مملكة الريع‏

مملكة الريع‏

المغرب اليوم -

مملكة الريع‏

بقلم : توفيق بو عشرين

ما ظهر من ريع في فيلات «نادي طريق زعير»، أو ما أصبح يعرف بـ«نادي خدام الدولة»، ليس إلا القسم الصغير من جبل الجليد، أما الطرف الأكبر فمختبئ تحت الماء، ففي البلاد نوادٍ كثيرة للريعٍ ونظام متكامل من العطايا يمتد من أراضي الدولة وعقاراتها، التي تفوت لحسابات سياسية وزبونية، إلى ورخص استغلال خيرات البحر والبر وباطن الأرض، التي تعطى للمقربين والمؤلفة قلوبهم، علاوة على نظام «لكريمات» الشهير بدرجاته الاقتصادية وVIP، ثم المعاشات الاستثنائية التي لا نعرف قوائمها ولا عدد المسجلين فيها، مرورا بالبريمات الغليظة التي تعطى تحت الطاولة لخدام الدولة والإدارة والمؤسسات العمومية، زد على ذلك الرخص الاستثنائية les dérogations التي تلتف على القانون بالقانون، وتدور حول المراسيم بمراسيم مضادة، دون إغفال الإعفاءات الضريبية التي تدون في كل قانون مالي بعناية كاملة، ومعها نظام لصرف الدعم لقطاعات دون أخرى، حيث تخرج أهدافه عن الاعتبارات الإنتاجية والاقتصادية إلى اعتبارات سياسية وريعية تحت ضوء الشمس.

الذين صدموا من قائمة خدام الدولة، التي افتضح أمرها أخيرا لأن المحافظة العقارية، تحت إدارتها الجديدة، فتحت موقع المحافظة على العموم، بخلاف ما كان يقوم به المدير السابق، توفيق الشرقاوي، الذي ذهب إلى تقاعد مبكر مغضوبا عليه بسبب المليارات التي وضعها في عمارات حي الرياض المبنية بالخرسانة المسلحة وكأنها فرع للبانتغون في المغرب… الذين صدموا من هذه النازلة وبشاعتها لا يعرفون أن في البلاد نظاما كاملا متكاملا من الريع والعطايا مبنيا بطريقة محكمة، وله تقاليد وأعراف وتقنيات، وله لائحة زبناء مفتوحة حسب الظروف والأحوال، ولهذا النظام حراس معبد قانونيون وإداريون وإعلاميون ومسطريون وإطار تقنوقراطي يدبر مملكات الريع وغنائمه، ويسهر على توسيع موارده وإدارتها إدارة محكمة حتى يصل الريع إلى من يستحقه ومن يستثمر فيه، ويسهم في إدارة السلطة والثروة بما يعود بالنفع على السلطوية، سواء كانت سلطوية خشنة أم سلطوية ناعمة. 

لماذا ترفع الدولة سيفها في وجه القريب والبعيد، وتخوض حروبا مستمرة على الولاء والطاعة وقبول الأمر الواقع، إذا كان مالها وأراضيها وكريماتها ورخصها وخيراتها تفي بالغرض، وتوسع من قاعدة الحكم وسط النخبة، وتلين الرؤوس العنيدة والألسنة السليطة، حاملة شعار الحسن الثاني لضباطه في السبعينات: «ابتعدوا عن السياسة واهتموا بجمع المال»؟ 

في الإنجيل عبارة تقول: «المال أساس كل شر»، لكن الرأسمالية الجشعة جاءت وقلبت آية الإنجيل، وقالت: «نقص المال أساس كل شر». الدولة عندنا أخذت بهذه الحكمة، والدولة عندنا، كما الفرد، تحتاج إلى مال ليس فقط لأداء أجور الموظفين والجنود، وتجهيز المرافق العامة. الدولة تحتاج أيضا إلى مال لإدارة أزمة الديمقراطية الدائمة في البلاد، ولأداء كلفة غياب حكم المؤسسات، ليس من سلطاتها، بل من مالها الذي هو مال الشعب.. «من زيتو قليه»… الدولة تحتاج إلى أحزاب صديقة، ونقابات صديقة، ووزراء أصدقاء، وتقنوقراط أصدقاء، وقضاة أصدقاء، ومثقفين أصدقاء، وصحافيين أصدقاء، وسفراء أصدقاء، ورجال ونساء سلطة مثل الخاتم في الإصبع، يشتغلون بالتعليمات لا بالقانون، يجازفون بخرق النصوص من أجل عيون السلطة، ويهندسون الانتخابات بتكنولوجيا متقدمة من أجل السلطة، يحرسون الاستقرار بكل الطرق من أجل السلطة، يضعون أنفسهم وسمعتهم وسلامتهم وأمن عائلاتهم في مواجهة الشعب والقانون، وحتى الدستور أحيانا، من أجل السلطة.. ألا يستحقون عقد تأمين من كل هذه المجازفات؟ ألا يستحقون ضمانات حقيقية على استقرارهم المادي والأسري من صروف الدهر؟ لهذا الغرض هناك وعاء من الريع تضعه الدولة تحت يدها، وتغرف منه لخدامها، ولهذا سارع حصاد وبوسعيد وآخرون إلى نجدة الوالي الفتيت عندما سقط، حيث أوقفوه على رجليه وثبتوه في مكانه وقالوا: «كلنا الفتيت.. كلنا ذلك الرجل القادم من المغرب غير النافع إلى جنة المخزن النافع».

الريع، أيها الأفاضل، ليس نباتات طفيلية في مشهدنا الاقتصادي والسياسي، ليس سحابة صيف، وليس رجلا عابرا في زمن عابر.. إنه ابن الدار، ولد هنا وتربى هنا، وله عائلة ونسب وشجرة تحولت إلى غابة كثيفة لها جذور وأغصان في بلادنا وثقافتنا، ولها إدارة للمياه والغابات تعتني بها وتحميها من الأمراض، وتوسع مساحتها المزروعة، وتوزع ثمارها حين يحين قطافها، وتحمي زبناءها تحت بنط السرية وحماية المعطيات الخاصة بالريع وأصحابه.

 لا تصدموا عندما تجدون أشجار هذه الغابة في كل مكان، ولا تصدموا عندما ترون أعدادا كبيرة من أفراد النخبة يتسلقون هذه الأشجار، ولا تكونوا واهمين إزاء وجود احتمال متابعة هؤلاء أمام القضاء.. هذا الريع أصبح جزءا من «منطق الدولة المغربية» raison d’état.. المتخاصمة مع الشعب والخائفة من اختياره، والمرعوبة من ضميره الذي لم يعد مبنيا على الغائب.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مملكة الريع‏ مملكة الريع‏



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 12:09 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

يشير هذا اليوم إلى بعض الفرص المهنية الآتية إليك

GMT 12:01 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 17:49 2020 الإثنين ,21 كانون الأول / ديسمبر

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

GMT 19:23 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الدلو

GMT 19:31 2020 السبت ,25 كانون الثاني / يناير

مناقشة رواية "غيوم فرنسية" في معرض الكتاب

GMT 04:30 2019 السبت ,26 كانون الثاني / يناير

باتاكي ترتدي بكيني أحمر متوهج وتتباهى بجسدها

GMT 06:55 2018 الإثنين ,08 تشرين الأول / أكتوبر

تعرفي على كيفية معرفة الفرق بين الألماس الحقيقي والصناعي

GMT 02:40 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

الأعمال الفنية الحديثة تخلو من الراقصة الممثلة الموهوبة

GMT 02:42 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

استكمال جمال سليمان ومنة فضالي وياسر فرج "أفراح إبليس2"

GMT 13:55 2016 الخميس ,15 أيلول / سبتمبر

استنفار أمني في زايو بعد العثور على فتاة مقيدة

GMT 23:33 2016 الجمعة ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

الفنانة ريم مصطفى تنضم إلى فريق عمل "اللهم إني صائم"
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya