توفيق بوعشرين
لم تصبر مملكة البحرين على يوم واحد من بث قناة العرب، المملوكة للملياردير السعودي الوليد بن طلال، فبعد 24 ساعة من البث، أقدمت السلطات في المنامة على وقف التلفزيون الجديد بعد مقابلة قصيرة مع معارض بحريني ينتمي إلى جمعية الوفاق المعارضة.. فما كان من مملكة البحرين إلا أن لجأت إلى توقيف القناة في اليوم نفسه الذي انطلقت فيه، فلم تطلب حق الرد، ولا لجأت إلى القضاء، ولا إلى الحوار مع إدارة القناة، بل مرت وبسرعة إلى العصا، فأوقفت بث القناة السعودية التي اعتقد الأمير الوليد ابن طلال أنه يقدم من خلالها خدمة للمنامة باختيارها مقرا لقناته الإخبارية الجديدة التي أراد منها منافسة قناة الجزيرة و«البي بي سي» وفرانس 24 والميادين، وغيرها من القنوات التي تحوز نسبة كبيرة من المشاهدة في الخليج والعالم العربي، والتي تقدم خدمات إخبارية لا تروق بيت الحكم السعودي، فما كان من الوليد بن طلال، المهووس باضواء الكاميرات وسحر الشهرة، إلا أن سخر ميزانية كبيرة لإقامة منصة إخبارية في المنامة المقربة من الرياض، ولكي يصل إلى احتلال موقع بين الكبار، وإعطاء بعض المصداقية لقناته، والابتعاد على لغة الخشب والدعاية التي تنتهجها القنوات العربية الرسمية، والخليجية منها بالتحديد، عمدت إدارة القناة إلى وضع خطة للانفتاح المدروس على كل الأصوات في الخليج بما فيها المعارضة، وكانت البداية من استضافة نائب رئيس جمعية الوفاق المعارضة للحديث عن تجريد الحكومة البحرينية 72 مواطنا من جنسيتهم (هذه عقوبة يجرمها القانون الدولي وترفضها الأمم المتحدة). فما كان من السلطات البحرينية إلا أن أقفلت بيت القناة، ووجهت رسالة شكوى إلى القصر السعودي.
هذا، وقالت الصحيفة المقربة من رئيس الوزراء البحريني، الشيخ خليفة بن سلمان: «نقول للقائمين على إدارة وتحرير قناة «العرب» إن هذا التصرف (مقابلة المعارض البحريني) يضع علامات استفهام حول حقيقة توجهات إدارة التحرير في هذه القناة منذ الوهلة الأولى». وبتهديد واضح يعبر عن غضب رسمي بحريني شديد على جمال خاشقجي، مدير القناة السعودية، أضاف أنور عبد الرحمن: «إن اللجوء إلى أسلوب العنتريات في التغطية الإخبارية التي تحاولون إبرازها لإثبات أنكم محطة مستقلة لن يجدي نفعا». وكان مدير عام قناة «العرب» الفضائية، جمال خاشقجي، قد أكد مرارا أن «العرب» ستكون على مسافة واحدة من الجميع، وقال: «لن نقوم بالاصطفاف إلى جانب أي طرف».
قناة العرب ليست قناة معارضة، ولا قناة مستقلة، ولا قناة وراءها جهات ليبرالية أو مؤسسات عريقة في الخدمة الصحفية.. هي مجرد قناة مملوكة لجناح في بيت الحكم السعودي، وكل غرضها هو عدم ترك القنوات المنافسة العربية والأوروبية تتحرك لوحدها في ساحة فارغة، ومع كل هذا لم تسمح السلطات في البحرين بهذا الهامش الصغير، ولم تستطع أن تدخل إلى هذا التمرين الديمقراطي، وهو ما يكشف إلى أي حد تبقى شعارات الانفتاح والحوار والإصلاح شعارات شكلية، فالذي لا يصبر على حوار من 15 دقيقة مع معارض، هل يصبر على اقتسام السلطة وإجراء انتخابات شفافة ونزيهة؟
هذه النازلة، على ما فيها من طرافة وخشونة، فإنها تكشف حقيقة مهمة، وهي أن أي وسيلة إعلام، مهما كانت الجهة التي تقف وراءها، ومهما كانت ميزانيتها، فهي تحتاج إلى حد أدنى من المهنية، وإلى «سميغ» أخلاقي، فالدعاية الفجة للسلطة لم يعد لها مكان في الفضاء السمعي البصري، فالمواطن العربي صارت له خيارات أخرى غير الخضوع لتلفزيون الحاكم، والمواطن العربي صار بوسعه أن يعاقب الإعلام الذي تحركه يد الحكومة أو المخابرات أو الجيش أو اللوبيات. التعددية الموجودة اليوم في الفضاء الإعلامي المفتوح صارت تعطي إمكانات للمقارنة بين الأخبار والآراء والتحليلات، حتى إن يوتوب اليوم هو التلفزة العالمية الأولى في كل البلدان المتقدمة والمتخلفة على السواء، وقناة يوتوب لا تعطيك فقط كما كبيرا من الفيديوهات والبرامج والأخبار والتغطيات، بل تسمح لكل مواطن في غرفته أن يعد نشرة أخبار خاصة به، وأن يبثها على قناة يوتوب المملوكة لـ«الحاج غوغل»، كما يسميه الشباب. التلفزيون الرسمي، مثلا، يبث خبرا دعائيا للجمهور، وبعد فترة قصيرة تجد الفيديو نفسه بتعليق آخر من مواطن أصبح متخصصا في فضح الدعاية الغبية للنظام الإعلامي الانكشاري، فيحظى الفيديو الجديد بنسبة مشاهدة عالية جداً…
وخير ما نختم به هذا التعليق على حادثة سير تلفزيون العرب في البحرين قول طريف للساخر الفرنسي كولوش، الذي قال ذات يوم، ساخرا من التلفزة التي كانت ممنوعة عليه لسنوات طويلة: «لا يمكن أن نقول الحقيقة في التلفزة لأن جمهورا كبيرا يتابع الشاشة».