجو فاكهة النشاط والتفاؤل

GMT 15:47 2018 الثلاثاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

أفكار مميزة لتجديد حديقة منزلك بدون تكاليف في الشتاء

GMT 18:25 2018 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

لمسات بسيطة تضفي مزيدًا من الجمال على شرفات منزلك

GMT 05:02 2017 الجمعة ,29 كانون الأول / ديسمبر

شخص يضرم النار داخل مسجد أثناء صلاة العشاءفي شيشاوة

GMT 23:52 2017 الأربعاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

متصرفو المغرب يعتصمون أمام وزارة المال في الرباط

GMT 14:10 2017 الأحد ,24 كانون الأول / ديسمبر

جريمة قتل بشعة تهزّ حي التقدم في الرباط

GMT 21:47 2017 الأحد ,17 كانون الأول / ديسمبر

إيقاف عداء مغربي لأربعة أعوام بسبب المنشطات

GMT 18:28 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

الرجاء يواجه الدفاع الجديدي في الرباط رسميًا

GMT 21:04 2017 الجمعة ,08 كانون الأول / ديسمبر

أولمبيك خريبكة يستعيد نغمة الانتصارات ويؤزم وضعية تطوان

GMT 20:54 2016 الإثنين ,14 آذار/ مارس

إنشاء 3 شواطئ صناعية في كورنيش مدينة الناظور
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya