البلد ليس كازينو

البلد ليس كازينو

المغرب اليوم -

البلد ليس كازينو

بقلم : توفيق بو عشرين

لائحة المخاطر التي تحيط بالمملكة المغربية كثيرة، لكن الخطر الأكبر ليس مصدره الجزائر التي تغذي الانفصال في الصحراء، ولا معدلات البطالة المرتفعة في بلاد ثلثا سكانها شباب، ولا التغير المناخي وموجات الجفاف التي تهدد اقتصادا شبه فلاحي، ولا حتى الفساد الذي يأكل من لحم البلد منذ عقود، ولا ندرة الإمكانات التي لا تتيح للدولة سد الحاجيات، ولا الهوة التي تكبر بين الأغنياء والفقراء… كل هذه أخطار موجودة، لكن الخطر الكبير الذي يحوم حول البلد هو تجريف الحقل السياسي، وتمييع الأحزاب، وضرب التعددية السياسية، وقطع شعرة معاوية بين الحكم والرأي العام، وتعريض العرش للاحتكاك المباشر بالشارع وغضبه واحتجاجه وردود فعله.

ما نشهده اليوم في الريف هو مجرد «بروفا» صغيرة لمشهد قادم، حيث تبحث الدولة عن حزب أو نقابة أو منتخب أو مؤسسة أو جمعية للوساطة مع السكان وتهدئة خواطرهم والتحاور معهم، فلا تجد، فتضطر إلى استعمال العصا والقانون الجنائي، فتصب الزيت على النار، وتصبح المقاربة الأمنية هي المقاربة الوحيدة الموضوعة على الطاولة، والنتيجة أمامكم: اعتقالات بالجملة، وأحكام قاسية، وتهم ثقيلة تلاحق السلطة بتورطها في تعذيب المعتقلين، وفي انتهاك حرمة ناصر الزفزافي بتصويره شبه عارٍ، وتوزيع الفيديو على المواقع الإلكترونية.

كل هذه الأخطاء، التي تراكمت خلال الأشهر الثمانية الماضية، سببها الأول هو ضرب جوهر السياسة، وضرب الأحزاب القوية، وإضعاف الحكومة، وإعطاء وزارة الداخلية مهام ليست من اختصاصاتها، وتوريط القضاء في أزمات لا ينفع معها القانون الجنائي. ببساطة، إننا ندبر أخطر أزمة خارج المؤسسات، مثل طبيب يعالج مريضا خارج العيادة وخارج قواعد الطب الحديث.

قبل أيام صرح حميد شباط، الأمين العام لحزب الاستقلال، في فاس، بما نصه: «لقد تعرضنا في حزب الاستقلال للتغرير من أجل الخروج من حكومة عبد الإله بنكيران سنة 2013، وأنا مستعد للإدلاء بما لدي من معلومات وتحمل المسؤولية إذا فتح تحقيق في الموضوع». هذا كلام خطير جدا، وإذا كنا نعرف حقيقته بالتحليل وبقراءة تسلسل الأحداث، فإننا الآن أمام اعتراف صريح من قبل المعني بالأمر، الذي يقر بأن هناك جهة غررت به، ودفعته إلى الخروج من الحكومة ضدا على إرادته وقناعته ومصلحته، وهذا الاعتراف، وإن كان لا يعفي شباط من المسؤولية، فإنه يلقي الضوء على ما نتحدث عنه من انتهاك لاستقلالية الأحزاب، والتلاعب بقراراتها، وتهديد استقرار الممارسة الديمقراطية، ومجمل الإصلاحات التي جاء بها دستور 2011… الذي غرر بحزب الاستقلال، وزين له الخروج من الحكومة دون مبررات منطقية، كان يستهدف بنكيران وحكومته، وكان يستهدف تجربة الإصلاح الديمقراطي، والقوس الذي فتح قبل ست سنوات، وها نحن الآن أمام نتائج هذا اللعب غير النظيف في الحياة السياسية؛ حزب العدالة والتنمية منقسم الآن، فلا هو في الحكومة ولا هو في المعارضة، يضع رجلا هنا ورجلا هناك، وقادته يشعرون بأن إزاحة بنكيران عن قيادة الحكومة هدفها ليس فقط رأس الزعيم، ولكن رأس الحزب كله، وهم يحاولون الآن إنقاذ ما يمكن إنقاذه. حزب الاستقلال، أبو الأحزاب المغربية، منقسم اليوم إلى شعوب وقبائل، ويتعرض ما بقي منه لقصف شديد سيأتي على البقية الباقية فيه. أوضاع الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية لا تسر صديقا ولا تغيظ عدوا. لقد حول إدريس لشكر الاتحاد الاشتراكي إلى مجرد أداة لإذلال بنكيران، وإفساد المنهجية الديمقراطية لتشكيل الحكومات. حزب التجمع الوطني للأحرار تحول من حزب إلى شركة مجهولة الاسم، ولم يعد يلعب أي دور في الحقل السياسي، سوى تهديد حزب إلياس العماري بأخذ مكانه في رحاب دار المخزن الحزبي بعدما باع الوهم للدولة.

الديمقراطية، بالتعريف، هي دولة الأحزاب، والتعددية هي جوهر المشاركة في الحكم، والسياسة هي نقيض لحكم الفرد أو القلة، لكن، عندما تهمش السلطة الأحزاب، وتحتكر القرار، وتتدخل في كل كبيرة وصغيرة، وتحتقر نخب المجتمع، وكل هذا في بلد فقير ودون مشروع تنمية حقيقية.. بلد يدير جل الأزمات ولا يحلها، يدبر الندرة ولا يوزع الوفرة، فمعنى هذا أننا إزاء مغامرة كبيرة بمستقبل 35 مليون إنسان يعيشون داخل البيت المغربي، وليس في كازينو مفتوح أمام مغامرات ورهانات غير محسوبة العواقب.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

البلد ليس كازينو البلد ليس كازينو



GMT 06:17 2019 الأحد ,23 حزيران / يونيو

الاستثناء المغربي مجدّدًا

GMT 00:00 2018 الأحد ,09 كانون الأول / ديسمبر

الأمازيغ المضطهدون في المملكة

GMT 08:19 2017 الأحد ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

يوم بيوم

GMT 05:28 2017 الخميس ,25 أيار / مايو

جنون الشرق

GMT 07:08 2017 الأحد ,07 أيار / مايو

كذبة المغرب للجميع

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 11:14 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم الإثنين 9 تشرين الثاني / نوفمير لبرج القوس

GMT 15:51 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج العذراء

GMT 11:04 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم الإثنين 9 تشرين الثاني / نوفمير لبرج العذراء

GMT 00:58 2020 الثلاثاء ,28 كانون الثاني / يناير

دراسة تحدّد الأطفال الأكثر عرضة لخطر السكري من النوع الثاني

GMT 19:55 2019 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

رشيد دلال مساعدا للكيسر في تدريب أولمبيك آسفي

GMT 05:10 2016 السبت ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران تستضيف أعمال الفن العربي الحديث في متاحفها

GMT 07:35 2020 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

غوايدو يدعو الفنزويليين للاحتجاجات ضد مادورو

GMT 17:50 2019 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وهبي يراسل وزير الصحة بشأن غياب دواء مرضى السرطان
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya