توفيق بو عشرين
لا سؤال على شفاه المواطنين، الذين يتابعون أخبار الانتخابات ومناورات الأحزاب وعجائب التحالفات، سوى سؤال واحد. ماذا حدث لشباط؟ كيف غيّر مواقفه ومواقف حزبه 180 درجة بدون سابق إشعار؟ كيف سيخرج من المعارضة بعد أن خرج من الأغلبية؟ وأين سيقف من هنا إلى انتخابات 2016؟
يوم الأحد الماضي، خلق حميد شباط المفاجأة بدعوة طارئة إلى اجتماع استثنائي للجنة التنفيذية. الاجتماع لم يحضره سوى خمسة أعضاء من أصل 26 في اللجنة التنفيذية. فيما غاب غلاب واحجيرة ويسمينة والأنصاري ومضيان وقيوح وولد الرشيد وآخرون. البعض اعتذر لأنه موجود خارج الرباط، ومشغول بترتيب التحالفات الهشة قبل ساعات من التصويت على رؤساء الجهات. والبعض الآخر غاب عمدا، لأنه لا يريد مواجهة مع شباط، الذي يعرفون أنه يحضر لمفاجأة لا يريدون التسرع بالموافقة عليها أو رفضها. ومع ذلك، اجتمعت اللجنة التنفيذية بمن حضر. ومن داخل هذا الاجتماع أعلن شباط عن فك تحالف الاستقلال مع «البام»، وعن إعطاء التوجيهات لمنتخبي الميزان في جهة الدار البيضاء وجهة الشمال للتصويت على مرشحي «البي جي دي» عِوَض مرشحي «البام». أما أخطر قرار راج في قاعة اجتماعات اللجنة التنفيذية بعد منتصف ليلة الأحد، فهو التلويح بالخروج من المعارضة، والرجوع إلى المساندة النقدية للحكومة في محاولة لإصلاح خطأ الخروج من الحكومة قبل سنتين، وإعادة مد الجسور مع بنكيران الذي سبق أن اتهمه شباط بالانتماء إلى داعش والنصرة والموساد، وقال عنه إنه أكبر سياسي فاسد في العالم…
اتصلت بأكثر من مسؤول في حزب الميزان من أصدقاء شباط ومن أعدائه للاستفسار حول دواعي هذا الانقلاب، وتحدثت مع أكثر من قيادي في حزب العدالة والتنمية لفهم رد هذا الأخير حول هذا التحول الكبير في موقف شباط… شباط يقول ببساطة: إن الطائرة تغير اتجاهها عندما تهب عليها الرياح، فلماذا لا يغير حزب الاستقلال اتجاهه عندما تتغير المعطيات وتنكشف المؤامرات.. هذا هو تفسير الزعيم الشعبوي، لكن ماذا تقول القراءات الأخرى في فهم وتفسير هذا الانقلاب الوردي في حزب محافظ يكره الانقلابات
القراءة الأولى من داخل حزب الميزان تقول إن شباط سياسي مناور. فعندما رأى أن الحبل سيلتف حول عنقه بعد أن خرج منهزما من معركة مدينة فاس، وبالضربة القاضية من العدالة والتنمية الذي حصل على 75 ٪ من الأصوات، وبعد أن أحس أن أقطاب الاستقلاليين سيُحاسبون بشدة على النتائج المخيبة التي سجلها الحزب في انتخابات الرابع من شتنبر، بعد أن فقد الاستقلال مدنا وجماعات ومقاطعات كان يسيرها، شباط بدهائه السياسي أراد أن يخلط الأوراق، وأن يجعل من تغيير الخط السياسي للحزب وإحداث تحول بنسبة 180 درجة داخله بديلا عن تغيير الأمين العام الذي ورط الاستقلال في قرارات خاطئة منذ مجيئه إلى الأمانة العامة للحزب وإلى اليوم. عِوَض أن يقدم شباط استقالته من الأمانة العامة للحزب، قدم استقالة الحزب من المعارضة وتحالفاتها كمقابل لامتصاص الصدمة التي شعر بها الاستقلاليون مساء الجمعة 4 شتنبر. وكإشارة اطمئنان إلى أعيان الحزب الذين لم يكونوا مرتاحين لخروج الاستقلال إلى المعارضة، خاصة وأنهم يَرَوْن أن حزب العدالة والتنمية اكتسح المدن وزاد من شعبيته. وإن حصوله على المرتبة الأولى في انتخابات 2016 شبه محسومة، وهذا معناه أن احتمال بقائهم خمس سنوات أخرى خارج الحكومة وارد، وهذا كابوس لا يعرف خطورته إلا من جلس طويلا في رحاب الوزارات وقريبا من القرار..
هذه القراءة تقول، أيضا، إن شباط أحس بأن جهات في السلطة، وفي «البام» باعت له الوهم، وإنه اكتشف متأخرا أن إضعاف حكومة بنكيران والهجوم الشخصي عليه، لا يستفيد منه إلا «البام». أما الاستقلال والاتحاد فلا ينالهما شيء من غنيمة هذه الحرب القذرة…
القراءة الثانية التي سمعتها من أكثر من مصدر تقول إن المفتاح الأهم لفهم انقلاب حميد شباط هو فاس، ولا تبحثوا عن شيء آخر بعيدا عن الهزيمة المدوية للعمدة الأشهر في المغرب. ففاس لم تكن مجرد مدينة بالنسبة إلى شباط، بل كانت قاعدة مالية وانتخابية وسياسية وبشرية، ومنها وبها كان شباط يحارب ويفاوض ويستثمر ويعطي ويمنع ويغري ويخيف. وعندما سقطت هذه القلعة، انتهى كل شيء بالنسبة إلى العمدة السابق، وأصبح شباط من مقاتل إلى مفاوض همه الأول إنقاذ ما يمكن إنقاذه، إنه يفاوض ليس فقط من أجل إنقاذ الحزب من ورطته، ولكنه يفاوض من أجل إنقاذ تركته في فاس، وثروته هناك، وأراضيه التي دخل بعضها المجال الحضري، فيما الباقي مازال ينتظر. أما ملفات 12 سنة من التسيير في أرشيف المجلس البلدي ومقاطعة زواغة، فتستحق معركة لوحدها لتظل بعيدا عن عيون القضاء والصحافة والرأي العام. هذا التفسير لسر انقلاب شباط يعزز قراءته للحدث بتصويت شباط على الأزمي يوم الثلاثاء بعد أن حذّر سكان فاس من هذا الـ«داعشي» الذي سيقضي على العاصمة العلمية ومنجزاته فيها.
شباط يريد، بحسب القراءتين، ضرب ثلاثة عصافير بحجر واحد:
أولا، إنقاذ التركة التي خلفها وراء ظهره في فاس، وضمان عدم فتح الملفات القديمة.
ثانيا، إنقاذ رأسه من الخطر على رأس الأمانة العامة للحزب، وطمأنة أصحاب المصالح من الاستقلاليين على مصالحهم وعلى احتمال دخوله إلى الحكومة المقبلة حتى وإن لم يأتي في مقدمة الترتيب.
ثالثا، قلب الطاولة على من أوهموه أن معارضة بنكيران والهجوم عليه يمكن أن تأتي بعلاوات (بريمات) سياسية وانتخابية، ليكتشف متأخرا بأنه لم يربح إلا العيب مع الطبقة الوسطى التي حكمت عليه بالإفراغ من المدن، وفي مقدمتها فاس..
وإذا كان هو من أدى الثمن الأكبر، فلابد للآخرين، أيضا، من أداء بعض الثمن، وأقله تكسير جبهة الرفض التي بنتها المعارضة في وجه بنكيران. شباط سيحول مدفعيته إلى «البام» مرة أخرى إن بقي له من ذخيرة..
في كل الأحوال سيتذكر المغاربة يوم 4 شتنبر باعتباره يوم نهاية «الشباطية»، أكان حميد جادا في التوبة عن أخطائه، أم مناورا يهرب إلى الأمام من أجل الحفاظ على مصالحه ومصالح من حوله. لنتابع الفيلم فهو مازال في بدايته.