الحقيقة والمجاز في سلطة المواطن

الحقيقة والمجاز في سلطة المواطن

المغرب اليوم -

الحقيقة والمجاز في سلطة المواطن

بقلم : توفيق بو عشرين

«المواطن هو الأهم في العملية الانتخابية وليس الأحزاب والمرشحون، وهو مصدر السلطة التي يفوضها إليهم، وله أيضا سلطة محاسبتهم أو تغييرهم، بناء على ما قدموه خلال مدة انتدابهم»… هذا مقتطف من الخطاب الملكي الأخير، وهو كلام جميل ومعقول، وجزء من التفكير الديمقراطي الذي نطمح إليه… لكن، هل هذا الوصف واقع أم طموح؟ هل هذه السلطة موجودة أم منشودة؟ وهل الشعب يشعر بأن كل أجهزة السلطة، التي تتحرك في الواقع وتقرر في شؤونه ومستقبله ومستقبل أبنائه، نابعة منه، وموضوعة تحت تصرفه، وهو من فوض إليها سلطة القرار أم لا؟ كيف السبيل، إذن، إلى جعل السلطة في يد المواطن، واستردادها من يد آخرين أخذوها بغير تفويض، ويتصرفون فيها بغير حساب ولا عقاب؟ ما هي الطريقة لكي نخرج الشعب من المجاز إلى الحقيقة؟ هذا هو السؤال الكبير والمعقد اليوم في المغرب… دعونا نعرض بعض الأمثلة القريبة التي تظهر أين توجد السلطة (على وزن أين توجد الثروة)…
إذا كانت للشعب المغربي سلطة حقيقية، فكيف لم تتحرك الحكومة ولا القضاء ولا البرلمان لوقف صفقة النفايات الإيطالية التي استفزت مشاعر المغاربة قبل شهر، وأشعرتهم بأن بلادهم أصبحت مطرحا لأزبال الآخرين، والأدهى أن وزارة حكيمة الحيطي لم تراعِ مشاعر المغاربة، ولا حساسية الظرفية التي استوردت فيها 2500 طن من النفايات لإحراقها في أرض المملكة، إذ تزامن هذا «الفعل الأخرق» مع قرب انعقاد مؤتمر عالمي في مراكش (الكوب 22)، حيث تتسابق الدول للإسهام في تخفيض حرارة الأرض، وحماية الكوكب المهدد بالتلوث. تحت ضغط لوبي الاسمنت، فتحت السيدة الوزيرة موانئ المغرب لنفايات إيطاليا خارج القانون (إلى الآن لم يصدر المرسوم الذي يحدد المسموح والممنوع استيراده من النفايات). لو كان للشعب صوت وسلطة وقرار واحترام في هذه البلاد، لصادرت الحكومة 2500 طن من النفايات من مخازن شركة «لافارج»، واعتذرت إلى الرأي العام، ووضعت تشريعات واضحة وقوانين دقيقة لمنع معامل الاسمنت من التلاعب بصحة المواطنين وسمعة البلد.
لو كانت للشعب سلطة حقيقية وقرار فعلي، واعتبار ملموس لدى المسؤولين، لفُتح تحقيق شامل في أراضي «خدام الدولة»، الذين ابتلعوا عشرات الهكتارات من الأرض في طريق زعير بالرباط بثمن أقل من ثمن تجهيز بقعهم (350 درهما)، ومع ذلك وجد وزيرا الداخلية والمالية الجرأة ليوقعا بيان العار الذي يضفي «الشرعية» على الريع، ويجعل الأرض لمن يسيطر عليها (على وزن الأرض لمن يحرثها). لو كانت للشعب سلطة حقيقية لوجد من يستمع إليه، ومن يجبر خاطره، ومن يتعامل مع غضبه بجدية واحترام. حرية التعبير لا تعني حرية الصراخ وكفى.. حرية التعبير تعني أيضا وجوب الاستماع إلى نبض الشعب، واتخاذ قرارات يرضى عنها، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالمال العام، أو الصحة العامة، أو الريع المنتشر كالفطر في كل زوايا المملكة.
سلطة الشعب لا تنحصر في ذهاب المواطن، مرة كل خمس سنوات، إلى صندوق الاقتراع، ووضع ورقة، والرجوع إلى بيته وعائلته، والجلوس أمام نشرات الأخبار كل مساء بدون حركة ولا فعل ولا رأي. سلطة الشعب سلطة مستمرة طيلة السنة، وليست شيكا على بياض يوقعه المواطن لمن يمثله ولا يعود له صوت بعد ذلك.
ثم من قال إن الشعب هو الذي يضع كل الوزراء في الحكومة، وكل المديرين في المؤسسات العمومية، وكل النواب في البرلمان، وكل صاحب مسؤولية في موقع السلطة؟
انظروا إلى الحكومة الحالية، ربعها تقنوقراطي، والربع الآخر شبه تقنوقراطي، ونصف أحزابها إدارية تراعي الجهة الراعية لها كل صباح، وجل منتخبي برلماننا صعدوا إلى المجلس إما بالمال، وإما بمساعدة السلطة، أو بعدد قليل من الأصوات… اليوم النظام الانتخابي كله مبني على الانتقاص من سلطة الشعب، ويضع نمط اقتراع «كله تاحرميات» حتى لا ينطق الصندوق بما يريده الشعب، والنظام الحزبي مبني كله على الالتفاف على إرادة الشعب، ويزرع أحزاب البلاستيك في الحقل السياسي لخلط الأوراق والتلاعب بتمثيلية الناس، والإعلام العمومي وشبه العمومي كله لغة خشب لا يراعي سلطة الشعب وما يريده وما لا يريده.. يختار الدعاية على الإخبار، أما الإدارة، فإنها موضوعة تحت تصرف السلطة وليس الشعب، وتعمل، ليل نهار، لتعقيد حياة الناس بكلفة عالية وامتيازات خيالية… نعم، هناك هوامش صغيرة لسلطة الناس بدأت تظهر مع الربيع المغربي، ومع اتساع الاحتجاجات في الفضاء الافتراضي والحقيقي، لكن كل هذا مازال في الهامش يضغط وليس في المركز ليقرر.
نحن أمة تجر خلفها مواريث ثقيلة من تاريخ وثقافة كان الشعب فيهما رعية، والناس منقسمين إلى عامة لا رأي لهم، وخاصة عندها الشورى غير ملزمة، وإذا استشيرت تقول رأيها على استحياء، وتنهي بالعبارة الأثيرة لدى الحكام: «والرأي ما يراه مولانا»، أما الحاكم فهو ظل الله في الأرض، «والذين يبايعونه إنما يبايعون الله»، بتأويل فقهاء السلطان. لسنا بعيدين كثيرا عن ذلك الوعيد الذي أطلقه الملك الراحل الحسن الثاني حين سأله والده محمد الخامس عن مذهبه في الحكم إن عارضه الشعب، فقال: «أنا أستطيع أن أتخلص من ثلثي الشعب وأحكم على الثلث الباقي».
إذن، مازال أمامنا مسار طويل لنصل إلى وضع السلطة في يد الشعب، وإعطائه الحرية الكاملة في أن يعهد بها إلى من يريد، ويسحبها وقتما شاء وكيفما أراد… لكن، سنظل نحلم بأن تصير سلطة الشعب حقيقة وليست مجازا.. واقعا وليست أملا

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحقيقة والمجاز في سلطة المواطن الحقيقة والمجاز في سلطة المواطن



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 12:09 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

يشير هذا اليوم إلى بعض الفرص المهنية الآتية إليك

GMT 12:01 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 17:49 2020 الإثنين ,21 كانون الأول / ديسمبر

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

GMT 19:23 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الدلو

GMT 19:31 2020 السبت ,25 كانون الثاني / يناير

مناقشة رواية "غيوم فرنسية" في معرض الكتاب

GMT 04:30 2019 السبت ,26 كانون الثاني / يناير

باتاكي ترتدي بكيني أحمر متوهج وتتباهى بجسدها

GMT 06:55 2018 الإثنين ,08 تشرين الأول / أكتوبر

تعرفي على كيفية معرفة الفرق بين الألماس الحقيقي والصناعي

GMT 02:40 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

الأعمال الفنية الحديثة تخلو من الراقصة الممثلة الموهوبة

GMT 02:42 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

استكمال جمال سليمان ومنة فضالي وياسر فرج "أفراح إبليس2"

GMT 13:55 2016 الخميس ,15 أيلول / سبتمبر

استنفار أمني في زايو بعد العثور على فتاة مقيدة

GMT 23:33 2016 الجمعة ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

الفنانة ريم مصطفى تنضم إلى فريق عمل "اللهم إني صائم"
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya