سروال بنكيران

سروال بنكيران

المغرب اليوم -

سروال بنكيران

بقلم ـ توفيق بو عشرين

خرج الرجل ليصلي الجمعة في أقرب مسجد لبيته، وفي طريق عودته وقف ليشتري سروالا من بائع يعرض بضاعته أمام المسجد، فالتقط له أحد المارة صورة رئيس حكومة سابق، وهو يختار مقاس سرواله في قارعة الطريق، فانتشرت الصورة في مواقع التواصل الاجتماعي، وأصبحت حديث الخاص والعام، بين من يرى فيها صورة عادية لرئيس حكومة سابق، عاش ويعيش بين بسطاء الناس ويتصرف مثلهم ويتحدث لغتهم ويأكل طعامهم ويمشي في أسواقهم. رجل لم يغير فيه ثاني أهم منصب في الدولة الكثير، وبين من رأى في الصورة تسويقا شعبويا لصورة رئيس حكومة لا يريد أن يتقاعد، ويصر على الحضور الإعلامي والسياسي نكاية في القريب والبعيد، وإصرارا منه على الاستمرار حتى من خارج المناصب الرسمية …

لا يختلف اثنان على أن بنكيران حاز مقدارا كبيرا من الشعبية أثناء ولايته الحكومية، وحتى بعد إسقاطه من رئاسة الحكومة بضربة (بلوكاج مخدوم)، وهذا عائد في نظري إلى أربعة عوامل رئيسة…

أولا: طبعه الصريح، وتواصله القوي، وقربه من الناس، واهتمامه بصورته، وحفاظه على نظافة يده، رغم مروره من مناجم الذهب والفضة في منصب كان يخول له أن يجمع مالا كثيرا وصفقات أكثر … هذا المسلك الشخصي في بيئة تشكو من فساد الطبقة السياسية والوزارية والحزبية والإدارية، جعل الناس يتعلقون ببنكيران، ويرون فيه شخصية خارج المألوف، قريبة منهم في الوقت الذي يتعالى فيه الآخرون عليهم، ويحتقرونهم، وها هو يشتري سرواله من (فراش أمام المسجد)، كما يفعل بسطاء هذا البلد…

ثانيا: الأشهر الخمسة التي صمد فيها بنكيران أمام (طاحونة البلوكاج) وتضحيته برئاسة الحكومة، من أجل الوفاء لأصوات مليوني ناخب أعطوه ثقتهم. هذا الموقف حوله من رئيس حكومة إلى زعيم، ومن أمين عام للحزب إلى رمز للمقاومة، في بلاد لم يعد أحد فيها يقول لا للسلطة، أو يعارض المخزن، كان باستطاعة بنكيران أن يشكل أغلبية مخدومة، وحكومة مرقعة، وان يقبل بابتزاز اخنوش ولشكر، ويرجع إلى مكتبه في المشور السعيد، لكنه قال: “لن أكون بنكيران الذي تعرفونه إذا قبلت بلشكر في الحكومة”… كانت الرسالة واضحة. بنكيران لا يرفض لشكر، بل يرفض الانصياع إلى رغبة من يريدون فرضه على رئيس الحكومة كمقدمة لإنزال السقف السياسي والإصلاحي لبنكيران وحزبه، بعدما رجع أكثر قوة إلى الجهاز التنفيذي بفعل احتلاله للمرتبة الأولى في انتخابات السابع من أكتوبر …

تحول بنكيران إلى رمز للتضحية بالمنصب من أجل المبدأ، وهذا سلوك عزيز في الساحة السياسية، لهذا ارتفعت شعبية بنكيران أكثر مع إزاحته من منصب رئاسة الحكومة، وهو الذي فاز بثلاثة استحقاقات متوالية في 2011 و2015 و2016..

ثالثا: شعبية بنكيران ازدادت بعد تشكيل حكومة العثماني، لأن الأخير ورغم كل الميزات الشخصية التي يتمتع بها، لم يستطع أن يملأ الكرسي الذي تركه (الزعيم)، كما أن الحكومة الجديدة، وبفعل تدخل أيادي كثيرة في ولادتها، لم توفق في إقناع الرأي العام بجديتها وصدقيتها والأهم بمشروعيتها، وزاد الخطاب الملكي لعيد العرش في إضعافها عندما سحب الملك ثقته منها ومن الأحزاب السياسية والنخب الإدارية (رئيس الحكومة هو رئيس الإدارة). وزاد الطين بلة الخطأ القاتل الذي ارتكبته الحكومة بتحريض من وزير الداخلية في تجريم حراك الريف وتخوين شبابه، ما أشعل نيرانا لم تنطفئ إلى الآن… (لعثماني خون شباب الريف في بيته وبنكيران استقبل عائلة الزفزافي في داره والتمس من الملك العفو عن معتقلي الحراك)!

رابعا: بنكيران وجد خلطة سياسية وتنظيمية لم يعثر عليها من سبقوه إلى رئاسة الحكومة أو زعامة الأحزاب المعارضة، وهذه الصيغة هي: (الولاء المطلق للملكية والتشبث بالإصلاحات المتدرجة)، (الاقتراب من الملك والابتعاد عن المخزن)، (التوافق مع النظام والتشبث بمطالب الشعب)، (المشاركة في الحكومة والحفاظ على الحزب)، (القبول بالعيش مع الحكم ومقاومة التحكم ). هذه الخلطة بكل ما فيها من تباين وحتى تناقض أحيانا بين مكوناتها، أعطت لبنكيران مكانة متميزة وسط مجتمع مغربي محافظ، يريد التغيير ولا يريد الاصطدام مع السلطة، يريد الملكية ويريد معها مشروعا إصلاحيا للنهوض بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية. لقد تخيل المغاربة في لحظة معينة أن بنكيران ليديه المفتاح السحري لهذه لمعادلة: إصلاح البيت من الداخل وبأقل تكلفة وبدون مغامرة بالاستقرار، لهذا تجد أن لبنكيران شعبية في أوساط اجتماعية وطبقية مختلفة، له أنصار بين الفقراء والأغنياء ومتوسطي الحال. وإذا رجعنا إلى تحليل السلوك الانتخابي، وإلى نتائج الاقتراع في أحياء مختلفة في المدن التي اكتسح فيها الأصوات، نلحظ هذا الاختراق الطبقي لبنكيران…

بنكيران ليس استثناء في المغرب ولا في العالم العربي والإسلامي، قبله كان مولاي عبدالله إبراهيم في نفس الوضعية تقريبا، خرج من الحكومة شبه مطرود، لكنه احتفظ بشعبية ورمزية كبيرة إلى الآن، وكذلك الأمر مع علال الفاسي الذي غطت زعامته الوطنية والدينية على تجاربه الحكومية، وعلى تأييده لدستور 1962، ونفس الشيء حدث مع عبدالرحيم بوعبيد، وعبدالرحمان اليوسفي الذي أبعد عن الوزارة الأولى، رغم حصول حزبه على المرتبة الأولى في انتخابات 2002، لكن باعتزاله السياسة، وضعف حزبه، لم يشكل (عقدة سياسية) في المغرب، كما هو حاصل اليوم مع بنكيران الذي تتعالى أصوات كثيرة من داخل الحزب وخارجه لإعطائه فرصة قيادة حزبه لولاية ثالثة، وذلك بهدف إخراجه من الورطة التي دخلها بقبوله المشاركة في حكومة لا تمثل آمال الشعب، وبهدف الاستفادة من شعبيته في بلاد تعرضت فيها الزعامات لتجريف كبير، حتى ما عاد الناس يلتفتون لأحد من الدمى المتحركة على السطح…

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سروال بنكيران سروال بنكيران



GMT 19:41 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

الاهتمام بلبنان في ظلّ إعادة تأسيسنا صاروخيّاً!

GMT 19:39 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ثلاثية الكويت

GMT 19:36 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

محاكمة لجنة التحقيق!

GMT 19:35 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

فكرة بديلة فى الرى!

GMT 19:32 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ما نعرفه حتى الآن

GMT 12:34 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

الشخصية اللبنانية كمزحة

GMT 12:32 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

لماذا يكره المتطرفون الفنانين؟

GMT 12:29 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

ارفع معنوياتك!

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 11:14 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم الإثنين 9 تشرين الثاني / نوفمير لبرج القوس

GMT 15:51 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج العذراء

GMT 11:04 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم الإثنين 9 تشرين الثاني / نوفمير لبرج العذراء

GMT 00:58 2020 الثلاثاء ,28 كانون الثاني / يناير

دراسة تحدّد الأطفال الأكثر عرضة لخطر السكري من النوع الثاني

GMT 19:55 2019 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

رشيد دلال مساعدا للكيسر في تدريب أولمبيك آسفي

GMT 05:10 2016 السبت ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران تستضيف أعمال الفن العربي الحديث في متاحفها

GMT 07:35 2020 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

غوايدو يدعو الفنزويليين للاحتجاجات ضد مادورو

GMT 17:50 2019 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وهبي يراسل وزير الصحة بشأن غياب دواء مرضى السرطان
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya