ذكاء دبلوماسي

ذكاء دبلوماسي

المغرب اليوم -

ذكاء دبلوماسي

بقلم ـ توفيق بو عشرين

الصناعة الأهم اليوم في العالم ليست صناعة الحديد والصلب، وليست صناعات الأسلحة وتكنولوجيا الحرب، ولا صناعة الطائرات والصواريخ، ولا حتى صناعات الغذاء، الصناعة الأهم والأخطر والأكثر تأثيرا وحيوية، هي صناعة الرأي العام المحلي والعالمي، ومفاعيلها على السياسات العامة، وعلى القرارات المهمة، وعلى العلاقات الدولية، وهذا فهمته دولة صغيرة مثل الدانمارك التي عينت الأسبوع الماضي سفيرا لها مقيما في وادي السيلكون في الولايات المتحدة الأمريكية، مكلفا بتتبع تطور تكنولوجيا الاتصال والتواصل في وادي السيلكون والحوار مع الإمبراطوريات الأكثر تأثيرا في العالم (غوغل، فايسبوك، تويتر، أبل، أوبير…).

وسيدخل السفير الدانماركي، كاسبر كلينج، إلى التاريخ الدبلوماسي، كأول سفير لبلاده في عاصمة التكنولوجيا الجديدة، مكلفا بمهام الدبلوماسية الرقمية التي أضحت تؤثر في كل مناحي الحياة، سواء بالنسبة إلى الدول أو المجتمعات. ولشرح مهمته قال السفير الدانماركي للصحافة: (إن مهمتي سياسية وليست تقنية، وتبدأ بإصلاح وزارة الخارجية في اتجاه التحول الرقمي، وكذا مباشرة حوار مباشر مع عملاقة التكنولوجيا في الوادي حول الأمن الرقمي، وحماية المعطيات الخاصة، وبحث القضايا الأخلاقية في هذا المجال، بما فيها مراقبة المحتوى ومعرفة مآل المعطيات الخاصة التي تتجمع لدى غوغل والفايسبوك والتويتر والواتساب وإنستغرام وغيرها، من منصات التواصل العالمي التي دخلت حياتنا اليومية بدون استثناء).


 
إذا كانت جل دول العالم تقريبا لها سفير في جمهورية الصين باعتبار أن عدد سكان الأخيرة أكثر من مليار و200 مليون نسمة، فكيف لا يكون لهذه الدول سفراء لدى الجمهورية الافتراضية للفايسبوك، التي تجاوز عدد أفرادها ساكنة مليارين من البشر، يتحدثون ويتواصلون وينشرون آراء وصورا وتعليقات وبرامج وفيديوهات ويبيعون ويشترون ويتزوجون ويبشرون ويستقطبون عناصر أخرى لأفكارهم أو معتقداتهم… وكل هذه الأنشطة تتم خارج رقابة الدولة وسلطتها التقليدية، حتى إن الدول أصبحت تطالب فايسبوك مثلا بمراقبة المحتوى الذي ينشر على صفحاته، أو إلغاء حسابات لأشخاص ومجموعات من شبكته فيما هذه الدول غير قادرة على فعل ذلك بنفسها، رغم أن النشاط أو الأشخاص المطلوب حظر وجودهم في العالم الأزرق يقيمون فوق أرضها، وتسري نظريا عليهم سلطاتها التي أصبحت منقوصة وعاجزة عن التحكم في مجريات أنشطة مؤثرة في الواقع المادي…
قبل أسبوعين استدعى الكونغرس الأمريكي مارك زوكلبرغ، صاحب شركة الفايسبوك، للاستماع إلى شهادته حول تدخل روسيا في الانتخابات الرئاسية الأخيرة في الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك من خلال رصد أكثر من 3000 إعلان سياسي مدفوع الأجر لصالح حملة ترامب، اشترته شركات روسية ودفعت مقابله أكثر من 100 ألف دولار..

وقال مارك في فيديو من سبع دقائق بث للجمهور: (لقد أمضيت ساعات طويلة مع فريقي نبحث تدخل الروس في انتخاباتنا عبر شبكة الفايسبوك، وهنا أريد أن أؤكد على حرصي على عدم تدخل الآخرين عبر أدواتنا للإضرار بالديمقراطية).

في مقابلة مع جريدة “فاينانشال تايمز” في أبريل الماضي، اعترف دونالد ترامب بفضل التويتر على وجوده السياسي فقال: (لولا التغريد على التويتر لما كنت هنا)، وطبعا لم يذكر سمسار العقارات أن الفضل بعد التويتر يرجع إلى حجم الأخبار الكاذبة التي نشرها على حسابه ضد منافسته هيلاري كلنتون، فيما بات يُعرف في الأدبيات الإعلامية بـ (fake news techniques)، ثم إن الأخبار الكاذبة التي نشرها عن هيلاري حظيت بانتشار واسع من تلك الأخبار الحقيقية، التي وضعها على حسابه الخاص في التويتر الذي تجاوز عدد متابعيه 40 مليون إنسان، متفوقا على حساب البابا فرانسيس، الذي ظل في المقدمة لسنوات.

عوالم التواصل الافتراضي ليست مدنا فاضلة ولا جمهوريات خيرة، بل فيها هي الأخرى مجرمون، وقراصنة، ونشالون، وتجار وهم، ومسوقو إرهاب وعنصرية وجريمة منظمة، لكن الأخطر من هؤلاء هي الجيوش الإلكترونية التي توظفها الدول والأجهزة التابعة لها من أجل توجيه الرأي العام الوجهة التي يريدونها، وذلك عبر جيش مادي من الموظفين الجالسين خلف الحواسيب، مكلفين بإنشاء الآلاف من الحسابات الوهمية على شبكات التواصل الاجتماعي، وبث الأخبار الكاذبة والتعليقات الموجهة. أما الجزء الأخطر من الجيش الإلكتروني، هو تلك البرمجيات الآلية التي تنشط على حسابات غير حقيقية لتُغرق فضاء التواصل الحديث بتعليقات محددة أو وسم معين أو تفاعلات محددة، كأن تنشر مثلا حملة لتخوين شباب يطالب بالحرية والكرامة والديمقراطية في بلدانهم، أو تشوه سمعة ناشطة على الفايسبوك لا تريد لها السلطة اكتساب منصة لمخاطبة الرأي العام، الذي أصبح يستقي أخبارا ومعلومات وآراء وأفكارا من مواقع التواصل الاجتماعي، التي أقامت شبكات معقدة ومؤثرة، وخارج السيطرة التقليدية للحكومات والأنظمة، خاصة في البلدان السلطوية، حيث توجد هوة كبيرة بين الحاكم والمحكوم…

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ذكاء دبلوماسي ذكاء دبلوماسي



GMT 19:41 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

الاهتمام بلبنان في ظلّ إعادة تأسيسنا صاروخيّاً!

GMT 19:39 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ثلاثية الكويت

GMT 19:36 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

محاكمة لجنة التحقيق!

GMT 19:35 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

فكرة بديلة فى الرى!

GMT 19:32 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ما نعرفه حتى الآن

GMT 12:34 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

الشخصية اللبنانية كمزحة

GMT 12:32 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

لماذا يكره المتطرفون الفنانين؟

GMT 12:29 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

ارفع معنوياتك!

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 18:57 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الثور

GMT 14:07 2016 الجمعة ,16 أيلول / سبتمبر

الأبنوس

GMT 15:05 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

نيمار يبلغ سان جيرمان برغبته في الرحيل هذا الصيف

GMT 14:42 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

السالمية الكويتي يبدأ مشواره العربي بلقاء الشبيبة الجزائري

GMT 15:23 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

سنوات يفصلها رقم

GMT 11:24 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

الملك محمد السادس يرسل برقية تعزية إلى الرئيس الكاميروني

GMT 13:45 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

أول صالون تجميل يستقبل المحجبات في نيويورك

GMT 23:50 2019 الأحد ,02 حزيران / يونيو

باتريس كارتيرون يُراقِب العائدين من الإعارة

GMT 00:14 2019 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

السعودية تنفذ حكم القتل تعزيرًا في حق صدام حسين
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya