انتهى الفيلم لكن المخرج لم يمت

انتهى الفيلم لكن المخرج لم يمت

المغرب اليوم -

انتهى الفيلم لكن المخرج لم يمت

بقلم : توفيق بوعشرين

أسدل الستار، بداية هذا الأسبوع، على دولة البغدادي في العراق، التي لم تعمر سوى ثلاث سنوات، نشرت خلالها الرعب في كل أنحاء العالم، وامتدت عملياتها إلى القارات الخمس للكوكب، في صورة حروب غير تقليدية، تعتمد على عمليات إرهابية، وذئاب منفردة، ومليشيات تبسط سلطتها على جيوب تضعف فيها هيبة الدول الفاشلة أو شبه الفاشلة… يوم الاثنين الماضي، وقف رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، في وسط الموصل بزيه العسكري يعلن للعالم نهاية الدولة الداعشية، التي اقتطعت مساحة شاسعة من العراق وسوريا، وأقامت فوقها نظاما دمويا، صدر الرعب إلى كل البيوت العربية وغير العربية، محاولا أن يصعد بالسلفية الجهادية إلى أقصى تطرفها ودمويتها وطائفيتها، لكي يقسم العالم إلى فسطاطين؛ مؤمن وكافر، سني وشيعي، مسلم ومسيحي، مستثمرا حالة الفوضى التي تضرب الشرق الأوسط، وجزءا من شمال إفريقيا، حيث دخلت دول، مثل العراق وسوريا واليمن وليبيا والصومال، إلى خانة الدول الفاشلة، التي خسرت فيها الدولة احتكار العنف المشروع، وفقدت القدرة على فرض الأمن والاستقرار على جغرافيتها، وفشلت في الوفاء بالتزاماتها إزاء شعبها وإزاء مجتمع الدول الأخرى.

داعش، مثل الشاعر تماما، ابنة بيئتها، نبتة مسمومة طلعت من أرض محتلة، ومجتمع منقسم، وثقافة مجروحة، ودولة طائفية، وقوى إقليمية متصارعة، ونظام عالمي بلا نظام ولا قانون ولا شرعية. داعش نمت وترعرعت وسط شباب يائس شبه متعلم، يئس من الحصول على فرصة للعيش الكريم في الدنيا، فراح يبحث عن الجنة في الحياة الأخرى، غير مدرك قيم دينه، ولا منطق عصره، وقوانين التغيير على الأرض. هذه هي الحاضنة الكبرى لتنظيم داعش، الذي تحول إلى شبه دولة شغلت العالم لمدة ثلاث سنوات، واستغرق اجتثاثها من فوق الأرض انهارا من الدماء، ومليارات من السلاح، وضياع فرص وإمكانات ومقدرات عربية كان يمكن أن تصرف في البناء لا في الهدم، في الإعمار لا في الخراب.

انتهى فيلم الرايات السود في العراق وسوريا، لكن المخرج لم يمت، والبطل لم ينتحر، والنص لم يستهلك… مادامت الديمقراطية ليست عملة مقبولة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والتنمية ليست على جدول الأعمال، ومادام التعايش بين الديانات والأعراق والطوائف والمذاهب درسا لا يتعلمه التلاميذ في المدارس، والحرية والعدالة الاجتماعية ليست من بين هموم الحكام، فإن هذه البيئة قادرة على تفريخ دواعش جدد، ورايات سود أخرى… الداعشية ليست نبتة حائطية، والدواعش ليسوا مخلوقات نزلت من كوكب آخر. إنهم أبناء الوضع العربي المتردي، وأبناء النكسة القديمة والجديدة، وأبناء الثقافة الانقسامية التي تستدعي أعطاب الماضي لبناء الحاضر، وتستورد أسوأ ما في البشر لتدمير نفسها وأعدائها.

قبل ست سنوات زار المنطقة ربيع ديمقراطي واعد، بمحاولات سلمية لتوطين الديمقراطية والحريّة والعدالة الاجتماعية، بسواعد شباب مل الجلوس على الكنبة وانتظار أنظمة لا أمل فيها وأحزاب لا رؤية لها، فنجح في بلاد وأخفق في أخرى… كان الربيع العربي طريقا ثالثا غير طريق ديكتاتورية النظام أو أصولية المعارضة، لكن اجتمع عليه الشرق والغرب، وبدؤوا يدمرونه، ويعرضون البلاد التي أزهر فيها للحرب الأهلية أو الانقلابات العسكرية أو الفتن الداخلية… وكل هذا حتى يبقى العربي والمغاربي بلا خيار غير الصمت، أو حمل راية داعش وأخواتها… طيلة ثلاث سنوات، عندما كانت الأرض العربية تتكلم لغة النضال السلمي من أجل الكرامة، لم يعد يسمع صوت ابن لادن ولا صوت الظواهري ولا صوت البغدادي. علت هذه الأصوات فقط عندما تم خنق هذا الحلم، وهذا منطقي لأن الطبيعة لا تقبل الفراغ.

لا بد من وقفة صارمة مع الذات العربية، حكاما ومحكومين، نخبا وشعوبا، فكرا وسياسة، لاستخلاص العبرة والدرس من سيرة تنظيم القاعدة أولا، وسيرة داعش ثانيا، وقبلهما سيرة حكام يقودون شعوبهم إلى الهاوية بالحديد والنار. كان إمبراطور فرنسا الأسطوري نابليون يقول: «لا نحكم شعبا إلا إذا كنا نقوده نحو المستقبل».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

انتهى الفيلم لكن المخرج لم يمت انتهى الفيلم لكن المخرج لم يمت



GMT 08:07 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أخبار مهمة أمام القارئ

GMT 08:04 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الإمارات والأردن.. توافق لأمن المنطقة

GMT 08:01 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أسوأ عقاب أوروبى لأردوغان

GMT 07:59 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لهذا تقود أمريكا العالم!

GMT 07:57 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كسر الحلقة المقفلة في اليمن

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 11:14 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم الإثنين 9 تشرين الثاني / نوفمير لبرج القوس

GMT 15:51 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج العذراء

GMT 11:04 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم الإثنين 9 تشرين الثاني / نوفمير لبرج العذراء

GMT 00:58 2020 الثلاثاء ,28 كانون الثاني / يناير

دراسة تحدّد الأطفال الأكثر عرضة لخطر السكري من النوع الثاني

GMT 19:55 2019 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

رشيد دلال مساعدا للكيسر في تدريب أولمبيك آسفي

GMT 05:10 2016 السبت ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران تستضيف أعمال الفن العربي الحديث في متاحفها

GMT 07:35 2020 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

غوايدو يدعو الفنزويليين للاحتجاجات ضد مادورو

GMT 17:50 2019 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وهبي يراسل وزير الصحة بشأن غياب دواء مرضى السرطان

GMT 01:40 2018 السبت ,10 آذار/ مارس

رجل يشكو زوجته لسوء سلوكها في طنجة
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya