مكبر صوت لكل مواطن

مكبر صوت لكل مواطن

المغرب اليوم -

مكبر صوت لكل مواطن

توفيق بو عشرين

ما عاد الناس مستهلكين للأخبار والتعاليق والتحاليل والخطب من القنوات التقليدية للإعلام: جريدة وإذاعة وتلفزيون ووكالة أنباء… صارت للمغاربة جريدتهم الأولى (الفايسبوك)، وتلفزتهم الأولى (اليوتوب)، وآلاف الجدران الافتراضية يعبرون فوقها عن آرائهم تحت مقالات وأخبار مئات المواقع الإلكترونية التي نبتت في كل المدن والقرى والأحياء الشعبية والراقية على حد سواء…

آخر إحصاء قدمته إدارة الفايسبوك يقول إن عدد المغاربة الحاملين للجنسية الزرقاء في جمهورية مارك زوكربيرغ يبلغ حوالي سبعة ملايين ونصف مليون، وأن 14 مليون مغربي يتوفرون على هاتف ذكي في المغرب، وسيصبحون، بعد ثلاث سنوات أو أقل، 20 مليون مواطن يحملون جهازا ذكيا مربوطا بشبكة الأنترنت، أي أن ثلثي السكان في المغرب لم يعد أحد باستطاعته أن يفرض عليهم خطابا واحدا، أو رأيا واحدا، أو صورة واحدة، أو ترتيبا خاصا به للأخبار والموضوعات والقضايا التي تهمهم… الجميع يستهلك وينتج، يتأثر ويؤثر، يستقبل ويرسل، يؤيد ويعارض، يدافع عن شخص أو قضية أو قرار، أو يهاجم قانونا أو سياسة أو أغنية أو مشهدا في فيلم، وحتى بعض الذين لا يعرفون القراءة والكتابة يستعملون الأنترنت لمشاهدة شريط أو سماع أغنية أو متابعة برنامج، أو يتلقون أخبارا من الفم إلى الأذن من أقربائهم مصدرها الشبكة العالمية للتواصل والاتصال والبحث عن المعلومات.

هذه الثورة الرقمية، التي لم تستثن أي بلد أو أمة أو حضارة أو ثقافة، أطاحت بنظريات كثيرة في حياتنا الاجتماعية والسياسية، وأولها نظرية النخب والجماهير، الخاصة والعامة. هذا التقسيم التقليدي في البنية السياسية والاجتماعية تأثر كثيرا ببروز منصات التواصل الاجتماعي التي تعطي كل مواطن منصة ومكبر صوت وأداة للتعبير عن نفسه. هذا لا يعني أن الجميع أصبحوا على قدم المساواة في التأثير. لا، أبدا، سيظل التأثير متفاوتا بتفاوت الإمكانات العقلية والفكرية والمهارات اللغوية والتواصلية، والإمكانات التقنية والمادية القابعة خلف استراتيجيات إنتاج المضمون والمعنى على الشبكة العالمية، لكن الذي تغير هو الولوج إلى عالم التأثير، حيث أتيحت للضعفاء وللأفراد وللمجموعات، حتى المهمشة، إمكانية أن يصيروا مؤثرين في الرأي العام، وفي مخرجات السياسات العمومية، وفي التأثير على الذوق الفني وعلى كل مناحي الحياة الاجتماعية، وهو ما لم يكن متاحا من قبل. لم يعد التأثير محصورا في جماعات صغيرة تمتلك لوحدها أدوات التوجيه أو الدعاية أو الوعظ، صار الولوج إلى «لاغورا»، أي إلى ساحة الفعل العمومي، ديمقراطيا… هذا لا يعني أن هذا الولوج لا يتم بدون مخاطر ولا بدون مصائب حتى، وأكثرها الآن دخول داعش وخطابها الوحشي على خط إنتاج التطرف وتجنيد الحطب لنار الفتنة.

تابعوا مثلا النقاشات التي أثيرت حول صلاة الاستسقاء بالمغرب على “فايسبوك”، والتي كانت في السابق جزءا من الطقوس الدينية التي تحتكر فيها الدولة إنتاج المعنى والغاية والشكل منها وحولها.. صلاة من أجل التوجه إلى الله عز وجل طلبا للغيث، ومن أجل تهييء الناس سيكولوجيا لتقبل القحط أو الجفاف، وتوجيه عناية الناس إلى السماء لا إلى الأرض. إن تغطية الطقس الديني المتمثل في رفع أكف الدعاء إلى الله من أجل سقوط المطر إعلاميا وسياسيا، وإعطاءه طابع الحدث والرسالة الإعلامية والحمولة السياسية، كل هذا كان يمر في صمت، أو وسط تعليقات محدودة في الصالونات المغلقة للنخبة اليسارية أو الليبرالية، أما اليوم، وعلى الهواء مباشرة، وفي فضاء فيه ملايين المتابعين، نقرأ ونسمع تعليقات شتى على هذا الموضوع بين مؤيد ومعارض، بين من يدعو الله متخشعا، ومن يسخر من توظيف المطر في السياسة، بل هناك من استدعى تعليقات ليوطي الذي كان يردد عبارته الشهيرة: «الذي يؤثر في السياسة في المملكة الشريفة هو المطر». هذا نموذج فقط عن نوع المتغيرات الجوهرية التي دخلت على خطاطة الاتصال والتواصل والتأثير والتأثر في بلادنا. هناك اليوم في المغرب برامج وتعليقات ومقالات يقرؤها أو يطّلع عليها ملايين المغاربة دون أن يمروا وجوبا من قانون الصحافة والنشر، ودفاتر تحملات الهاكا للإذاعات والتلفزات، ولا الوقوف طويلا عند بيانات الدولة التي تبثها الوكالة الرسمية.. هذا معناه أن الدولة فقدت السيادة على عقول الناس وأذواقهم وسيكولوجيتهم، وعلى قائمة الأخبار التي يطلعون عليها أو لا يطلعون عليها. هذه الملاحظة تقود إلى استنتاج وهو أن الدولة عندما تفقد احتكار أي شيء أو أي سلعة، ماذا تفعل؟ تقبل أولا بحقيقة السوق المفتوح وقوانينه، ثم تعمل ثانيا على القبول بالتعددية، ثم ثالثا تتكيف مع الوضع الجديد، وتقبل أن تدخل سوق التأثير السياسي والفكري والثقافي والقيمي كفاعل ضمن فاعلين آخرين، ثم تقبل بجعل بضاعة الدولة الرئيسة (القرار العمومي) تتفاعل مع حقيقة أن الرأي العام موجود، وله توجهات وميول ومطالب وآراء. يجب على الدولة أن تأخذ بعين الاعتبار كل هذا، وألا تتصرف كأنها المنتج الوحيد للحقائق والسياسات والقرارات التي تهم المواطنين، وهذا ما يسمى الديمقراطية، التي تعتبر أداة من أدوات إدارة المصالح المتناقضة وتخفيف التوترات، وجعل مصلحة الأغلبية فوق مصلحة الأقلية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مكبر صوت لكل مواطن مكبر صوت لكل مواطن



GMT 19:41 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

الاهتمام بلبنان في ظلّ إعادة تأسيسنا صاروخيّاً!

GMT 19:39 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ثلاثية الكويت

GMT 19:36 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

محاكمة لجنة التحقيق!

GMT 19:35 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

فكرة بديلة فى الرى!

GMT 19:32 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ما نعرفه حتى الآن

GMT 12:34 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

الشخصية اللبنانية كمزحة

GMT 12:32 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

لماذا يكره المتطرفون الفنانين؟

GMT 12:29 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

ارفع معنوياتك!

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 05:15 2018 الأربعاء ,25 تموز / يوليو

واتساب يضيف ميزة نالت إعجاب مستخدميه

GMT 02:06 2018 الخميس ,12 تموز / يوليو

سعر ومواصفات "كيا سبورتاج 2019" في السعودية

GMT 23:49 2018 الثلاثاء ,03 تموز / يوليو

وفاة أب وإبنته غرقا في نهر ضواحي جرسيف‎

GMT 23:59 2018 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

معلول يؤكد أهمية فوز المنتخب التونسي على بنما
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya