كلب ينبح لكنه لا يعض

كلب ينبح لكنه لا يعض

المغرب اليوم -

كلب ينبح لكنه لا يعض

توفيق بو عشرين


أصبح طقسا مألوفا كل سنة أن يفتح المجلس الأعلى للحسابات طنجرة الفساد في المغرب، وأن ينشر الغسيل المتسخ للمؤسسات العمومية، وأن يصدم الرأي العام بمليارات الدراهم التي تتسرب كل سنة إلى الجيوب الكبيرة، أو في الحملات الانتخابية، أو في الامتيازات التي يحصل عليها كبار الأطر الإدارية… لكن بعد أن تنشر الصحف مقتطفات صادمة من بضاعة الفساد والاختلالات الكبرى التي تنخر البلاد، يرجع الجميع إلى عاداتهم اليومية، وإذا حصل ووصل ملف إلى القضاء، كما وقع السنة الماضية وما قبلها، فإن الهواتف تتحرك، والضغوط تتعالى، متهمة وزارة العدل مرة بالانتقائية، ومرة بتسييس المتابعات من أجل الانتقام من المعارضين.. وهكذا أصبح القضاء قطا بلا مخالب، وأصبحت النيابة العامة تمشي على البيض حتى لا تزعج المتهمين بالفساد.. إذا أردتم دليلا على أن الدولة في المغرب غير جادة في محاربة الفساد، فما عليكم إلا أن تعرفوا أن الوكيل العام في المجلس الأعلى للحسابات منصب شاغر منذ خمس سنوات، وأنه لم يجرِ تعيين أحد مكان السيد محمد أشركي منذ ذهب إلى المجلس الدستوري، وهذا معناه أن المجلس الأعلى للحسابات لا يريد أن يقيم جسرا لمرور تقاريره إلى القضاء، بمعنى أن الدولة تريد أن تحول المجلس الأعلى للحسابات إلى مؤسسة بلا فعالية.. إلى كلب ينبح لكنه لا يعض…

كل سنة يركز قضاة المجلس الأعلى للحسابات على مؤسسات بعينها لكنهم لا يقتربون من أخرى إطلاقا، وهذا معناه أن السيد جطو، وقبله الميداوي، وقبلهما عبد الصادق الكلاوي، يعرفون حدودهم، ولا يجرؤون على الاقتراب من المؤسسات السيادية، لأن الفساد فيه وفيه.. هناك فساد مباح وهناك فساد مكروه، وهناك فساد حرام، وعلى المجلس أن يبقي على الألوان الثلاثة أمامه طوال الوقت. الأحمر يعني أن هناك مؤسسات عليكم ألا تقتربوا منها، والأصفر يعني أن هناك مؤسسات يمكنكم أن تقتربوا منها لكن بحذر، وهناك الأخضر، ويعني أن هناك مؤسسات مسموح فيها المرور وبسرعة إذا أردتم، لأن الرأي العام يحتاج إلى التنفيس.. إلى أن نلقي له كل سنة قطعة لحم ينهشها حتى لا يسأل عن البقرة الحلوب الأخرى الجالسة في مكان محمي…

ما هو الحل أمام كل هذا الكم الكبير من الفساد المعشش في الإدارة المغربية والوزارات والمؤسسات العمومية وشركات الدولة والمكاتب والصناديق والحسابات الخصوصية؟ 

سيقول البعض إن الحل هو القضاء المستقل والمتخصص والجريء، وإن شعار ربط المسؤولية بالمحاسبة يجب أن يُفعل في قاعات المحاكم. هذا العبد الضعيف يقول: إن هذا ليس حلا، الآن على الأقل، لأن القضاء ورش مؤجل الإصلاح، وهو نفسه يحتاج إلى إصلاح، وإلى حملة تطهير شاملة وخطة تأهيل كاملة، وهذه مهمة تحتاج إلى عشرات السنين، وتحتاج إلى تحول ديمقراطي حقيقي وكامل… 

ما الحل الممكن الآن للتقليص من الفساد المنتشر كالأرز في حقول الصين؟ الحل هو تقليص مجال تدخل الدولة في الاقتصاد، وإعادة النظر في نمط تسيير هذه المملكة ونموذج الحكامة فيها…

الدولة تاجر فاشل وفلاح خائب وصناعي «مكلخ» ومدير مبذر… ليس من مهمة الدولة، بشكلها الحالي وتوزيع السلط الذي نعرفه وهشاشة المؤسسات الموجودة، أن تبني المساكن، أو تدير المطارات، أو تبني الطرق، أو تفلح الأرض، أو تصدر إلى الخارج… مهمة الدولة الليبرالية الحديثة أن توفر الأمن وتجمع الضرائب وتعد الجيوش للقتال.. الباقي لا تعرف إطلاقا كيف تقوم به، فهي تصرف المليارات وفي الأخير لا تصل إلى ربع الأهداف التي سطرتها، فلا يستفيد إلا الموظفون الكبار والتجار المتخصصون في النصب والاحتيال…

انظروا، مثلا، إلى ما جرى في صندوق المقاصة.. الدولة كانت تخسر فيه 56 مليار درهم كل سنة، وثلثا هذا المبلغ الضخم لم يكونا يصلان إلى الفقراء، ولو أن بنكيران حاول إصلاحه لقضى عمره كله تائها في دروبه الملتوية، ولما حقق هدفا واحدا. الحل أنه قطع الدعم عن المحروقات، وحرر الأسعار، واتجه إلى دعم بعض الفئات الهشة مباشرة بالمال.. هذا هو النموذج…

يجب حل شركة العمران والمكتب الوطني للمطارات والشركة الوطنية للطرق للسيارة ومئات المؤسسات العمومية، ويجب إلغاء عدد من المكاتب والحسابات والوكالات و… والاتجاه إلى تركيز جهود الدولة في التقنين (la régulation). انظروا، مثلا، إلى مطارات المغرب المصنفة في ذيل الترتيب العالمي، يمكن إعطاؤها لشركة مغربية أو أجنبية، ووضع دفاتر تحملات واضحة لها، وعوض أن نخسر المال في تدبير المطارات، ستجني الدولة الأرباح من وراء هذا التفويض. كل المطارات الناجحة في العالم لا يسيرها الموظفون العموميون والإدارات المتكلسة، بل القطاع الخاص المراقب والمقنن عمله…

إذا كان لديك ابن في البيت يسرق المال الموضوع أمامه في الصالون كل صباح، فماذا تفعل؟ هل تقضي الوقت كله في عد النقود ونصب كاميرات ووعظ الابن وتكليف الخادمة بمراقبته، أم تحمل المال من المنزل وتضعه في البنك و«مريضنا ماعندو باس»؟ تصوروا أن هذا الحل البسيط لا تفكر فيه دولتكم، وتعلم الناس الحكمة القائلة: «المال السايب يعلم السرقة».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كلب ينبح لكنه لا يعض كلب ينبح لكنه لا يعض



GMT 19:41 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

الاهتمام بلبنان في ظلّ إعادة تأسيسنا صاروخيّاً!

GMT 19:39 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ثلاثية الكويت

GMT 19:36 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

محاكمة لجنة التحقيق!

GMT 19:35 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

فكرة بديلة فى الرى!

GMT 19:32 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ما نعرفه حتى الآن

GMT 12:34 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

الشخصية اللبنانية كمزحة

GMT 12:32 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

لماذا يكره المتطرفون الفنانين؟

GMT 12:29 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

ارفع معنوياتك!

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 19:20 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الجدي

GMT 06:36 2018 السبت ,08 أيلول / سبتمبر

تمتع بمغامرة فريدة في أجمل مدن "مولدوفا"

GMT 11:44 2017 الثلاثاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

المؤجلات… موت التشويق

GMT 22:25 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

المانجو فاكهة النشاط والتفاؤل

GMT 15:47 2018 الثلاثاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

أفكار مميزة لتجديد حديقة منزلك بدون تكاليف في الشتاء

GMT 18:25 2018 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

لمسات بسيطة تضفي مزيدًا من الجمال على شرفات منزلك
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya