ما وراء فاجعة بائع السمك

ما وراء فاجعة بائع السمك

المغرب اليوم -

ما وراء فاجعة بائع السمك

بقلم : توفيق بو عشرين

النار قريبة من الحطب في المغرب أكثر مما يتوقع أكبر متشائم في المملكة المليئة بالألغام القابلة للانفجار في أي لحظة، وأولها إحساس الناس بالحكرة وقلة القيمة في بلادهم، وأمام السلطة التي تعتبر الشعب في خدمتها وليست هي في خدمة الشعب، أما ثاني الألغام الذي يهدد سلامة الجميع فهو البطالة التي تتجاوز نسبتها 22٪‏ في صفوف الشباب المتعلمين، والتي تزرع في النفوس الحقد والغضب، وتحرض على التمرد أكثر من أي إيديولوجيا ثورية أخرى. أما ثالث الألغام التي تهدد استقرار المملكة فهو الفوارق الطبقية الكبيرة بين البادية والمدينة، وبين المغرب النافع والمغرب غير النافع، وهذه الفوارق تكبر كل يوم، وتحفر عميقا للفقر والتهميش والهشاشة والغضب، ولهذا، لا بد من قراءة دقيقة للتظاهرات الكثيرة التي خرجت يومي الأحد والاثنين الماضيين في أعقاب مقتل مول الحوت، حيث خرج المغاربة في توقيت واحد في أكثر من 14 مدينة دون تأطير تقليدي، رافعين شعارا واحدا هو: «لا للحكرة وكفى من جبروت السلطة».

الجواب القضائي عن الأزمة ليس إلا مسكّنا خفيفا لمرض عضال مكون من ثلاثة عناصر، سياسية واقتصادية واجتماعية، متداخلة وهي:

سلطة متخاصمة مع الشعب

واقتصاد بلا تنمية

ودولة تقاوم الديمقراطية

المغرب لا يحتاج فقط إلى إصلاح الإدارة لأنها كسولة وبيروقراطية وجامدة، وتعطل مصالح المواطنين، ولا تواكب التطورات الحاصلة في العالم. الإدارة قطعة صغيرة في آلة أكبر اسمها السلطة، فالمعضلة أكبر من إدارة متخلفة. المشكل كامن في جهاز السلطة الذي يوجد في خصام مع الشعب.. جهاز لا يثق في المواطن ولا في اختياره، ويشتغل ليل نهار للتحكم في الشعب والحد من حريته، لأنه يعتبر أن استمرار السلطة رهين ببقاء المواطنين تحت الوصاية. انظروا، مثلا، كيف تتدخل وزارة الداخلية في الانتخابات لتجعل منها واجهة سياسية لا عمقا ديمقراطيا، وانظروا كيف تقاوم الإدارة الترابية مشروع الجهوية الموسعة واللامركزية، وكيف تعرقل عمل المجالس المنتخبة.

الشرطي الذي استدعى في الحسيمة حافلة الأزبال لاستعمالها في إتلاف حمولة السمك التي صادرها من الراحل محسن فكري، لم يفكر، ولو للحظة واحدة، أنه لا يملك صلاحية اتخاذ قرار مثل هذا، وأن القانون يمنعه من تسخير شاحنة أزبال في ملكية شركة خاصة لها عقد محدد مع المجلس البلدي ليس فيه بند خاص بإتلاف المحجوز. إن السلطة لا ترى القانون أمامها، وهي على يقين أن المحاسبة لن تطالها، والرقابة على أعمالها غير موجودة، ولهذا تتصرف في الشؤون الصغيرة، كما الكبيرة، بيد مطلوقة بدون قيد أو شرط.. هنا المشكلة.

المغرب يحتاج عاجلا إلى تغيير نموذجه الاقتصادي الحالي المبني على الريع والاحتكار وتداخل السياسة مع البزنس، وإنتاج الفوارق الاجتماعية، حيث يزداد الغني غنى والفقير فقرا، وتنقطع الجسور بين طبقة تملك كل شيء وطبقات لا تملك أي شيء. لا بد من إرساء دعائم دولة الرعاية الاجتماعية التي تستحضر التوازنات الاجتماعية إلى جانب التوازنات المالية، وتعمل على إرساء قواعد التنافس والشفافية، وتشجيع المقاولات الصغرى والمتوسطة. في بريطانيا، حيث الدولة رأسمالية والنظام ليبرالي، تصرف الدولة 32 مليار جنيه إسترليني سنويا على مساعدة الأسر الفقيرة في تسديد ثمن كراء المنازل، حتى لا يبتلع هذا الأخير ميزانية الأكل والشرب والترفيه واللباس، هذا في الوقت الذي يعتبر التعليم مجانيا بالكامل في بريطانيا والصحة والدواء كذلك…

وعندنا تضع جهات في الدولة وفي الأحزاب وفي أوساط الريع فيتو كبيرا على مقترح صرف الحكومة مساعدات مالية مباشرة للفقراء مقابل إزالة الدعم عن المواد التي مازالت تستفيد من صندوق المقاصة دون الوصول إلى الهدف، أي إلى جيوب الفقراء.

كلما استمرت الدولة في مقاومة التحول الديمقراطي، بقيت على علاقة توتر مع مجتمع يكبر وينضج ويتمرد أكثر بفعل التفاوتات الاجتماعية، وبفعل ثقافة العصر التي توجد في هاتفه المحمول الذي يربط المواطن بعالم النيت، حيث جل المحتوى يحرض على قيم الحرية والنزعة الفردية، ورفض الخضوع، والتطلع إلى التحديث بأوسع معانيه. إن المعلومات والصور والفيديوهات التي تروج بين 12 مليون مغربي لديهم هاتف ذكي (حسب آخر دراسة للهيئة الوطنية لتقنين الاتصالات) كلها ترفع درجة الاتصال والتواصل بين المواطنين، وترفع درجة الوعي لديهم، وتحررهم من ثقافة الدولة، ودعاية الدولة، ووصاية الدولة، ودين الدولة، وهيبة الدولة. إن التكنولوجيات الحديثة هي بالتعريف تكنولوجيا الحرية والمساواة، والفعل والحركة، والتعبير والتفاعل، والرأي والرأي الآخر، والتأثير والتأثر، والمقارنة والاعتراف بالفرد، وكلها قطع ضرورية في لوحة الديمقراطية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ما وراء فاجعة بائع السمك ما وراء فاجعة بائع السمك



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 05:15 2018 الأربعاء ,25 تموز / يوليو

واتساب يضيف ميزة نالت إعجاب مستخدميه

GMT 02:06 2018 الخميس ,12 تموز / يوليو

سعر ومواصفات "كيا سبورتاج 2019" في السعودية

GMT 23:49 2018 الثلاثاء ,03 تموز / يوليو

وفاة أب وإبنته غرقا في نهر ضواحي جرسيف‎

GMT 23:59 2018 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

معلول يؤكد أهمية فوز المنتخب التونسي على بنما
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya